قراءة لكتاب اتفاقية السيب للباحث العماني علي الريامي
هناك فارق كبير بين ما يكتبه السياسيون في سيرهم الذاتية والصحفيون خلال تغطيتهم لحدث تاريخي أو شخصية تاريخية وبين ما يكتبه من يعرّف نفسه على أنه باحث تاريخي. فهناك محاذير أساسية معروفة يجب أن يتجنبها المشتغلون والمختصون في البحث التاريخي إن أرادوا أن يقدموا معالجة جديدة لحدث أو شخصية تاريخية، ولعل أسوء ما قد يقع فيه أي بحث تاريخي هو الأحكام المسبقة والانحياز الأعمى لأحد الأطراف، بالإضافة إلى غياب النظرة النقدية والاعتماد الكلي على عدد بسيط من الكتب المنشورة، وهي للأسف كل المحاذير التي وقع فيها الباحث العماني علي الريامي في معالجته لواحد من أهم أحداث التاريخ العماني المعاصر وأكثرها إثارة للجدل والتي شكلت المشهد العماني في القرن العشرين، حيث قدم لنا الريامي معالجة بدت من وجهة نظر قارئ بسيط مثلي متحيزة هي أقرب للتجميع منها للبحث التاريخي.
يقسم الريامي كتابة إلى فصلين رئيسيين:
- في الفصل الأول من الكتاب يبدأ الكاتب باستعراض الأوضاع السياسية العمانية منذ ١٧٨٩م و هو تاريخ تولي السيد حمد بن سعيد للسلطة في عمان، والذي يعتبرها الكاتب بداية الانحراف في الحكم البوسعيدي للسلطنة وابتعادها عن المنهج الرشيد - حسب وجهة نظر الكاتب - للحكم. ابتدأ من نقل العاصمة من الرستاق إلى مسقط وإغفال مبدأ الشورى في الحكم. ثم ارتهان مصير البلاد لقوى الإستعمار الغربية، ممهدا الطريق للأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة القبائل ١٩١٣م وعودة الإمامة الإباضية التي اختير سالم الخروصي لقيادتها، والتي كانت في معظمها اقتصادية: " إلغاء تجارة السلاح في عمان ورفع الرسوم الجمركية على البضائع القادمة من الداخلية من ٥٪ إلى ٢٠ ٪ وأخيرا تعامل السلطان مع القوى الغربية ".
ثم يمر الريامي سريعا على تطور الصراع بين الإمامة والسلطان تيمور بن فيصل منذ انطلاق الثورة وإعلان الإمامة، حتى فشل محاولة غزو مطرح في يناير من عام ١٩١٥ ، والتي تكبدت فيها قوات الإمامة خسائر بالآلف في مقابل بضعة جنود من الجيش البريطاني، لتدرك الإمامة استحالة احتلال مسقط في ظل الوجود البريطاني، ليمر الفريقان بعدها في مرحلة من المناوشات والمفاوضات الفاشلة التي استمرت حتى عام ١٩٢٠م .
- في الفصل الثاني: يسترسل الريامي في تفاصيل الاجتماعات بين ممثلي الإمامة والقبائل العمانية التي كان الشيخ عيسى بن صالح الحارثي عراب الاتجاه التفاوضي فيها وبين القناصلة البريطانيين خلال خمس سنوات، وصولا إلى اتفاق السيب الذي عقد بين ممثلي القبائل العمانية ـ " إذا رفض القنصل البريطاني الاعتراف أو كتابة اسم الإمام في الوثيقة بصفته " ـ والقنصل البريطاني و ينكت باليوز ممثلا للسطان و ضمينا لتنفيذ الاتفاق من الجانب البريطاني في ٢٥ من سبتمبر من عام ١٩٢٠م.
يوجد هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن عودة الإمامة واتفاقية السيب إلا أن الأكيد أنها فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أي من مطالبها باستنثاء خفض الضريبة، بل على العكس فقد أدت إلى نتائج كارثية كبيرة على الدولة والمجتمع العماني حيث أدت إلى تقسيم عمان لأول مرة إلى بلدين عمان الداخل والساحل، كما كانت السبب الذي فجر الصراعات الدامية التي شهدتها عمان خلال الخمسينات القرن الماضي.
أخيرا، وكما في كتابة "حرب الجبل الأخضر " يحسب للكاتب تتطرقه لمواضيع مهمة من التاريخ العماني المعاصر، وهي غالبا ما تكون مواضيع لم تستوفي حقها من الدراسة والبحث، إلا أن الكاتب وكما أسلفت يفشل في تقديم أي جديد في كتابه الذي هو عبارة عن تجميع من مجموعة من الكتب المنشورة ويفتقر من وجهة نظر إلى أساسيات البحث التاريخي العلمي، فإلى جانب المعالجة الهزيلة والتحيز الأعمى لطرف الإمامة وغياب النظرة النقدية العلمية يفتقد الكتاب للدراسات والوثائق التاريخية ـ باستثناء المعاهدة ـ التي تعود إلى تلك الفترة كمرسلات القنصل البريطاني مثلا أو محاضر الاجتماعات إن وجدت أو شهادات أي شهود عاصروا تلك الفترة وكتبوا عنها.
هذا بالإضافة إلى التكرار وغياب التسلسل وتهويل بعض الأحداث والشخصيات في مقابل أخرى بل إن الكاتب وصل إلى حد الدخول في عقائد الناس والحكم على إيمانياتهم إذ يقول في سياق التعرض لإيمان سلاطين دولة البوسعيد " إذ عمل حكام الساحل بعد زوال الغيرة على العقيدة لديهم ، نتيجة الاحتكاك الخارجي … " و هو أمر لا يصح أبدا في بحث تاريخي قائم على أساس علمي. ولذلك فإن علي القول أن هذا الكتاب سيكون آخر ما آخذه وأقتنيه و أقرأه للريامي مهما كانت المواضيع التي يطرحها مهمة والعناوين .
يقع الكتاب مع الملاحق في ٢٧١ صفحة، طبعة دار الفرقد الأولى ٢٠١٩.
القادم رواية السمان و الخريف لنجيب محفوظ.
حمود السعدي.
تعليقات
إرسال تعليق