قراءة لكتاب التجربة الدستورية في عمان للناشطة و المحامية بسمة مبارك



لعلي لا أبالغ إن قلت أن هذا الكتاب من أهم الأبحاث العمانية حول الحياة السياسية المعاصرة التي قرأتها خلال الخمس سنوات الماضية، ورغم اختلافي مع بعض وجهات النظر التي طرحتها الباحثة لا يسعني القول إلا أن الكاتبة قدمت وجهة نظر مهمة للتجربة الدستورية العمانية بالإضافة إلى تحليلها النقدي للنظام الأساسي للعماني قبل التعديلات الدستورية التي أعقبت الربيع العربي و التعديلات التي أعقبته. ينقسم البحث إلى جانب المقدمة إلى سبع فصول كالآتي:

تبدأ المقدمة بالتعريف أولا بمفهوم الدستور اصطلاحا، ثم تتوجه في الحديث بإيجاز عن تاريخ الدساتير حول العالم ابتداًء بالدساتير التي أنتجتها الثورات الوطنية في الغرب وانتهاء بالدساتير التي نتجت بعد الاستقلال في بلدان المشرق والمستعمرات. لتنتقل بعدها إلى تمهيد الدراسة بتقديم إيجاز للعلاقة بين الدولة والمجتمع أو ما تسميه الصراع بين الدولة والمجتمع في الخصوصية العمانية. تبتدأ بالتعريف بالدولة في خصوصيتها العمانية، ثم العلاقة بينها وبين المجتمع العماني. ولعل اهم النقاط التي طرحتها المقدمة يمكن أختصارها بالآتي:

- الدستور اصطلاحا "هي مجموع القواعد، المكتوبة أو غير المكتوبة ، التي تسعى إلى تأسيس الموجبات والصلاحيات والوظائف التي تؤديها مؤسسات حكومية وتحكم العلاقات بينها وبين الدولة والفرد ... ويعنى الدستور بتنظيم شكل الدولة، ونظام الحكم فيها، وشكل الحكومة والسلطات العامة التي تباشر بها الدولة وظائفها ... كما يبين حقوق الأفراد و حرياتهم الواجب على السلطة حمايتها واحترامها ". 

- تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أقدم الدول التي بدأت تدوين القواعد الدستورية في ١٧٨٧م ، تلتها بعد ذلك فرنسا في ١٧٩١م ، و بما أن الدساتير في كلا الحالات كتبت بعد ثورة و حرب طويلة للاستقلال فإنها كانت تعنى بالدرجة الأولى "بحماية الحقوق و الحريات وتقيد السلطات".

- تتنوع الدساتير بين دساتير مدونة، وأخرى عرفية تراكمية كالحالة البريطانية، و دساتير مرنة يسهل تغيرها بالطرق الديموقراطية وأخرى جامدة، وبين دساتير ديموقراطية ناشئة عن جمعية تأسيسية منتخبة ودساتير غير ديمقراطية نتجت من السلطة مباشرة ومثالها الدساتيرالأيدلوجية المتجاهلة للمقومات الديموقراطية في الدول الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية التي رجحت كفة الدول ـ من وجهة نظر الكاتبة و ربما أسجل نقطة اعتراض على التعميم ـ على الفرد تجاهلتها الدول في أغلب الأحيان.

- " صراع المجتمع في عمان ليس صراعا مع سلطة سياسية أو نخبة حاكمة طارئة أو مؤقتة، وإنما مع بيئة الدولة القائمة و فلسفتها، التي تجعل منها دولة سلطة بالدرجة الأولى " عمان دولة قوية وليست دولة ضارية  و هو ما يطلقه بعض الباحثين على الدول العربية إذ أنها "تمكنت من النفاذ إلى المجتمع و تعبئته بوسائل أخرى غير الهراوة ، و ذلك من خلال احتكارها واستغلالها للإعلام والتربية ومؤسسات المجتمع المدني، و تقديم حوافز اقتصادية جذابة و تنفيذ خطط تنموية طموحة، بالإضافة الى القيادية الكاريزمية المتمثلة بشخص السلطان قابوس ـ رحمه الله ". 
في الفصل الأول من الكتاب تقدم الباحثة الإطار النظري لدراستها عن طبيعة الدولة العمانية متخذة من نظرية جويل ميغدال عن الدول الضعيفة و المجتمعات القوية منطلقا لتقيم طبيعة الدولة العمانية، وفهم الأسباب التي جعلت صانع القرار العماني يمتنع عن إصدار دستور عام ١٩٧٠ و يتوجه إلى إصداره في ١٩٩٦. كما تأسس من خلال هذه النظرية الأسباب التي أدت إلى التغيرات الدستورية في عام ٢٠١١. ينتهي الفصل إلى موافقة الباحثة " لفرضية إلهام المناع في اعتبار حكم السلطان القابوس لعمان نموذجا للدولة القوية : 

- " الدولة القوية هي الدولة القادرة على اختراق المجتمع، وتنظيم علاقاته الاجتماعية، وانتزاع الموارد واستغلالها بطرق محددة وفقا لأهدافها. أما الدولة الضعيفة فهي التي تفشل في تحقيق ذلك " ... لظهور الدولة القوية شرطان أساسيان أولاها " حدوث تخلخل مجتمعي هائل يضعف سيطرة المجتمع ويكسر أنماطه القديمة " ، و الثاني "الاستحواذ على السيطرة الاجتماعية في أيدي قيادة قوية و قادرة "

- ترى الباحثة أن الشرطان تحققا في الدولة العمانية الحديثة فالاختلال الاجتماعي جاء نتيجة " للاختراق الشرس والعميق للاقتصاد العالمي " للاقتصاد و نمط حياة المجتمع العماني فمع منتصف القرن التاسع عشر بدأت الدولة البوسعيدية تضعف بشكل كبير الأمر الذي أدى إلى تقسيم الدولة العمانية و فصلها عن مستعمراتها ومنع تجارة الرقيق الأمر الذي أدى إلى نتائج " قاسية على الاقتصاد المحلي " و كما دفع البلد إلى الحرب الأهلية والانقسام بين دولة الإمامة في الداخل ودولة السلطنة البوسعيدية في مسقط.

- أما الدولة القوية فقد بدأت من وجهة نظر الكاتبة مع السيد سعيد بن تيمور الذي بدأ بتثبيت الوضع الاقتصادي المتردي للدولة من خلال معالجة موضوع الديون المتراكمة للدولة لصالح بريطانيا والتجار المتنفذين، وقد واجهه سعيد بن تيمور هذا التحدي  من خلال اتخاذ تدابير اقتصادية صارمة وقاسية أدت إلى إيفاء الديون ... تلاها " إصلاح نمط الإدارة من خلال إنشاء جهاز حكومي ... أما أهم إنجازات سعيد بن تيمور في طريق تأسيس الدولة القوية فكان في توحيد عمان الداخل ومسقط وإسقاط دولة الإمامة الإباضية في الداخل.  

- تمكن السلطان قابوس بعد استلامه للحكم عام ١٩٧٠- بعد يأس البريطانيين من وجود أي نية لدى السلطان سعيد للتوجه نحو الإصلاح الاقتصادي والتنمية داخل عمان وتنامي مخاوفهم من سيطرة الثورة اليسارية على عمان وتأثيرها على تدفق البترول بعد الخروج البريطاني من الخليج ١٩٧١ - من تأسيس الدولة القوية من خلال القضاء على التمرد الماركسي في ظفار بالطرق العسكرية و السلمية أولا ثم من خلال تطبيق خطة تنموية شاملة وطموحة نقلت عمان في مختلف المجالات وبسرعة قياسية والتي وفرت للمجتمع " أنماط واستراتيجيات بديلة للعيش تعتمد كلها على الدولة . 

- من خلال هذه النظرية تخلص الباحثة إلى أن الدولة العمانية القوية والتي " تتمتع بمستوى عالي من السيطرة الاجتماعية، ستكون التجربة الدستورية فيها مصاغة كليا بما يتناسب مع رغبات الدولة و يحقق مصالحها وعليه تفهم الرفض لإصدار الدستور في١٩٧٠ ثم إصدار النظام الأساسي في عام ١٩٩٦ الذي ترى الباحثة أنه " فرض على المجتمع ودون أي مشاركة اجتماعية " كما أنها وعلى هذا الأساس تحلل التوجه إلى التعديلات الدستورية في ٢٠١١ بعد اختلال السيطرة الاجتماعية على إثر احتجاجات مع ما يعرف بالربيع العربي.

في الفصل الثاني من الكتاب تنتقل الباحثة للحديث عن المحاولة الأولى لإصدار دستور وإقامة ملكية دستورية في السلطنة التي كان طارق بن تيمور رائدها. بدأ الفصل بنبذة مختصرة عن حياة السيد طارق بن تيمور رجل الدولة القوي من بداية حياته إلى انتقاله للمهجر الأختياري بعد خلافة مع السلطان سعيد، ثم إصداره الوثيقة الدستورية الأولى التي باءت بالفشل، ثم عودته إلى الوطن بعد استلام السلطان قابوس للحكم، وخلافه مع السلطان وعودته للمهجر مرة أخرى. تقدم بعدها قراءة لأهم ما جاء في الدستور الذي طرحه السيد طارق وتتطرق إلى الأسباب التي أدت إلى فشل تلك المحاولة التي تعتقد الباحثة ـ و هو ما اعترض عليه بشدة حقيقة حيث بدت لي وجهة نظر الباحثة متحمسة وغير واقعية - أنها كانت محاولة حقيقة لإنشاء ملكية ديموقراطية دستورية في السلطنة، وأنه لو أعطت المجال المناسب لنجحت في تحويل عمان في١٩٧٠ إلى ملكية ديمقراطية دستورية متجاهلة تماما - و هو أمر آيديولوجي بالطبع ومفهوم - شخصية السيد طارق وتاريخه كما تجاهلت كل الإشارات الخطيرة التي كان يحفل فيها الدستور المقترح من تقوية منصب رئيس الوزارء الذي كان يطمح له السيد طارق بل وتحصينه التام في مقابل تهميش تام لمنصب السلطان. متجاهلة تجارب في المنطقة لرؤساء وزراء أمسكوا منصب رئيس الوزارء في بعض الملكيات الخليجية من السبعينات، ورفضوا الخروج من المنصب مع كل اتهامات الفساد والاحتجاجات التي كانت تطالب بخروجهم :

- " ولد طارق بن تيمور في عام ١٩٢٢ في اسطنبول لأم تركية، تدرس هناك وانتقل بعد إلى ألمانيا. عاد بعدها إلى عمان وعمل في الجندية ليرتحل مرة أخرى إلى الهند من أجل التدريب في الإدارة العسكرية والعامة"

-  وصف طارق بأنه " الأكثر ذكاء و مقدرة بين أفراد العائلة المالكة " ، عمل بعد عودته كرئيس لبلدية مسقط ومطرح ثم كان من أهم المهندسين للقضاء على دولة الإمامة وقائدا للعمليات العسكرية الأمر الذي مكنه من تطوير قاعدة شعبية مع القبائل العمانية التي تحالفت مع السلطة في مقابل استجلابه لعداء الكثير من القبائل خصوصا في الداخل التي كانت مؤيدة لدولة الإمامة.

- وصفت المصادر أن العلاقة بين السيد طارق والسيد سعيد كانت ملتبسة وقدد عزز من ذلك مخاوف السلطان سعيد من نية الإنجليز استبداله بأخيه، الأمر الذي أدى إلى تهميشه مما دفعه إلى المغادرة إلى أبوظبي في عام ١٩٦٢ الذي ظل فيها ساكنا لمدة أربع سنوات، أعلن بعدها في عام ١٩٦٦م معارضته لأخيه ودعى إلى دولة ملكية دستورية. وفي أكتوبر من عام ١٩٦٧ أطلق دستور مقترح أرسله إلى أهم الشخصيات في الداخل وأهم القوى المعارضة في الخارج. على أن الدستور لاقى رفضا من كل الجهات تقريبا فالإماميون لم ينسوا تاريخ السيد طارق في القضاء على دولتهم، والماركسيون في ظفار رفضوا التعامل مع شخص من العائلة المالكة أمام الأغلبية من العمانيين " فلم يبدوا لا دعمهم ولا رفضهم للفكرة و فضلوا في انتظار ما سيسفر عليه صراع الأخوة ". 

- بعد تولي السلطان قابوس للحكم وعودة السيد طارق كرئيس للوزراء ـ تورد الباحثة عن أحد المصادر أنه عاد بتنسيق مع الانجليز ودون علم السلطان ـ عادت الدعوة لإنشاء ملكية دستورية إلا أن المحاولة باءت بالفشل مرة أخرى، حيث وجد السلطان فيها محاولة للحد من صلاحيته كما لم يكن مقتنعا أن العمانيين جاهزين حقا لهذه القفزة وأدت الخلافات حول هذا الموضوع مع تركمات أخرى زكاها بعض المتحلقين حول السلطان من البريطانيين خوفا على مصالحهم من شخص السيد طارق ـ هنا نقطة اعتراض لم يبد لي أن السيد طارق كان معارضا للسياسيات البريطانية فقد كان حليف قوي وقد جاء للبلد بدعوة منهم كما أن دستوره المقترح لم يخلو من مداهنة للانجليز حيث طمنهم حول تدفق البترول وإبقاء جزر كوريا موريا تحت التصرف البريطاني ـ ، على كل حال فقد أدت الاختلافات إلى استقالة السيد طارق و عودته إلى المنفى الاختياري مرة أخرى. وانتهى موضوع الدستور تماما.

- أهم ملامح الدستور تكمن في التقييد الشديد لصلاحيات السلطان/ الملك في مقابل تقوية منصب رئيس الوزراء لدرجة الحصانة ربما. فرئيس الوزراء ـ وهو أمر غريب ـ هو من يعين المجلس الوطني الذي يقوم بانتخابه والذي يبت في أمر تغيره وهو أمر مستحيل عمليا إذا ما أخذ في الحسبان أن المجلس قد عين من قبله كما لا يتطرق الدستور إلى تحديد مدة رئاسة الوزراء. يؤكد الدستور على إسلامية الدولة وانتمائها العروبي في محاولة من طارق ربما " لاستمالة القوى الإسلامية " و " الدولة العربية القومية المتنفذة كنظام الناصري في مصر". كما لا يغفل الدستور كما أوردنا سابقا مسألة طمأنة البريطانيين حول مصالحهم في تدفق البترول والقواعد العسكرية. 

- تورد الباحثة في ختام الفصل أنه " لو كان هذا الدستور أو ما شابهه قد أقر في عام ١٩٧٠ ، وسمح النظام الذي سعى رئيس الوزراء إلى إيجاده بالتطور ، لكان من شأن ذلك أن يضع أساسا لنقل عمان إلى دولة ديموقراطية ذات حكومة حديثة". 

