قراءة لرواية عندما تشيخ الذئاب لجمال ناجي

 


" أنتم أصحاب مبادئ ونحن أصحاب عقيدة، المبادئ لا تصمد كالعقيدة، لأنها فضاضة وعمومية، حتى أنها تكاد لا تقول شيئا مفيدا، أما العقيدة فواضحة وتقول كل شيء بالتفصيل، وفوق هذا فهي من عند الله "   


على الرغم من الفكرة البراقة والمغرية جدا لتقديم رؤية روائية تتمحور حول اللحظة التاريخية الهامة التي شهدت أفول نجم اليساري العربي والانطلاقة المدوية لليمين الإسلامي في نهاية القرن العشرين، والتي نعيش حاليا تبعاتها ونتائجها المؤسفة، إلا أن تقديمها كما فعل جمال ناجي في روايته عندما تشيخ الذئاب من خلال شخصيات كرتونية مقولبة وتقليدية وذات تحولات كبرى وغير منطقية أفقد الفكرة الأساسية كل بريقها ومعانيها وحول الرواية في ختامها إلى نص هزيل بلا روح ولا منطقية ولا تأثير وهو أمر مؤسف حقا. 


تدور أحداث الرواية في أحد أحياء عمان المعدمة وتتمحور حول شخصية عزمي الوجيه الذي يبدأ حياته كشاب فذ وذكي ينقلب بعدها إلى متطرف ديني وناشط في مجال الدعوة، الأمر الذي يستغله كمدخل إلى عالم المال والأعمال في الأردن ليصبح أحد أهم رجال السياسة والأعمال فيها. تقدم الرواية شخصية عزمي من خلال أصوات وشهادات مجموعة مِن مَن عرفوه وارتبطت مصائرهم بمسار حياته وهي: رباح الوجيه والده التعيس، سندس زوجة أبيه الفتاة الحالمة والجميلة التي يأخذها حظها العاثر وفقر عائلتها إلى زواج فاشل من عجوز في عمر أبيها، خاله جبران اليساري الثوري الذي ينظم إلى ركب البرجوازية الفاسد وينقلب على كل مبادئه وأصدقائه من أجل منصب حكومي، الشيخ عبدالحميد الجنزيز شيخ الحي ذي الكريزما القوية التي يستغل الإسلام والدعوة من أجل تكديس المال والضحك على ذهون التعساء وأخيرا بكر الطايل المتطرف الأحمق الذي يستغله الجميع لتحقيق مآربهم. 


تقدم كل من هذه الشخصيات شاهدتها حول قصة صعود عزمي الوجيه الدرماتيكية من الحياة البائسة في حي الفقراء  في جبل عمان إلى واحد من أهم رجالات المال والسياسية في الأردن وحكاية سقوطه التراجيدية بعدها، ليستعرض  ناجي بذلك حكاية صراع الثالوث المحرم في العالم العربي: الدين والسياسية والجنس.كما أسلفت يقدم جمال ناجي رواية من خلال أصوات ست من شخصياتها الرئيسية ويتمكن وبجدراة  حقا من تلبس شخصياته المتناقضة والكتابة بإقناع من وجهة نظر كل منها رغم التباين الكبير بين الشخصيات واختلافها والمنافسة بينها دون أن يتحيز لأي منها على حساب الآخر، كما يتمكن من إيجاد تبريرات لتصرفاتها.  


غير أن الرواية للأسف تقع مع ذلك في فخ القوالب الجاهزة والشخصيات التقليدية من اليساري المتناقض مع بادئه إلى المتدين النسونجي الفاسد الذي يستغل الدعوة والدين لتكديس الأموال. تفتقد الرواية ايضا للقراءة التجديدة والمعالجة العميقة للصراع بين السياسة والدين واليسار واليمين في العالم العربي، كما تفشل الرواية في تقديم شخصيات جديدة وواقعية وثلاثية البعد تمكن القارئ من التماهي معها وإسقاطها على نماذج من الواقع المعاش. أضف إلى ذلك أن الصراعات بين الشخصيات والعلاقة بينها في كثير من الأحيان كانت مفتعلة وغير منطقية في مسار الرواية، هذا بالإضافة إلى أن الرواية في فصولها الأخيرة تخرج بشكل صارخ عن المسار العام وتتحول بصراحة إلى مسلسل تركي أو مكسيكي رخيص الأمر الذي يجعلني استغرب وبشدة كيفية وصول رواية مثل هذه إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية  وهي حقيقة ـ من وجهة نظر قارئ بسيط مثلي ـ لا تستحق أن تصل حتى إلى القائمة الطويلة. 


باختصار الرواية، وعلى الرغم من العنوان الجذاب جدا والموضوع الحساس والمهم، كانت رواية تقليدية وسطحية بشكل مستفز حقا ونصيحتي الشخصية أن لا تضيعوا وقتكم أبدا في قراءتها. في الختام لا بد من الإشارة أن الرواية حولت إلى عمل درامي سوري من بطولة سلوم حداد وعابد فهد وقد حقق المسلسل نجاح لا بأس به بين النقاد.          


تقييمي الشخصي: ٥.٥ /١٠


تقع الرواية ٢٤٦ صفحة. بين يدي طبعة الرواية الثانية ٢٠١٠ عن الدار العربية للعلوم ناشرون/منشورات الاختلاف. 


القادم رواية لاعب الشطرنج لستيفان زفايغ 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف