رواية القناص للكاتب العماني زهران القاسمي



" الليلة لا تشبه البارحة، فأنا في رحلتي هذه محمل بكل تلك السنين ووحيد إلا من ذاكرة تصعد معي أمسك بخيوطها كما يمسك الهواه بحبال التسلق " 


علي الاعتراف في مقدمة هذا الحديث الموجز وقبل الخوض في أية تفاصيل حول الرواية أنني شخصيا مع المحافظة على الحياة الفطرية ومع الإجراءات الحكومية الصارمة في هذا الخصوص بل أني مع تشديدها أكثر، وعليه فإني بطبيعة الأمور لن أجد موضوع القنص بذاته مغريا كموضوع حكائي بل أني كنت أتمنى طوال الرواية أن يخطئ القناصة - أبطال الرواية - أهدافهم وتنجو تلك الكائنات البريئة المهددة بالانقراض والتي تعرضت للصيد الجائر. 


غير أن الرواية وإن كانت في ظاهرها تدور حول قناص عجوز يحاول تحقيق حلم حياته في اصطياد تيس وعل بري إلا أنها في حقيقتها تفاجئ قارئها وتطرح عليه أسئلة فلسفية وجودية حول الأحلام والأماني والرغبات كما أنها تضع القارئ كما وضعت شخوصها امام معادلة الزمن الذي يتحرك ويتسرب  بسرعة من بين أيدينا في عالم اليوم دون أن يترك لنا في بعض الأحيان حتى مجال لالتقاط الأنفاس، لتتحول الرواية خصوصا في قسمها الأخير إلى محاولة الإنسان البقاء والتأقلم ليس فقط مع تغيراته الشخصية من تقدم في العمر بل أيضا مع عالم متغير بقوانين جديدة لا يعيها ولا يفهم ابدا مآربها.  


تحكي الرواية قصة الشايب صالح بن شيخان وهو قناص من إحدى القرى الجبلية في وادي الطايين، يعيش معظم حياته على أمله في صيد تيس وعل الذي لطالما أعتبر التحدي الأكبر لكل صياد في  تلك الأنحاء. تبدأ الرواية بصالح في نهاية الخمسينات من عمره وهو جالس في فناء بيته ينظر إلى الجبال العالية من خلال منظاره فيلاحظ وجود وعل ضخم وسط الجبال وهو منظر لم يعهده منذ سنوات. يقرر بعدها الخروج في رحلة قنص عل الحظ يحالفه أخيرا في صيد ذكر الوعل العظي، خلال تلك الرحلة وسط جبال ووديان وادي الطائيين يستعيد صالح شيخان سيرة عائلته القديمة وحكايات القناصين ويوميات القرويين العمانيين خلال القرن العشرين قبل النهضة وخلال السنوات القليلة التي تلتها. 


ينقل زهران القاسمي في روايته القصيرة بكل دقة يوميات وحياة العمانيين الفلاحين في الواحات الجبلية قبل السبعين ولكن دون التركيز على أي بعد سياسي ، فالرواية معنية أكثر بحكايات ويوميات المحرومين والمهمشين وصراعاتهم البسيطة. ينقل لنا أيضا زهران القاسمي بلغته التصويرية الجميلة وعينه السينمائية الطبيعة الجبلية والحياة الفطرية في تلك الأنحاء بكل تفاصيلها الدقيقة، حيث شعرت شخصيا خلال تلك الفصول وكأني أشاهد برنامجا وثائقيا صور بدرون لتلك المناطق الآسرة. كما كنت بصحبة شخصيات القاسمي الجميلة أنزل الأودية وأصعد الجبل وأبيت في الكهوف. 

إجمالا استمتعت كثيرا بالرواية وقد ذكرتني كثيرا برواية الشيخ والبحر لإرنست همنغواي فهناك تشابه كبير من وجهة نظري بين العملين فهناك سنتياغو الصياد الماهر الذي يحلم باصطياد سمكة مارلين ضخمة وهنا الشايب صالح وحلمه في صياد تيس الوعل وكلاهما الشيخ مع همنغواي والشايب مع القاسمي يسعيان لمقاومة الزمن وعوامله وقوانينه وإثبات الذات في وجه كل من يشك في قدراتهم ـ حتى القارئ - حتى اللحظة الأخيرة. ولعل مأخذي الوحيد على الرواية هو على صفحاتها الثلاث الأخيرة التي لا يمكنني الحديث عنها هنا بتفصيل دون كشف نهاية الرواية إلا أن ما يمكنني قوله هنا أن القاسمي في الختام لم يثق أبدا في قارئه فأخذ يشرح له مباشرة معنى الرواية ورسائلها الداخلية وهو أسلوب لا يعجبني شخصيا. يذكر أن الرواية حازت على جائزة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء للإبداع الثقافي ٢٠١٥ وهو ما تستحقه بجدارة.


خرجت من هذه التجربة شخصيا باعتقاد أن زهران القاسمي صاحب قلم عماني إبداعي جميل ومتميز يكتب بلغة رائعة معنية بنقل تفاصيل وحكايات أهالي القرى الكثيرة المنتشرة بين الجبال العمانية الشامخة.  


تقييمي الشخصي: ٧ /١٠


تقع الرواية في ١٤٣ صفحة. بين يدي طبعة الرواية الثانية ٢٠١٨ عن مسعى للنشر والتوزيع.


القادم مسرحية السلطان الحائر لتوفيق الحكيم.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف