قراءة للمجموعة القصصية "عن الرجال و البنادق" لغسان كنفاني
هـــذه هـــي المجـــموعـــة الـــقصصية الـــثالـــثة - و الـــكتاب الـــسادس - الـــذي أقـــرأه لهـــذا الأديـــب الـــعظيم . و كـــمعظم كـــتابـــات غـــسان كـنفانـي وكـما هـو واضـح مـن الـعنوان تـنتمي هـذه المجـموعـة الـقصصية إلـى أدب المـقاومـة، فـمعظم أبـطالـها فـدائـيين قـرروا حـمل الســـلاح وبـــذل حـــياتـــهم مـــن أجـــل أوطـــانـــهم. غـــير أنـــها مجـــموعـــة قـــصصية تـــنتمي لـــعالمـــين وزمـــنيين مـــختلفين فـــالـــقصص الأربـــع الأولـى كـتبت قـبل نـكبة ١٩٦٧ ومـا تـلاهـا مـن قـصص كـتبت بـعدهـا ولـذلـك اخـتلفت المـواضـيع ولـغة الـكتابـة وطـبيعة الـهموم الـتي تطرحها وإن اشترك جميعها كما أسلفت في موضوع المقاومة والكفاح المسلح.
تـتكون المجـموعـة إلـى جـانـب المـدخـل مـن تـسع قـصص هـي: الـصغير يسـتعير مـرتـينة خـالـه ويشـرق إلـى صـفد، الـدكـتور قـاسـم يتحـدث لإيـفا عـن مـنصور الـذي وصـل إلـى صـفد، أبـو الـحسن يـقوض عـلى سـيارة إنـكليزيـة، الـصغير وأبـوه والمـرتـينة يـذهـبون إلــى قــلعة جــديــن، الــصغير يــذهــب إلــى المــخيم، الــصغير يــكتشف أن المــفتاح يشــبه الــفأس، صــديــق ســلمان يــتعلم أشــياء كــثيرة فــي لــيلة واحــدة، حــامــد يــكف عــن ســماع قــصص الأعــمام، مــلاحــظة: أم ســعد تــقول "خــيمة عــن خــمية ... تــفرق". كــما يــتضح مــن الــعناويــن المــرتــينة ـ الــبندقــية ـ والمــقاومــة حــاضــرة فــي كــل الــقصص تــقريــبا وكــما تشــترك الــقصص فــي المــوضــوع تشــترك أيـضا فـي الـجو الـعام لـلأحـداث فـالـغيوم الـداكـنة m الـعواصـف والمـطر وصـوت الـرعـد مـنظر الـبرق حـاضـرة مـع الـشخصيات ولـها بالطبع دلالة رمزية لا تخفى .
فــــي الــــقصص الأربــــع الأولــــى يــــقدم غــــسان كــــنفانــــي أربــــع قــــصص لــــنفس الــــشخصية هــــي أقــــرب لــــلروايــــة أو إلــــى الحــــلقات المتسـلسلة، يـقدم خـلالـها غـسان كـنفانـي فـي كـل قـصة مشهـد مـن حـياة المـقاوم الـشاب مـنصور أو الـصغير كـما يـسميه أخـوه الـدكـتور عـصام خـلال الـثورة الفلسـطينة الـكبرى فـي ثـلاثـنيات الـقرن المـنصرم. أمـا الـقصص الخـمس الأخـيرة فـتناولـت قـصص الاغـــتراب والمهجـــر الفلســـطيني مـــن المـــعانـــاة داخـــل المـــخيات كـــما فـــي قـــصة " الـــصغير يـــذهـــب إلـــى المـــخيم " إلـــى الـــقرار المصيري الـــتي اتخـــذه الـــشعب الفلســـطيني فـــي المـــخيمات فـــي نـــبذ الســـلبية والـــبكاء عـــلى الـــوطـــن المســـلوب وانـــتظار المخـــلص الـقادم مـن الـدول الـعربـية والـذي صـبغ المشهـد الـسياسـي الفلسـطيني بـين نـكبة ١٩٤٨ و نـكبة ١٩٦٧ والاتـجاه إلـى السـلاح من أجل التحرير وأعلان الكفاح المسلح.
و كــما فــي أي مجــموعــة قــصصية تــختلف المســتويــات فــي الــقصص، فــالبنســبة لــي كــانــت الأربــع الأولــى أقــل فــي المســتوى عــن الـــبقية حـــيث كـــانـــت مـــباشـــرة ولا تحـــمل الـــكثير عـــلى خـــلاف بـــاقـــي الـــقصص الـــتي كـــانـــت تـــتناول بعـــمق الـــقضايـــا الـــتي شـــكلت المشهــد الفلســطيني فــي ذلــك الــوقــت. أمــا أفــضل الــقصص فــي المجــموعــة فــقد كــانــت قــصتي حــامــد يــكف عــن ســماع قــصص الأعـــمام وقـــصة مـــلاحـــظة: أم ســـعد تـــقول "خـــيمة عـــن خـــمية ... تـــفرق" . فـــي الأولـــى وهـــي قصة شـــاب مـــقاوم يـــصيبه الـــصمم مـــن صـــوت المـــدفـــع الـــذي يـــشغله ويقدم غسان كنفاني قـــصة رمـــزيـــة رائـــعة تـــوضـــح حـــال المـــقاوم الفلســـطيني الـــذي قـــرر أخـــيرا أن يـــصم أذنـــيه أمـــام قــصص الــعويــل وحــكايــات المــاضــي الــذي شــغلت الــجيل الــسابــق، حيث أنــه تحــرر بــالــصمم الــذي أصــابــه مــن الــخوف الــذي كــبل آبائه و أعمامه:
" قــلت لــك، اســتمع كــثيرا، كــثيرا جــدا. كــان فــي ذلــك المــكان المــملوء بــالــذل والــخيبة والــسقوط مجــرد أذن تســتمع و تســتمع إلــى أطـنان مـن الـكلمات والـقصص والـعويـل لـم يـكن بـوسـعها أن تـقتل ذبـابـة واحـدة، لـم يـكن بـوسـعها أن تـطمر حـقيقة واحـدة، هـي أن أخته ـ الأخت هنا كناية واضحة لفلسطين ٤٨ ـ سقطت. أما الآن فقد قرر حامد أن يكف عن الاستماع. "
أمـا فـي الـقصة الـثانـية فـتعود فـيها أم سـعد بـطلة أحـدى روايـات غـسان كـنفانـي وكـنت قـرأتـها سـابـقا، وهـي قـصة المـرأة الـفقيرة الـتي سـحقتها حـياة المـخيم إلا أنـها لـم تـتوانـى فـي الـنهايـة عـن تـقديـم ابـنها الـشاب لـلالـتحاق بـالمـقاومـة. وفـي مـفارقـة بـينها وبـين أب و أم مــنصور فــي الــقصص الأربــع الأولــى الــذيــن يــرفــضون انــضمام ابــنهم لــلثورة الفلســطينية ، تــشجع أم الــسعد ابــنها على الالتحاق بالفدائيين ولا تتحسر إلا في عدم قدرتها على الالتحاق بهم لتخدمهم
" أتـدري؟ أن الأطـفال ذل! لـو لـم يـكن لـدي هـذا الـطفلان لـلحقت بـه. لـسكنت مـعه هـناك. خـيام؟ خـيمة عـن خـيمة تـفرق! لعشـت معهم، طبخت لهم طعامهم ، خدمتهم بعيني ، و لكن الأطفال ذل."
كــمعظم كــتابــات غــسان كــنفانــي تــتسم لــغة كــنفانــي الــرائــعة بــالمــرارة إلا أنــها مــملوؤة في هذه المجموعة بــالأمــل فــي الــجيل الــقادم ، كــما أنــها و كـالـعادة تـبتعد كـليا عـن الـتكلف والـتصنع والمـبالـغة. فـي الـختام أتـركـكم مـع اقـتباس مـن قـصة الـصغير يـذهـب إلـى المـخيم وهـي قصة عن حياة الهجرة ومعاناة المخيمات:
" كــان ذلــك زمــن الاشــتباك. أقــول هــذا لأنــك لا تــعرف: إن الــعالــم وقــتئذ يــقف عــلى رأســه، لا أحــد يــطالــبة بــالــفضيلة ... ســيبدو مـــضحكا مـــن يـــفعل ... أن تـــعيش كـــيفما كـــان و بـــأيـــة وســـيلة هـــو انـــتصار مـــرمـــوق لـــلفضيلة. حـــسنا. حـــين يـــموت المـــرء تـــموت الـــفضيلة أيـــضا ، ألـــيس كـــذلـــك دعـــنا نـــتفق بـــأنـــه فـــي زمـــن الاشـــتباك يـــكون مـــهمتك أن تـــحقق الـــفضيلة الأولـــى، أي أن تـــحتفظ بنفسك حيا. و ةفيما عدا ذلك يأتي ثانيا. ولأنك في اشتباك مستمر فإنه لا يوجد "ثانيا". أنت دائما لا تنتهي من " أولا" "
المجـموعـة الـقصصية بـطبعتها الجـديـدة نشـرت عـن دار مـنشورات رمـال بـالـتعاون مـع مـؤسـسة غـسان كـنفانـي الـثقافـية ضـمن مشروعهم لإعادة نشر كتابات الأستاذ غسان كنفاني، ٢٠١٤م . تقع المجموعة في ١٥٠ صفحة.
تقيمي الشخصي: ١٠/٨.٥
القادم هو رواية سندريلات مسقط للكاتبة العمانية هدى حمد.
حمود السعدي
لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi
تعليقات
إرسال تعليق