قراءة لرواية التانكي للروائية العراقية عالية ممدوح
" إن الجنون في أدنى حالته، ولنقل ذلك منذ البدء، موجود لدى كل امرى متكور في بقعة في ألياف الجمجمة، وعلى غير موعد يتسلل، ينحسر و يكشف عن مكانه"
بهذه الكلمات حقا يمكن اختصار هذه الرواية المجنونة. الجنون، والتشظي، والتشتت يقع في كل فصل وكل صفحة بل وربما كل جملة من هذه الرواية. رمت خلالها عالية ممدوح معظم ما عهدته ـ أنا القارئ البسيط ـ من قواعد الروايات و نظمها السردية عرض الحائط في مقابل أسلوب تجريبي جديد ينقل تشظي وتشتت و سيكولوجية شخوص الرواية ومعها ما يرمز لها من تشتت وتشظي العراق وشعبها إلى النص و حركة السرد فيه وهي تجربة فريدة ومجازفة جريئة تحسب للكاتبة، على أن السؤال هل يعني تجريب الجديد دائما تقديم الأفضل؟ وهل تتكلل المجازفة الأدبية دائما بالنجاح ؟
على مستوى النقاد و ما يعرف بالنخبة المثقفة فإن الرواية لاقت نجاحا واحتفاءً ملحوظا ولا أدل على ذلك وصولها للقائمة القصيرة للرواية العربية لهذا العام. أما على مستوى القارئ المتوسط من أمثالي فإني أشك أن الرواية ستحقق هذا النجاح، حيث بدت لي وكأن الروائية تستهين بهذه الشريحة الكبرى من القراء لما تعتقد أنهم النخبة . فقد وجدت نفسي و بعد الفصلين الأول و الثاني أتحرك مع الرواية و قد فقدت ـ the interset to care - الاهتمام بشخوصها وبمصائرهم أو حتى الرسائل السياسية و الإنسانية التي تحاول الرواية تصويرها في وسط هذه اللعبة السردية الغربية و لهذا ولأني لم أستطع أن أخرج بالرواية حقيقة لا بشئ سلبي ولا بشئ إيجابي فإني سأكتفي بسطور قليلة هنا أحاول فيها اختصار حبكة الرواية إن كان هناك حبكة اصلا على المستوى التقليدي.
تدور أحداث الرواية ـ وموضوعها تقليدي جدا و طرح مئات المرات في الأدب العربي- حول تشظي النخبة الثقافية خلال عصور الانقلابات. ثم الدكتاتورية والحروب في العالم العربي والعراق على وجه الخصوص منذ الخمسينات حتى العقد الأول من الألفية الجديدة. كرواية البحث عن وليد مسعود لابراهيم جبرا تقدم الرواية بطلتها الغائبة ـ عفاف أيوب ـ من خلال أصوات من عرفوها. متخذة من رسائل يرسلها هؤلاء إلى الدكتور النفسي الذي يعالج عفاف في مهجرها بطلب من أحد أصدقائها ورده على شيء من تسائلاتهم سبيلا لفهم شخصياتهم و شخصية بطلة الرواية و حركتها مع أحداث العراق منذ ميلادها مع ثورة/انقلاب ١٩٥٨ مرورا بصراعات السياسية بين الشيوعيين و البعثيين التي تنتهي لحساب البعثيين في ١٩٧٩ وهو العام الذي يوافق اضطرارها للهجرة الى فرنسا. تركز الرواية على غربة وتشظي المثقف والفنان العراقي - من خلال حكاية عفاف ومن عرفها - سواء في بلاده أو في المنفى الذي يعتقد أن فيه شيء من الخلاص. غير أن الحقيقة غالبا ما تخالف ذلك ، ربما تأخذ هنا الكاتبة شيئا من تجربتها الشخصية فقد عاشت في معظم حياتها في باريس.
تتحركت الرواية خلال فصولها الست الأولى - كما أسلفت من خلال أصوات وشهادات بعض أفراد عائلتها و أصدقائها ثم طبيها النفسي- عن عفاف أيوب الرسامة والفنانة التي تختفي فجأة في المهجر دون أن يعرف مكانها، يقدم فيها كل واحد منهم شهادة عن حياته و قصته مع عفاف بأسلوب سردي يميل في كثير من الأحيان إلى التشتت و الاضطراب ـ خصوصا في فصليه الأول و الثاني ـ وهو أمر مقصود أرادت من خلاله عالية ممدوح الربط بين عاطفة وسايكلوجية المتحدث وحالته النفسية وبين ما يقوله و يكتبه. بالإضافة إلى تصوير حالة التشظي والتشتت العامة للنخبة المثقفة في العراق و ربما العالم العربي. في الفصل الأخير- السابع - يأخذ الراوي العليم زمام الحكاية ليحكي قصة عفاف في المجهر و القصة التي تدفعها في النهاية إلى حافة الجنون.
ختاما على القول أن الرواية لم تصلني. حيث شكل السرد حاجزا بيني و بين شخوصها و كما أن هذه شخصيات لم تكن أصلا مثيرة للاهتمام وبدت لي تقليدية إلى حد كبير. و لعل التقليدية في الموضوع والشخوص هو الذي دفع الكاتبة ربما لهذا الأسلوب السردي الجديد الذي يحتاج حقيقة الى قراءة ثانية أو على أقل صبورة لفك الكثير من طلامسه و جمع شتاته و هو ما حاولت جاهدا فعله في الفصليين الأول و الثاني إلا أني بعد ذلك - ورغم تحسن السرد نسبيا في الفصول الباقية - فقدت أي اهتمام بمحاولة فك شباك الرواية وجدت نفسي اعسى فقط لأنهائها. ربما علي قراءتها من جديد ربما بنظرة جديدة وبنفس أطول. لكن بالتأكيد ليس الآن ربما بعد عشر سنوات أكون ربما في مستوى تصليني فيه هذه الرواية اما الآن فإن الرواية كانت و باختصار
. Snobby, pretentious & has no interest in relating to the average reader
تقع الرواية في ٢٧٠ صفحة ، الطبعة الثانية ٢٠٢٠ عن دار المتوسط.
تقيمي الشخصي: ٦/١٠
القادم رواية حطب سرايفوا للروائي الجزائري سعيد خطيبي.
حمود السعدي
لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi
تعليقات
إرسال تعليق