قراءة لرواية جوع للأديب المصري محمد البساطي
ربما كانت العبقرية الادبية تكمن في قدرة كاتب ما على توصيل افكاره بطريقة بسيطة و ايفشنت ( اقرب مصطلح لها باللغة العربية هو فعال ) مبعتدا عن الحشو و التكرار و مبتعدا كذلك عن البكائيات و المبالغات فالاحاسيس و المشاعر يجب انت تصل الي القراء بالصورة لا من الحديث المباشر و البكائيات المبالغ فيها و التي تنتشر كثيرا في الرواية العربية و احيانا لأتفه الاسباب فما بالك بموضوع مثل قضية الفقر و الجوع في العالم العربي حيث كنت اتوقع الكثير من ذلك. غير ان محمد البساطي فاجئني فنجح بصورة منقطعة النظير في ايصال افكاره و اضعا امامك من خلال كلماته صورة بصرية بانورامية لقضيته و مبتعدا عن المبالغة و البكائية و الحشو حيث عرض افكاره فقط من خلال رصد الحياة اليومية لعائلة معدمة في الريف المصري و سعيهم اليومي لتوفير رغيف الخبز.
رواية جوع هي اخر روايات الاديب المصري محمد البساطي و نشرت لاول مره عام ٢٠٠٨ حيث رشحت بطبيعة الحال ضمن القائمة القصيرة لجائزة العالمية للرواية العربية “ البوكر “ . ورغم انها لم تفز بالجائزة الكبرى للجائزة التي ذهبت للرواية يوسف زيدان العبقرية عزازيل الا انها حقيقة لا تقل عنها جودة و رقيا و ربما كان فوز الاخير يرجع الا تقدير الجهد الكبير المبذول فيها و القضية الكبرى التي تطرحها.
تدور احداث رواية جوع حول عائلة مصرية محرومة تعسى الي توفير لقمة الخبز حرفيا حيث تسعى فقط الى توفير رغيف الخبز اليومي. تنقسم الرواية الى ثلاثة فصول هي الزوج ، الزوجة و الابن و تبين رحلة كل منهن في البحث عن عمل او عن خبز يسد الرمق. تعرض الرواية حياة العائلة المصرية الفقيرة التي انهكتها متاعب الحياة دون الحديث المباشر عن هذه المتاعب فلا نجد شخصيات الرواية مشغولة طوال الوقت بسرد معناتهم و الحديث عنها انهم يعيشونها دون ان تشكل محور احديثهم او تفعالتهم مع بعضهم، بصراحة لا اعرف كيف اصف ذلك جيدا و لكن يمكن القول انك و انت تقرا لا تجد نقاشا حول الموضوع بصورة فجة بل تشاهد الشخصيات تتفاعل و تتحرك امامك لتكون الصورة المأساوية العامة للرواية لا انت تتحدث عنها. و دغم كل ذلك لا تخلو الرواية من مشاهد للامل و مشاهد فكاهية طريفة للعائلة مصرية بسيطة و هو ما يضيف الي العمل شيء من الواقعية.
رحلة البحث عن العمل و المأكل في كل فصل تنجح في البداية و لكنا دائما ما تتعثر وتتوقف في منتصف الطريق للسبب خارج عن اردت زغلول و عائلته الامر الذي قد يشعر القارئ بالتكرار و الرتابة في الفكرة و لكنه تكرار محمود و فالكاتب يريد ان يلغي فكرة النهايات الضخمة و السعيدة او حتي الحزينة حيث يتجنب يستخدم اي من ادوات الرواية او القصة : العقد ، مشهد الذروه و الحل الذي تتغير عبره الشخصيات . فعقد الرواية حاضرة و هي حياة الشقاء والجوع التي تعيشها العائلة في يوميتها الا انه ليست هناك مشهد للذروة او الحدث الاكبر لان حياة الشقاء مستمره و رتيبة و كذلك فليس هناك حل بسيط وواقعي لها فهي مشكلة لا يمكن تبسيطها بحلول سهلة تشعر القارئ بانه وصله الى نوع من النهاية المقبولة او المريحة سواء اكانت محزنة او سعيدة.
رغم تركيز الرواية علي موضوع الجوع بمعنا الماكل و الا اني اعتقد انا البساطي قد قصد بالجوع اشياء كثيرة كالجوع للمعرفة و العلم و الثقافة في مشاهد زغلول و هي يتبع الشباب المثقف و يحاول ان يكون مثلهم او الجوع للدراسة و التعليم مع الابن الاكبر زاهر. كما لا تتوقف الرواية امام النقد الاجتماعي للمجتمع المصري بل تتعداه للنقد السياسي و النقاش حول مفاهيم الاخلاق و الحرية و كذلك الدين سواء من خلال الشخصيات الرئيسية او من حولهم كتتبع زغلول كما اسلفت للمجموعة المثقفة او حديثه من الاستاذ الجامعي المتددين.
على الجانب الاخر يقع الكاتب و للاسف في خطأ شايع يقعه فيه كثير من الكتاب و هو تحميل شخصية بسيطة افكار مقعدة لا يمكن ان تتطرحها في الواقع ورغم انه تجنب ذلك في مواضيع النقد السياسي و الحوارات حول الدولة المصرية الاستعمار و الدكتاتورية، حيث تحضر هدذه المواضيع و لكن ليس مع ابطال الرواية البسطاء و لكنها تظهر في الخلفية في مشاهد متابعة زغلول للشلة المثقفة حيث يسمع منهم هذا الكلام و يقول انه لا يعي او ربما لا يعنيه اكثره رغم احساسة باهميته وبذلك استطاع البساطي تمرير افكاره بصورة واقعية الا ان انا الامر ينقلب في حوار مع الاستاذ الجامعي ، المتنفذ في القرية و المسيطر على عقول اهلها عن طريق الدين، حيث يصبح زغلول فيلسوف فيطرح اسلئة فلسفة حول الدين لا تخرج الا عن مفكر مجرب. و رغم ان هذا المشهد كان من افضل المشاهد في الرواية ، حيث يتطرح زغلول على الاستاذ اسلئة تحيرة حول الاديان و الله فلا يجد الشيخ و المفكر الا الاتهام بالتكفير و الضرب سبيل علي الرد عليه، الا ان ورود التسائل على لسان زغلول اضفى علي المشهد شيء من الاقحام و كان الافضل من وجة نظري ان تدور الاحداث في خلفية و ان لا يشترك فيها زغلول البسيط اشتراكا مباشر.
علي كل حال تظل الرواية من افضل ما قراءت على مستوي الروايات التي دخلت القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية : لغة قوية و نص ايفيشنت مضافة الية دراما نقدية واقعية و ممتعة في نفس الوقت.
الرواية بين يدي هي الطبعة الثانية ٢٠٠٩ و منشوره عن دار الاداب و تقع ١٣٥ صفحة …
تقيمي الشخصي : ٨.٥/١٠
مر ٧٣ يوما و ١٦ كتبا ، القادم هو رواية رشحت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية بعنوان طعم اسود رائحة سوداء للكاتب اليمني علي المقري.
ملاحظة : الاخطاء الاملائية الواردة سببها عدم وجود مصصح في البرنامج الذي استخدمه للكتابه و لذلك اطلب العذر مسبقا.
تعليقات
إرسال تعليق