قراءة لكتاب نافذة على القصة القصيرة الفارسية الحديثة اختارها وترجمها الدكتور إحسان اللواتي


كل عام وأنتم بخير جميعا … كل عام وأنتم بخير معشر القراء ...

كما يوحي العنوان يقدم الأكاديمي العماني أستاذ الآداب في جامعة السلطان قابوس الدكتور إحسان اللواتي للقارئ  والباحث العربي نظرة سريعة على عالم القصة القصيرة في إيران الحديثة، يقدم خلالها للقارئ العربي تسع قصص قصيرة لتسعة من أشهر الكتاب والأدباء الإيرانيين، اختارهم الدكتور إحسان ليغطوا كافة مراحل تطور فن القصة القصيرة في إيران منذ نشأتها بشكلها المعاصر مع الروائي والأديب الإيراني الشهير صادق هدايت في عشرينات وثلاثينات القرن المنصرم إلى كتابات المعاصرين من كتاب والأدباء جيل الثورة الإسلامية من أمثال نصرت ماسوري وعلي خدابي. 


في مقدمة الكتاب، يقدم الدكتور إحسان لقارئه نبذة مختصرة عن تطور القصة القصيرة في إيران. ويقسم اللواتي المسيرة الفنية للقصة الإيرانية القصيرة إلى ثلاث مراحل زمنية رئيسية لكل منها أسماؤها الخاصة وسماتها الفنية الخاصة وهي الترتيب:


١- " مرحلة البدء والتكوين، واتسمت بتأثر بالأدباء الغربيين من أمثال موباسان وهمنغواي وكامو ومن اشهر أدبائها صادق هدايت وإبراهيم كلستان وبزرك علوي "  


٢- "مرحلة الرشد والتحول، ويؤرخ بدايتها بعام ١٩٥٣م وقد اتسمت بموضوعاتها النفسانية وذكريات مرحلتي الطفولة والشباب والموضوعات المتعلقة بالمناطق والقرى، والاهتمام بالأساطير المحلية والقومية


٣- " أخيرا مرحلة عدم الانسجام ، ويؤرخ لها مع قيام الثورة الايرانية عام ١٩٧٩ وفيها ظهرت اتجاهات أدبية مختلفة ومتفاوتة وصلت إلى حد التناقض، وقد اتسمت في بداية الثورة بتوجه الكتاب نحو التراث وطبع القصص بطابع ديني مرتبط بالسياسة والقضايا الاجتماعية مع عدم الحرص على الإجادة من النواحي اللغوية والتقنية للفن القصيرة ، إلا أنها بعد ذلك عادت إلى الأساليب التجريبية وأفرط بعض الكتاب في تأثره بالحداثة وما بعدها مما قلل ارتباطه بالناس والمحيط الاجتماعي "    


بعدها قدم لنا اللواتي كما أسلفت تسع قصص من ترجمته لتسع كتاب لتكون نماذج للمراحل المختلفة لتطور القصة القصيرة في إيران وقد كانت القصص والكتاب بالترتيب كما يلي: صادق هدايت: لاله ، ابراهيم كلستان: السمكتان ، هوشنك كلشيري: الذئب ، مهدي شجاعي: فليأت أحد ليأخذني، موسى عليجاني: مكان بعيدا جدا،فررزنده عزالدين: وتبكي السحب، نصرت ماسوري: اللوحة الناقصة ، على خدايي: مدينة الملاهي. تتعدد المواضيع التي يطرحها الكتاب الإيرانيين في هذه المجموعة  وذلك حسب الحقبة التي ينتمي لها كل كاتب. فهناك الكتابات الأكثر عمقا وجمالية والتي اعتمدت على الرمز والفلسفة وشيء من الأسطورة كالقصص الأربع الأولى وهنالك الكتابات التي تركز على القضايا الاجتماعية والسياسية كالحرب على العراق ومعاناة المواطن الإيراني اليومية بشكل مباشر كما في قصص اللوحة الناقصة ومكان بعيد جدا ومدينة الملاهي وأخيرا هناك من يكتب بأسلوب تجريبي فيه شيء من الغرابة والغموض كقصة فررزنده عزالدين: وتبكي السحب.    


شخصيا أعجبتي قصتي صادق هدايت "لاله" وهي قصة جميلة ذات رمزية عالية تتحدث عن الوحدة والحب والفراق وقصة مهدي شجاعي: فليأت أحد ليأخذني وهي قصة طريفة كتبت بأسلوب ساخر عن عقدة النقص لدى الفنانين أما بقية القصص فقد كانت بين العادية والجيدة نسبيا. على أنه هنا تكمن مشكلة هذا النوع من الكتابات فهي تعتمد بشكل رئيسي على الاختيارات الشخصية للمترجم أو المحرر، وبما أن  التجربة الأدبية في الغالب الأعم هي تجربة subjective - شخصية غير موضوعية - ، فإن ما يعجب إحسان أو يختاره قد لا يستحسنه البعض أو لا يحملوا له نفس الانطباع؛ ولذلك لا يمكن الاعتماد عليه لإصدار الحكم على كاتب معين خصوصا بالاعتماد على قصة واحدة. 


إلا أنه وعلى الجانب الآخر، فإن وجود مثل هذه الكتابات مهمة للقارئ العربي البسيط من أمثالي وذلك للاطلاع ولو سريعا والتعرف على مجموعة من الكتاب الإيرانيين فباستثناء صادق هدايت  ـ وهذا خطأ مني ـ لم أكن قد سمعت ببقية الأسماء  والتي اتضح لي بعد أن قرأت هذا الكتاب وبعد شيء من البحث السريع أن بعضها من أهم الأسماء الأدبية الإيرانية وقد بلغت كتابات بعضهم شهرة وحظوة عالمية مما جعلني أتساءل عن تأثير الأوضاع السياسية التي نعيشها على اختياراتنا الأدبية وعلى رغبتنا في التعرف على الأعمال الفنية للشعوب الأخرى على الرغم من كل الصلات التاريخية التي تجمعنا بإيران على سبيل المثال.  وهنا ربما تكمن من وجهة نظري أهمية مثل هذه الكتابات التي يشكر الدكتور إحسان صادق اللواتي على تقديمها للقارئ العربي.


أخيرا، على الإشارة ولو سريعا للترجمة الرائعة والمتميزة للدكتور إحسان اللواتي والتي أتمنى أن يتحفنا بغيرها في القادم إن شاء الله ولكن ليس بصورة انتقائية كما هو الحال هنا بل لمجموعات قصصية أو روايات أو أعمال شعرية كاملة وكما نشرها أصحابها لنتعرف بصورة أعمق وأوضح على الكتابات الأدبية الفارسية. 


تقييمي الشخصي: ٧.٥ /١٠

تقع الرواية في ١٣٩ صفحة. بين يدي طبعة الرواية الأولى ٢٠١١م عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

القادم الحب في زمن الكوليرا لغابريل غارسيا ماركيز 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف