قراءة لرواية صلاة من أجل العائلة لرينيه حايك
إلى عالم الحرب الأهلية اللبنانية وإلى كوارثها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية من الفقر والاختطاف والتهجير والقتل، تعود رينيه حايك في روايتها المؤلمة والمأساوية "صلاة من أجل العائلة"، تقدم من خلالها الآثار النفسية والاقتصادية للاختطاف والتغيب الذي انتشر خلال الحرب الأهلية اللبنانية والذي مارسته ودون تميز معظم أطراف الصراع السياسي في لبنان. إلا أن الرواية مع ذلك غير معنية بمحاكمة أطراف الحرب الأهلية أو دراسة تاريخها السياسي، هي ببساطة ليست معنية بالدين والمذهب والعرق والتوجهات السياسية، على النقيض فهي معنية بمعاناة الإنسان فقط من الحروب الأهلية بغض النظر عن كل تلك المسميات والانتماءات، الأمر الذي زاد من قوة الرواية وجاذبيتها ـ بالنسبة لي .
غير أن الرواية لا تكتفي بذلك فقط بل تحكي خلال صفحاتها القليلة أيضا عن التهميش والفقر والحرمان في لبنان ما قبل الحرب، كما تحكي أيضا حكاية المرأة - الأم - خلال الحرب وقبلها وحكاية المرأة والزوجة في المهجر الذي أذهبت الحرب أحلامها الكبيرة وتركتها مجرد هامش في حياة الرجل ـ الزوج - الناجح البعيد التي يعتبرها مجرد ديكور في منزله يعود إليه متى يشاء لأخذ الصورة والاحتفاء به مع أصدقائه وشركائه في عالم البزنز.
تبدأ الرواية بموت أم راوية الحكاية بعد سنوات من الخرف والمرض في دار العجزة، وخلال الأربعين يوم التي تقضيها راوية الحكاية في لبنان حتى موعد قداس الأربعين لأمها تعود المرأة القادمة من المهجر في الولايات المتحدة الأمريكية بذاكرتها إلى حكايات أمها المرأة البسيطة التي عاشت عصامية منذ طفولتها المضنية التي قضتها خادمة في المنازل حتى قصة زواجها من فرانسيس الرجل اللطيف - الذي يعمل لحما ومن ثم حارس في مستشفى الجامعة الأمريكية - والذي يغير حياتها إلى الأفضل نسبيا. غير أن اختطاف الأب مع بداية الحرب الأهلية يقلب حياة العائلة رأس على عقب تعود الأم خادمة تعمل في إحدى الأديرة وتختفي الأحلام الكبيرة التي وضعها الأهل في أبنائهم الثلاثة: رواية الحكاية، نقولا وأنطون. تتزوج راوية الحكاية من رجل أعمال بسيط قادم من أمريكا وتأسس حياتها معه في كليفلاند وتنجب طفليين متناقضين جدا في التصرفات.
بين ذكريات الأم العصامية وذكريات الحرب الاهلية ومن ثم ذكريات حياة راوية الحكاية في كليفلاند تأخذنا رينيه الحايك في قصة إنسانية مؤلمة من زمن الحرب الأهلية اللبنانية لكنها - كما أسلفت - لا تقف عند يوميات الحرب ولا عند لحظات الخوف والفزع والملاجيء والقصف العشوائي بل تقدم نتائج هذه الحرب حتى بعد زوالها فهي حكاية الفقد والحرمان، الفقر والمهجر، الأحلام الضائعة والزواج البارد الخالي من الحب.
من خلال لغتها الجميلة التي تتميز بها الرواية والتي تعتمد فيها على الجمل القصيرة جدا والوصف السريع، ومن خلال فصولها القصيرة وشخصياتها المركبة وحكايتهم الواقعية جدا والمؤلمة التي تسلط الضوء على كارثة الحرب اللبانية تقدم لنا رينيه الحايك درسا حقيقيا حول النتائج الكارثية للحرب الأهلية على الإنسان ، إلا أن المؤسف الحقيقي هنا على كل حال أننا في العالم العربي لم نستوعب الدرس أبدا فلم نفهم ما معنى أن يعيش نصف الشعب مهجرا في المنافي البعيدة، لم نسوعب صور المقابر الجماعية ومشاهد القصف العشوائي، وها نحن نعيد التجربة نفسها مرة أخرى وبقسوة أكبر في ثلاث من الدول العربية لكل منها حكاياته المؤلمة ومشاهده المؤلة الموجعة وفي كل منها الآن عائلات تعيش الحكايات نفسها والآلام نفسها وربما أكثر وهنا تكمن التراجيديا الحقيقية للرواية.
على الجانب الآخر، فالرواية ليست للجميع فبها كم هائل من الكآبة والألم وليس بها أي لحظة أو أي مشهد إيجابي، فراوية الحكاية سلبية بشكل منفر في بعض الأحيان على الرغم من أنها تستعيد شيئا من أحلامها الخاصة بعد أن يكبر أبنائها، فتعود إلى مقاعد الدراسة وتنهي دراستها الجامعية ويعرض عليها العمل في الجامعة إلا أنها إلى اللحظة الأخيرة تظل حبيسة آلام الماضي وحياة أمها المضنية.
في الختام تجدر الإشارة سريعا أن الرواية وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر لعام ٢٠٠٩، ولم تصل إلى القائمة القصيرة إلا أني شخصيا وجدتها أفضل نسبيا من بعض الروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة لذلك العام فهي بالتأكيد أفضل بكثير ـ من وجهة نظري - من رواية زمن الخيول البيضاء لإبراهيم نصرالله على سبيل المثال.
تقيمي الشخصي: ١٠/٧.٥
تقع الرواية في ١٦٥ صفحة، بين يدي الطبعة الأولى للرواية ٢٠٠٧ عن المركز الثقافي العربي.
القادم عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم
تعليقات
إرسال تعليق