قراءة للمجموعة القصصية " النوم عند قدمي الجبل" للروائي السوادني حمور زيادة
لعل المتابعيين القلائل لما أكتبه يعرفون الإعجاب الذي أكنه للروائي السوداني حمور زيادة و لرائعته الأدبية "شوق الدرويش" ، التي كنت وما زلت أعتقد أنها من أفضل ما قدمته لنا قوائم الجائزة العالمية لرواية العربية - البوكر - منذ انطلاقها، ولذلك فقدت كنت متحمسا حماسة كبيرة لخوض التجربة الثانية مع حمور زيادة ولكن هذه المرة من باب القصص القصيرة. في مجموعته القصصية " النوم عند قدمي الجبل " والتي تم تحويل إحدى قصصها إلى فيلم روائي طويل حصل على مجموعة من الجوائز العالمية، يقدم لنا حمور زيادة حكايات للطبقة المسحوقة والمهمشة والمنسية في المجتمع السوداني التي أضناها الفقر والمرض والجهل والخرافة من خلال قصص غاية في الرمزية تتقاطع فيها الأسطورة مع الواقع ويحضر فيها النيل بتقلباته كمحدد أساسي لحركة شخصياته ومصائرها.
تتكون المجموعة القصصية من خمس قصص تترواح في طولها بين القصيرة جدا حيث لا تتجاوز خمس صفحات، والطويلة الأقرب للنوفلا التي تتجاوز ستين صفحة. والقصص هي : النوم عند قدمي الجبل ، حكاية حسنة بنت قنديل: و ما جرى بسببها ، لكل عام خريف، عندما هاجرت الداية ، حلة ود أزرق. ورغم تعدد المواضيع التي تطرحها المجموعة القصصية إلا أنها تشترك في الروح الصوفية التي شكلت المجتمع السوداني بالإضافة إلى تركيزها على الطبقة المهمشة من المجتمع السوداني وحضور الأسطورة والنيل وتأثيره على أغلب شخصياتها.
في القصة الأولى " النوم عند قدمي الجبل "، يطرح حمور زيادة من خلال قصة مزمل الذي يعلم جميع من في القرية أنه سيموت عندما يبلغ العشرين بسبب خطأ في دعوة أحدى الأولياء عدة أسلئة فلسفية محيرة و مهمة حول الوجود و معنى الحياة و العلاقة مع الدين بالإضافة إلى فكرتي الخلود والفناء وتأثيرها على مصير الإنسان و حياته. بعدها تنتقل المجموعة القصصية إلى حكايات تعنى بالحياة السياسية والاجتماعية السوادنية بشكل خاص ففي قصة " حكاية حسنة بنت قنديل، و ما جرى بسببها " يسلط الضوء على الصراع التقليدي في المجتمع السوداني بين الإسلام التقليدي والإسلام الصوفي. أما قصتي " عندما هاجرت الداية "و "حلة ود أرزق" فتغوص في حكايات البسطاء الذين سحقهم الإهمال والتهميش من السلطة الحاكمة في الخرطوم.
وكما في كل المجموعات القصصية تختلف مستويات القصص فهناك القصص المتميزة التي وصلتني بأفكارها و رسائلها وتفاعلت بقوة مع شخصياتها المتميزة، وهناك ما كان دون المستوى العام للمجموعة. على أن جميع القصص ترتبط معا بصورة سلسة مشكلة مجموعة قصصية متنافسة قائمة على وحدة الموضوع والأسلوب الحكائي الجميل والشائق لحمور زيادة، ولعل الأفضل في المجموعة بالنسبة لي كانت قصتا " حكاية حسنة بنت قنديل، و ما جرى بسببها " والتي تحكي كما ما أسلفت حكاية الصراع المعاصر في السودان بين الإسلامي الصوفي والإسلام التقليدي و " حلة ود أزرق" التي تتمحور حول هجرة مجموعة بدوية واستقرارها في قرية من القرى التي أهملتها الحكومة إلا في أيام الانتخابات التي تستغل فيه القوى السياسية الاختلافات الاجتماعية والثقافية والصراعات المترتبة عليها بين البدو والحضر.
في الختام، علي تسجيل اعتراف بسيط وهو أنني بعد أن قرأت رواية شوق الدرويش كان سقف توقعاتي للمجموعة القصصية عالي جدا لذلك وبرغم من كل السمات المتميزة للمجموعة القصصية إلا أنها كانت نوعا ما مخيبة للآمال إذا ما تم قياسها بتلك الرواية مع إدراكي طبعا للاختلاف الطبيعي في الأسلوب بين هذين النوعين القصصين.
تقع الرواية في ١٧٩ صفحة، طبعة دار العين الأولى ٢٠٢٠، المجموعة نشرت لأول مرة في عام ٢٠١٤.
تقيمي الشخصي: ٧.٥ /١٠
القادم كتاب اتفاقية السيب للباحث العماني علي محمد الريامي
حمود السعدي
لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi
حمود السعدي
لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi
تعليقات
إرسال تعليق