في الفصل الثالث من الكتاب ، تنتقل الباحثة إلى أحد أهم المواضيع في الدراسة إذ تجيب عن أهم سؤالين من الأسئلة التي طرحتها في مقدمة الكتاب وهما: " لماذا أصدر النظام الأساسي في عام ١٩٩٦، و ليس في عام ١٩٧٠ عندما تولى السلطان الحكم وبدأ بناء الدولة العمانية الحديثة؟ و ما العوامل التي أدت إلى اتخاذ هذه الخطوة التاريخية في ذلك التوقيت تحديدا؟ في الإجابة عن هذا السؤال تبدأ الباحثة بدراسة الأسباب التي دفعت السلطان للامتناع عن إصدار أي دستور في بداية حكمه، ثم تنتقل بعد ذلك للأسباب التي دفعت نظام الحكم لاتخاذ هذه الخطوة بعد ست وعشرين سنة من بدأ نهضة عمان الحديثة :

- تجمل الباحثة الأسباب التي أدت إلى امتناع السلطان قابوس عن اتخاذ ما تسمية بالباحثة "بالخطوة التاريخية بإعلان الدستور في ١٩٧٠ بالآتي: أولا أن الشعب غير مستعد، حيث " شعر السلطان قابوس أن العمانيين لم يكونوا مستعدين للمشاركة السياسية بسبب المستوى التعليمي لعامة الشعب العماني آنذاك الذي كان يجهل أغلبه القراءة و الكتابة. غير أن الكتابة تعترض على هذا وتقدم مجموعة من الأدلة على أن الشعب العماني كان مستعدا لهذه الخطوة، وتذكر في ما تذكر التجربة العمانية للإمامة الإباضية المعارضة، والثورة الماركسية بالإضافة إلى مجموعة المتعلمين العمانيين في الخارج والذين شكلوا جزءا من المعارضة السياسية، وجميعها كانت تدعو لشيء من المشاركة السياسية، وتغيير نظام الحكم غير أني لم أجد هذه مبررات قوية ومنطقية فلا وهم ما يعرف بديموقراطية الدولة الإباضية يقنع أحدا الآن، ولا الثورة الماركسية التي استندت في أغلبها على القبيلة ولم تعرف من الماركسية إلا القشور يمكن أن يبرر استعداد شعب كان أغلبة يعيش تحت الأمية والفقر وضمن نظام قبلي غاية في القوة والتعقيد، وهو الأمر التي تذكره الكاتبة في ما بعد مناقضة نفسها في هذه النقطة.

- أما الأسباب الباقية فهي : التخلخل السياسي ، فعمان كانت تعيش حربا أهلية في الجنوب كما أن معارضة الإمامة وتهديد وحدة البلاد كان ما يزال حاضرا في أذهان. المجتمع القبلي الذي لم يكن يعرف التجربة الديموقراطية حيث أن المجتمع العماني التقليدي " كان متعودا على البنى غير الرسمية للسلطة، التي ينظمون من خلالها أنفسهم كأفراد قبيلة حول زعيم قبيلتهم. ضمن هذا البناء القبلي، يعد السلطان الشيخ الأعلى الذي تنظم تحت إمرته جميع قبائل الدولة. أخيرا تورد الباحثة : التوجه الأوتقراطي للسلطان في الحكم، بالإضافة إلى الموقف السلبي للحكومة البريطانية من قضية الدستور حيث أنها كانت تجد أن التوقيت لم يكن مناسبا في الحالة العمانية. بالنسبة لي كان أكثر الأسباب وجهة في هذا الموضوع و هو الأمر الذي يجعلني أقف شخصيا مع الرأي القائل بعدم جدوى الدستور والانتخابات في عام ١٩٧٠م هو ما أوردته الباحثة عن تصريح للسلطان قابوس من " أن يؤدي الدستور والمشاركة السياسية الأوسع إلى منح المكونات التقليدية للمجتمع العماني ( المؤسستين القبلية و الدينية تحديدا ) تأثيرا أقوى مما يتمناه ـ السلطان ـ ، الأمر الذي قد يشكل تهديدا لرؤيته لدولة عمان الحديثة وعصا تعيق عجلة التنمية" . 

- أما الأسباب التي دفعت مؤسسة الحكم لتغير قرارها وإصدار النظام الأساسي في عام ١٩٩٦ فيمكن إجماله باختصار في أزمة احتلال العراق للكويت في عام ١٩٩١ الذي قلبت كل الموازين في المنطقة وغيرتها إلى الأبد. فبسببها شهدت دول الخليج بعد استعانتها بالقوات الأمريكية وبقاء هذه الأخيرة أزمة شرعية خانقة هددت نظم الحكم فيها خصوصا أمام القوى الإسلامية التي وجد لخطابها صدى قوي في معظم دول المنطقة، ولم تكن عمان غائبة بطبيعة الحال عن هذا التململ، فجاء ما يعرف بقضية جماعة الأخوان المسلمين في ١٩٩٤، الذي كان يضم شخصيات عسكرية و اجتماعية نافذة ليأكد عمق الأزمة، فجاء إصدار النظام الأساسي " لتأكيد سلطة النظام وشرعنة حكمه، و إضافة أساس قانوني ودستوري جديد يستمد منه الشرعية القانونية في مواجهة أي تحد أو تشكيك ". 

- أما السبب الثاني فهو الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد بعد تذبذب أسعار النفط بعد حرب الخليج و حاجة البلاد الى طمأنة مخاوف المستثمر الأجنبي من " هشاشة المنظومة القانونية العمانية "، بالإضافة للضغوط التي مارستها الدولة الغربية على دول الخليج لدمقرطة أنظمتها وحاجة عمان " لتعزيز مكانتها دوليا والظهور كشريك تجاري جدير بالثقة و خيار استثماري آمن " . أما السبب الأخير فهو المخاوف من أزمة في الحكم بعد وفاة السلطان وقد جاء الحادث الذي تعرض له السلطان في ١٩٩٥، وتجربة المحاولة الانقلابية الإخوانية التي تحدث فيها عن التخطيط لاغتيال السلطان ليعزز هذا المخاوف والدفع لإيجاد آلية واضحة لتداول الحكم.

في الفصلين الرابع والخامس تناقش الكاتبة الكيفية التى صيغ بها النظام الأساسي للدولة وأهم سمات النظام الأساسي. حيث تخلص في الفصل الرابع من خلال مناقشة صياغة النظام الأساسي من خلال ثلاث عوامل الرئيسية هي " أصل الوثيقة وميدان المداولة والمشاركة الشعبية " إلى أن صياغة الدستور كانت مغلقة إلى حد كبير حيث أن الدستور جاء برغبة من السلطان وكلف لجنة من أربعة أشخاص فقط لصياغته، كما أنه جاء والدولة العمانية ـ السلطة ـ في كامل قوتها فالمعارضة التي شكلها طارق والقوى اليسارية أو الإمامية كانت قد اختفت تقريبا. كما أنه جاء في غياب كامل لأي مشاركة أو ضغط شعبي فلم يكن هناك تجربة برلمانية، كما أن مؤسسات المجتمع المدني كانت تفتقر لأي دور ناشط أو قوي. أما الفصل الخامس فقد تناول السمات الأساسية للنظام الأساسي ابتداء بأهم المؤثرات في النظامالأساسي، ثم خواص النظام الأساسي وأهم الموضوعات التي يطرحها معطية لموضوع خلافة السلطان مساحة كبيرة للنقاش والتحليل.

بعد أن انتهت الباحثة خلال الفصول السابقة من استعراض نوعية الدولة العمانية وتأثيرها على تعاطي السلطة مع مسألة الدستور، ثم الطريقة التي صيغ فيها الدستور و أهم سماته، تتجه في الفصل السادس من البحث و من خلال البناء على كل ما سبق إلى تقديم تحليل نقدي للدستور الذي جاء حسب رؤية الباحثة في دولة قوية، وتم صياغته في الوقت الذي ناسب السلطة كما كانت طريقة صياغته مغلقة إلى حد كبير وبعيدة عن أي تأثير شعبي. تناقش الباحثة في هذا الفصل الدستور من ثلاث نواحي رئيسية : القيود التي يفرضها الدستور على السلطة التنفيذية (الحكومة)، المدى الذي يصل إليه الدستور في الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وأخيرا ملف الحريات وحقوق الإنسان. تلخص الباحثة إلى أن " النظام الأساسي ـ قبل تعديلات ٢٠١١ ـ فشل في تحقيق مقتضيات الحكم الدستوري، وذلك بعجزة عن توفير حماية كافية للحقوق والحريات الأساسية وفشله في تقييد صلاحيات الحكومة". أضف إلى ذلك فإن النظام الأساسي من وجهة نظر الباحثة " لم يستطع الفصل بين السلطات الثلاث حيث سمح للسلطة التنفيذية بأن تحتفظ بتأثر كبير في المؤسسة القضائية، وأن تهيمن تماما على المؤسسات التشريعية.

في الفصل السابع والأخير من البحث تستعرض الباحثة السمات الأساسية للتعديل الدستوري الذي حدث في ٢٠١١. تبدأ الباحثة أولا باستعراض الأسباب التي أدت إلى اتجاه السلطة إلى قبول التعديلات الدستورية ٢٠١١ بعد أحداث ما يعرف بالربيع العماني، ثم أهم سمات التعديل الدستوري. و لا تتوارى الباحثة في البدء عن نقد الذات من خلال الحديث عن تجربة ما يعرف بالدستور التعاقدي الذي دعى إليه مجموعة من الناشطين العمانيين والذي فشل في تحقيق أي صدى حقيقي في الشارع حيث استعرضت الأسباب التي أدت إلى فشل تلك التجربة. بعدها استعرضت الباحثة أهم سمات التغير التي حملها التعديل الدستوري والتي ترى الباحثة أنها تغيرات مبشرة على ما فيها من ملاحظات، وتأسس لبرلمان يحمل صفة تشريعة ويأسس للفصل بين السلطات الثلاث على أنها ترى في النهاية أن الوقت " ما زال مبكرا على تقيم التجربة ، ومدى فعالية الصلاحيات الجديدة التي تم منحها لمجلس عمان والمجلس الأعلى للقضاء".

ختاما، قدمت الباحثة الأستاذة بسمة مبارك بحث مهم وقيم للتجربة الدستورية العمانية ورغم مخالفتي لبعض الآراء التي تضمنها البحث خصوصا في تحمسها الزائد لدستور السيد طارق وبالإضافة إلى اعتقادي الشخصي أن الخيار التي اتخذه السلطان بالامتناع عن إصدار الدستور والسماح بمشاركة شعبية في ١٩٧٠ كان الخيار الأصوب، إلا أن البحث يقدم وجهة نظر مختلفة وصوت مهم يجب النظر إليه، بالإضافة إلى أنها المرة الأولى التي ربما يتعرض لها النظام الأساسي لمثل هذا التحليل النقدي القائم على أساس علمي و أكاديمي وهو ما يعزز الحوار المجتمعي في هذا الموضوع المهم في حياتنا جميعا. أخيرا فإن البحث ورغم أنه بحث تم بطريقة أكاديمية إلا أنه متاح للقارئ المطلع والمهتم بالشأن العام، كما أن علي وبصراحة أن أسجل في الختام كلمة شكر وإعجاب للمترجمة زوينة آل تويه على الترجمة الجميلة و الانسيابية للكتاب.
يقع الكتاب في ٢٥٨ صفحة ، الطبعة الأولى ٢٠١٣ عن مركز دراسات الوحدة العربية.
القادم المجموعة القصصية " عن الرجال و البنادق " لغسان كنفاني.



حمود السعدي 

لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف