قراءة لرواية باب الساحة للروائية الفلسطينية سحر خليفة



انتهيت بالامس من قراءة رواية باب الساحة و هي الرواية التي اخترتها من قائمة افضل مائة رواية عربية و للمرة الثالثة عشر لم تخيب هذه القائمة ظني فوجدتني امام رواية رغم بساطتها الشديدة من اروع ما قرأت في الادب الفلسطيني منذ رجال في الشمس لغسان كنفاني. الراوية نشرت لاول مره عام ١٩٩٠ ابان بداية الضعف في الانتفاضة الفلسطينية الاولى. و على خلاف المعهود عند الحديث عن الانتفاضة فرواية باب الساحة تقدم قصة الانتفاضة من وجهة نظر جديدة و مختلفة فليست هي قصص شباب الحجارة و المقاومين الهائمين في الجبال و انما قصة محنة المرأة الفلسطينية التي ازدات مرارتها مع الانتفاضة فاصبحت مقسمة بين دافع التضيحة لاجل الوطن وبين الخوف على الاخ و الابن و الحبيب. كما لا تتراجع او تخجل سحر خليفة  في روايتها من تتقديم نقد ليس فقط للمجمتع الفلسطينين ولكن للانتفاضته و لمقاوميه. و العجيب ان كل ذلك يتم في قالب درامي رائع و حتى ساخر و هو امر غير متوقع بالمرة بالعودة للموضوع و القصة. فوجدت الابتسامة تلازمني في اكثر من موقف بل و تفاجئت بنفسي اضحك بصوت عالي في بعض المواقف. 

تدور احداث الرواية في معظمها في منزلة سكينة في حي الساحة في مدينة نابلس. وتجتمع في هذا السكن العجيب شخصيات الرواية الصارخة في التناقض و ربما العداء. باختصار و دون فضح احداث الراوية يصاب احد المقاومين و يدعي حسام وهو ابن اخ داية الحارة  الخالة زكية في احدى المعارك مع الجيش الاسرائيلي ليجد نفسه مختبأ في حاكورة بيت سكينة و هو بيت المموسه سكينه و ابنتها المموسة نزهه الذي هاجمه المقاومين قبل ايام و خطفوا سكينة و اقتلوها بتهمة العمالة لاسرائيل كما قاموا بضرب ابنتها نزهه و منعوها من الخروج. لا يجد حسام المصاب بدا من الالتجا الي نزهة و هي التي ترجت قبل الايام الداية الخالة زكية ان تطلب من حسام ان يزورها في محاولة لدرأ تهمة العمالة عنها و عن امها القتيلة ورفض بشدة. 

في هذه الاثناء تزور سمر ،وهي بنت الحي الجامعية التي تقوم بعمل بحث حول اثر الانتفاضة الفلسطينية ، نزهة مدفوعة بتعاطفها مع هذه الفتاة التي تعتقد انها ظلمت بس اعمال امها. في اثناء الزيارة يعلن مقتل احد الجنود الاسرائلين في الحي فيعلن حصار الحي و تغلق ابوابة بحاجز اسمنتي قوي ليجد حسام و سمر انفسهم حبيس البيت المشبوه في الحارة و في عناية نزهة المموسه الشابة المتهمة بالعمالة “ حدجتها نزهة و رقصت باحاجبيها بانبساط بلغ حد التجلي و ترنمت : اهلا و سهلا صرنا ثلاثة “ . تزداد حمى الشاب المصاب فلا تجد الفتاتان بدا من دعوة الداية زكية عمة الشاب في محاولتهن للابقاء عليه في ظل الحصار و عدم القدرة على طلب الاسعاف وبذلك تجتمع تحت سقف هذا الدار المشبوه الداية و ام الحي و الممثله لصوت العقل و الرجاحته ، سمر الفتاة المثقفة  و المتحررة التي تؤمن باهمية مشاركة المرأة الفلسطينية في الثورة ، نزهة الفتاة التي قسى عليها الزمن فرمها مموسة تبحث عن المال بين الرجال و المختبأة تحت جدار من الصراحة المبالغ فيها و السخرية و اخيرا حسام الثوري المنقلب على عائلته الغنية و عادتها. 

لا تقوم الرواية على فكرتها العبقرية السابقة فقط بل ترتفع من خلال الحوارات الشيقة و اللاذعة بين شخصياتها المختلفة الى القمم من الروايات الواقعية. فلم اجد يوما حوار يتميز بالذكاء و الواقعية معا و يجمع بين العقل و الالم و السخرية كذلك الذي وجدته في هذه الرواية البراقة. لغة الرواية و رغم انها كتبت بالعامية في الحوارت الا انها اضفت جو من الواقعية و المتعة و انا اقرائها بل و جعلتني اخوص مع هذه الشخصيات و ارها تتحرك و تتشكل امامي فارى نظرتها و زفرتها و ابتسامتها و بكائها. الحقيقة اني وجدت نفسي حائرا و انا اقرا هذه الرواية في كيفية استطاعة سحر خليفة ان تجمع بين دفتي رواية بين مأساة الالم و الحصار و المعاناة اليومية الفلسطينية و بين لغة حوارية صريحة صارخة في النقد و سخرية.  كل شيء بالمقدار المناسب فلا تجد المبالغة في المأساوية و الالم كما في رواية باب الشمس التي تخلو رغم روعتها من اي موقف جميل و ساخر يبعث الامل و لا تجد غلبة المواقف الساخرة او محاولتها تبسيط المأساه التي عاشتها الشخصيات. النقد الوحيد الذي احمله على الرواية ياتي في الفصلين الاخيرين من الرواية  و لا يمكني الحديث عنه دون كشف نهاية الرواية و لذلك اكتفي بالقول اني لم اتحمس للنهاية في الرواية و اعتقد انها كانت ستكون اجمل بكثير لو لم تجد سحر خليفة نفسها مطرة لايجاد نهاية واضحة للكل الشخصيات فيها. 

على ان هذا لا يضيع ، لا ينقص من جمال الرواية وروعتها و كما قلت لا تتحدث الرواية عن الانتفاضة فقط بل تقدم عرض نقدي للمجتمع الفلسطيني بشكل عام و الطبقية و الانتهازية فيه بشكل خاص كما لا تخجل من تقديم نظرة نقدية للانتفاضة الفلسطينية . اخيرا اكتفي بالقول انه لا يكفي  مقال و لا عشرين مثل هذا المقال نصف حق هذه الرواية و لذلك ساعتبر نفسي سعيد اذا نجح ما كتبته في دفع احد لقراءة هذه الرواية الرائعة ، و مطالعتها .  

الرواية بين يدي هي الطبعة الثانية ١٩٩٩ و منشوره عن دار الاداب و تقع ٢٢٣ صفحة … 
تقيمي الشخصي : ٩/١٠ 
مر ٦٠ يوما و ١٣ كتبا ، القادم هو بحث في علم النفس بعنوان الأحلام بين العلم و العقيدة للكاتب العراقي الكبير الدكتور علي الوردي. 



حمود السعدي 

لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف