قراءة لرواية حطب سراييفو لروائي الجزائري سعيد خطيبي




" أسوأ شيء يحدث لامرأة هنا ـ سراييفو ـ هو أن تستيقظ حبلى وتنجب أطفالا. وحدها الطيور ما زالت تتكاثر. الكلاب و القطط قل عددها ولم نعد نصادفها في الشارع بنفس الوفرة، كما ألفناها في الماضي. الأشجار و الزهور الموسمية أيضا اختفت. لم أعد أرى زهر إكليل الجبل، الأبيض والبنفسجي، الذي عرفته في صغري، ولا شجيرات القرنفل، ببتلاتها الوردية، ولا زهور الجيرانيوم، التي كانت تزين الشرفات. اللون الأخضر يمحي يوما بعد يوم " 

إلى حياة في ظل الحروب الأهلية والتي اجتاحت بلدين في العالم الثالث ـ هما الجزائر و البوسنة ـ خلال تسعينات القرن الماضي، تعود رواية " حطب سرايفيو "  للروائي الجزائري الشاب سعيد خطيبي وهي الرواية الخامسة التي أقرؤها من  روايات القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر لهذا العام ـ٢٠٢٠ م. من خلال تقاطع حياتين للشخصيتين في المهجر، تسلط الرواية الضوء على الحرب الأهلية التي عصفت الجزائر و البوسنة وأثرها على الناس الذي عاشوا خلالها ففقدوا أحباب وأصدقاء و شهدوا من الفضائع مما يصعب وصفه، إنها قصة الناجيين من الدمار والخراب والهجرة، قصة البشر الذين شوهتهم حرب الأخوة ووحدهم المصير المؤلم على اختلافهم. 

تدور أحداث الرواية حول شخصيتين رئيسيتين تتناوبان السرد هما سليم الصحفي الجزائري الشاب الذي يحمله عمله في القسم الاستقصائي و السياسي في الصحيفة إلى الخطوط الأولى للمجازر اليومية التي تعيشها الجزائر، ويقوم بها مطاردي الأرواح كما يسميهم بطل الرواية، و شخصية ايفانا و هي بوسنية من سراييفوا تعيش مع عائلتها المشتتة سنوات الحرب القاسية في البوسنة التي تخلفها بين أب مقتول وأم صامتة وأخت مجنونة وأخ مهاجر تضطر بعد ذلك أن تركن أحلامها للعمل ككاتبة مسرحية لتعمل نادلة في مطعم إحدى الفنادق. 

تفقد ايفانا عملها في الفندق فتقرر الهجرة للعمل في سلوفينا والبحث عن أخيها المختفي منذ سنوات. في الوقت نفسه  يفقد أيضا سليم عمله بعد إغلاق الجريدة إثر نشرها لحوار صحفي مع معارض في الخارج يقرر على إثرها أن يزور عمه المجاهد السابق ـ سي  أحمد ـ الذي هاجر إلى سلوفينيا قبل عقود و تزوج وأسس عائلة هناك يدير فيها مع زوجته مقهى في العاصمة . تتقاطع حياة الشخصيتين عندما تصبح ايفانا نادلة في مطعم العم سي أحمد.

تنقسم الرواية إلى أربعة أجزاء تبدأ أولا بتعريف بكل من شخصية سليم وإيفانا ، ثم تبدأ الأحداث بحركة بطيئة نوعا ما خلال الجزأين الأول والثاني، ينقل خلالها الروائي قارئه من خلال تقنية الفلاش باك والفلاش فرورد إلى التاريخ الدموي التي عاشته هاتان الدولتان خلال تاريخهما المعاصر من الحرب العالمية الثانية، والحياة في دول الاستقلال انتهاء بالحروب الأهلية. بالإضافة إلى حياتهم المعاصرة وصلا إلى لقائهم في مقهى سي أحمد عم سليم في العاصمة. لا يحدث الكثير في الجزأين الأول و الثاني، يأخذ الكاتب وقته في رسم شخصياته الرئيسية والشخصيات الثانوية على حد سواء. غير أن القارئ يعرف أن شيئا سيعصف بهما معا و سيقلب حياتهم رأسا على عقب و هو ما يحدث في الجزء الثالث من الرواية. وعلي الاعتراف أنه كتب بحرفية جميلة و بتأكيد لا يمكنني الحديث عنه هنا دون فضح حبكة الرواية. 

على أن مستوى الرواية يبدأ بالتراجع في جزأها الرابع، حيث يحمل هذا الجزء الكثير من الكشوفات حول ماضي الشخصيات حين يكتشف البطلين انهما كانا يعيشان حياة مزيفة طوال حياتهما فيعود كل الى وطنه لأعادة أكتشاف ماضية ورغم الرمزية الواضحة في هذا الموضوع حيث يعبر كل منهما عن حال بلده ما بعد الأستقلال حين كانت تعيش هذه البلدان نوعا من الاستقرار المزيف ما لبث ان سقط عند كل اختبار الى التنفيذ لم ينجح في عكس تلك الصورة .

 أضف إلى ذلك حدوث الكثير من الصدف والارتباطات الغريبة في حاضر تلك الشخصيات و ماضيها والتي جاءت في معظمها فجة و مقحمة على الرواية في محاولة من الكاتب ربما لايجاد نهاية لكل شخصياته حتى تلك التي تظهر ظهور سريعا . بصراحة كانت النهاية غير موفقة في أقل تقدير، حيث جاءت كأنها مقتبسة من مسلسل مكسيكي أو تركي سيء، يحاول  فيه الكاتب أن يفاجئ المشاهد و يلعب بمشاعره بصورة غير منطقية وهو أمر مؤسف حقا. فرغم أن بناء الرواية خلال فصولها الثلاثة الأولى وصولا إلى مشهد الذروة كان بناء جميلا، بشخصيات شديدة الواقعية و بكركترات حتى الثانوية منها مرسومة بحرفية إلا أن الجزء الأخير خيب آمالي بشكل كبير. 

 إلى ذلك لم تنجح الرواية كثيرا في تقديم صوت أنثوي حقيقي للشخصية ايفانا التي تحتل روايتها للأحداث نصف الرواية تقريبا، حيث كنت دائما أشعر وأنا أقرأ فصولها ، أنها فصول كتبها رجل و ليس امرأة وهذا شعور خاص ربما قد يخالفني فيه البعض. كما أن النص الذي جاوز ٣٠٠ صفحة رغم اللغة الجذابة والهادئة والبعيدة عن التكلف، لم يخلو من الحشو و الأقحام ، وتمثل ذلك كثيرا في النقلات المفتعلة خلال الفصل الواحد والتي لم تقدم جديدا لا على مستوى الشخصيات ولا على سير الحكاية.

 ختاما، الرواية بالمجمل جميلة و قد تعجب الكثيرين ورغم فكرتها الجميلة في الجمع بين مأساتين من التاريخ المعاصر إلا أن التنفيذ في النهاية اصطدم من وجهة نظري بحاجز الافتعال ومحاولة التشاطر على القارىء فكانت الخاتمة مخيبة للآمال. 

تقع الرواية في ٣٢٧ صفحة ، الطبعة الأولى ٢٠١٩ عن منشورات ضفاف/الأختلاف.
تقيمي الشخصي: ٧/١٠
القادم المجموعة القصصية ساعة الزوال للكاتب العماني محمود الرحبي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف