قراءة لرواية سندريلات مسقط للكاتبة العمانية هدى حمد
علي أن أعترف في البدء أنني ربما قد أخطأت في ما سبق في التعاطي والحكم على المنتوج الروائي العماني، حيث كانت نظرتي له محكومة ربما بضيق اطلاعي على المنتوج الثقافي، بالإضافة إلى تركيزي على قراءة ربما ما أنتجه مشاغبي السوشل ميديا والسياسية والكتب التي اشتهرت بإثارة الجدل، أما الآن فمع محمود الرحبي وعبدالعزيز الفارسي وجوخة الحارثي وبشرى خلفان وأضيف هدى حمد، وجدت تجارب مختلفة ومتميزة وهي وإن لم تخلو من بعض الملاحظات إلا أنها حمستني للتعمق أكثر والبحث في المنتوج الثقافي العماني.
في رواية سندريلات مسقط، تقدم هدى حمد عالم يجمع بين الفانتازيا التي تستمدها من قصص الجنيات والأميرات وقصص غاية في الواقعية لمجموعة من النساء تقدم فيها وجهة نظر المرأة لحياتها في المجتمع الذكوري العربي بشكل عام والعماني بشكل خاص. كما أنها أيضا تجمع بين فنّي القصة القصيرة والرواية، فالرواية عبارة عن سبع قصص لعدة سيدات لا تتقاطع أبدا إلا في المقدمة والخاتمة، ولا يجمعهن إلا الوحدة الموضوعية العامة في معالجة هموم المرأة العربية. حيث أنها تحكي قصة المرأة العمانية التي نتجاهل ـ نحن الذكور بقصد أو من دونه ـ ما تعيشه وتعانيه وتتحمله بصمت وصبر كبير، غير أنها ليست قصص للنساء يعشن حالات خاصة ونادرة، على العكس من ذلك فهي قصص لنساء يعشن بيننا يوميا دون أن ندرك نحن في فقاعتنا الذكورية ما تقاسيه هذه المرأة من أجل ظهورها بالمظهر الذي يطلبه المجتمع منها.
من خلال قصة سندريلا الشهيرة تستمد هدى حمد بداية حكايتها فكما تعيش بطلة القصة الكلاسكية الضنك مع زوجة أبيها، وتخرج في يومها المشهور وفي ظل سحر الجنية، لتعيش لحظات تخرجها من عالمها القديم وتقدمها بصورة مبهرة لجميع حضور الحفلة. تعيش الشخصيات الثمانية لروايتنا حياتهن اليومية المتعبة ليخرجن في يوم واحد في الشهر تاركات خلفهن كل المسؤوليات فيلتقين في مطعم على شاطيء القرم ليعشن ليلة ساحرة يبهرن فيها كل من في ذلك المطعم بسحر وجودهن. نكتشف بعدها أن سر تلك الهالة التي تحولهن إلى سندريلات في تلك الليلة هو الحكي أو القصص التي يتخففن بها من الهموم التي يعشنها في حياتهن اليومية.
ومن هنا نبدأ الحكاية الحقيقية حيث نستمع لقصص السندريلات اليومية، وهنا تنتقل الرواية نقلة انسيابية من لا معقول إلى واقعية شديدة. فأنا شخصيا وأنا أقرأ تلك القصص على لسان الشخصيات وجدتني - باستنثاء قصة ريا التي سأتحدث عنها لاحقا- أمام شخصيات تتقارب بشدة غريبة مع شخصيات من حياتنا اليومية. تطرح هدى حمد وعبر شخصياتها و من خلال اسلوب المنلوج الطويل قضايا من حياتنا اليومية و تقدم لقرائها ـ وخصوصا من الرجال ـ عالم المرأة الذي لا نراه أو نتجاهله في فقاعتنا الخاصة.
فمع فتحية نقرأ قصة الفتاة التي تعيش عقدة الذات التي رسخها المجتمع من الشكل النمطي للمرأة الجميلة، فهي رغم جمالها وحياتها الزوجية المريحة ما زالت غير قادرة على تجاهل مظهرها وهي طفلة حيث كانت تعاني من البدانة والسمرة فتحاول التخلص من كل الصور القديمة التي تذكرها بالماضي. كذلك الأمر بالنسبة لنوف التي تأخر زواجها الأمر الذي تربطه أيضا بشكل جسدها الذي لا يتوافق مع الأحكام الاجتماعية المسبقة لشكل المرأة الجميلة. أما ربيعة فتعيش مع رجل يحب التملك فيحولها بهوس إلى "جزء من أثاث منزله" فيتحكم بكل تفاصيل حياتها فيحبط أحلامها ويمنعها حتى من الإنجاب وحتى الأكل حتى لا يتغير جسدها الذي يعرفه. ومع تهاني نعيش الصورة النمطية لتحول المرأة إلى مجرد خادمة في منزلها، فالمجتمع الذكوري يتوقع منها الكثير دون أن يقدم لها شيئا، حتى كلمة الشكر تحرم منها في بعض الأحيان. أما سارة فتحكي قصة اعتناء أمها بجدتها العجوز صعبة المراس التي قرف الموت منها، حيث تبالغ الأم في الاعتناء بالعجوز ليس من باب الواجب الإنساني فقط وإنما لإرضاء الجيران والجارات الذين يزورونها، فيتوقعون دائما الظهور المثالي للعجوز. كل هذه القصص ورغم بساطتها إلا أنها جميعا باستثناء قصة ريا قصص من عالمنا لنساء يعشن بيننا وربما نعرفهن، تقدم هدى حمد لقارئها نافذة سريعة نتعرف من خلالها على وجهة نظرهن التي طالما تجاهلناها أو تعاملنا معها بسلبية شديدة.
إلا أن الرواية لا تخلو من بعض الإشكاليات التي دائما ما تظهر مع هذا النوع من الروايات إذ أن الرواية تعتمد في كل فصل على موقف واحد فقط للتعرف على شخصياتها، فالموضوع والقضية هنا أهم من الدراما وحركة الشخصيات فلا تعطى القارئ مساحة كافية معها، فكنت أتمنى مثلا أن أتعرف أكثر على تلك الشخصيات الفريدة. أما الإشكالية الأكبر في الرواية فهي قصة ريا التي تطرح موضوعا مختلفا كليا عن البقية، ولا يتناسق بتاتا مع باقي قصص السندريلات، حيث وجدتها نشازا في الرواية ولا أدري حقا ما الذي أرادت هدى حمد الوصول إليه في تلك القصة! و لن أسهب في الحديث عن تلك القصة فهي حقا بلا معنى أو على الأقل لم يصلني المعنى أبدا.
على مستوى اللغة، كتبت الرواية بلغة جميلة وسلسة بعيدة كليا عن التكلف والتصنع و بأسلوب رائع يجمع بين التقليدي و الحديث في السرد. ختاما، علي القول أني وجدت نفسي أمام رواية جميلة حقا تقدم فيها هدى حمد من خلال أسلوبها الفريد صوت المرأة المسحوق والمنسي في مجتمعاتنا الذكورية، هي رواية وإن كانت عن المرأة إلا أنها موجهة للرجل الذي يعيش حياته في تجاهل لذلك الصوت.
تقع الرواية في ١٥٨ صفحة، الطبعة الأولى ٢٠١٦ عن دار الآداب.
تقيمي الشخصي: ٧.٥ /١٠
القادم المجموعة القصصية النوم عند قدمي الجبل للكاتب السوداني حمور زيادة.
حمود السعدي
للمزيد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi
حمود السعدي
للمزيد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi
تعليقات
إرسال تعليق