قراءة لرواية انا، هي و الأخريات لجني فواز الحسن



مرة جديدة كنت بصحبة رواية من الروايات المترشحة ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية  ، ورغم استحقاق رواية ساق البامبو الفوز كأفضل رواية تلك السنة ، سنة ٢٠١٣ ، الا انه هذه الرواية استحقت الوصول الى القائمة القصيرة وربما لا اغالي اذا قلت انها كانت على مستوى جودة الرواية الفائزة عن ذلك العام. الرواية للكاتبة اللبنانية جنى فواز الحسن و هي الرواية الاولى من روايتين تصل بهما هذه الكاتبة الشابة الي القائمة القصيرة لجائزة البوكر ففي عام ٢٠١٥ وصلت روايتها طابق ٩٩ التي لم اقرئها بعد الي القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. 

في روايتها انا، هي و الاخريات و المكتوبة علي لسان بطلتها تأخذنا جني فواز الحسن الى قلب امرأة مزقتها الايام بين عائلة جامدة جمعت بين اب شيوعي فقدت قضيته اي امل في الحياه فعاش منطويا على نفسه في عالمه من المثاليات و الاحلام و ام متدينة جمعها القدر مع زوج شيوعي فوجدت نفسها عاجزة عن التواصل معه فعاشت حياة من الحرمان و الوحدة جعل منها مرأة مهشمة جل همها انت تحافظ على صور البيت السعيد امام الاخرين ، و زوج ظنت انه به الخلاص من حياة الوحدة و فقدان العاطفة في البيت البارد ونشدت فيه حنان الابوه التي فقدتها لتجد نفسها امام وحش في صورة انسان اخذ يصب عقده عليها ضرب و شتما و تحطيما. 

تجد سحر نفسها موزعة بين “ هي “ الطفلة التي عاشت محرومة من حنان ابيها و امها و كبرت لترا حال امها التي تعيش حياة المراره و الالم و الوحدة و سحر الاخرى التي تزوجت لتخرج باللذة الى عالم المحبة و الحنان المحروم فوجدة نفسها ذليلة مهانة في بيت الزوجية حيث تصبح مجرد اداة لمتعة شخص مريض بين الاغتصاب و الضرب و الاهانات لتحدثنا طوال الرواية كـ “ انا “ الفتاة التي تنظر في شفقة الى “هي و الاخريات” و يحزنها ما قاسة و تقاسية و تحاول البحث عن مخرج من هذه الحياة المريرة فلا تجد السبيل الا في الخيانة  و الحب الممنوع مع “ ربيع “ الشاب الغني الخارج من عالم الفقر و المرارة و الحرمان و صداقة قوية مع هالة المرحة التي تخفي وراء ابتسامتها عالم هائل من الالم بين اخ متشدد تركها و اخوتها للجهاد و اب بليد جعله فقد زوجته يستقيل من الحياة مبكرا. 

 رواية قمة في المأساه الانسانية تعالج بها الكاتبة قضايا عديدة الا نها تتعمق في قضية من اهم القضايا المسكوت عنها العنف الاسري فتنقلك الى عالم المرأة المعنفة التي تعيش الحرمان و تجعلك و انت تقراء السطور تعيش حياتها و تراها امامك تقف مضروبة دامية على حافة الجدار. تغطي الراية كذلك عوالم القيم و نقد الاجتماعي و الديني فتجد سحر تقارن بين البيت المبني على الشيوعية الي يتهمه المحيط بالكفر و بين بيت القيم الدينية الي تزوجت فيه فترا التناقض الصراخ بين ما يدعية الاصراف و ما يمارسونه. ثم تقارن بين نفسها و مدينتها طرابلس الذي اخذ المتدينون في تحطيمها بداعويهم المريعية و تكفيرهم و اقصائهم للاخر المختلف فتقول سحر “ و بدت لي طرابلس يوما بعد يوم اشد تعلقا بهويتها الاسلامية لتنهض في ربوعها الحركات المتشددة دينيا و تغوص في امواج الحلال و الحرام و تدافع عن الكيان المستجد عبر نبذ الاخر او اسره. كنت كالمدينة تماما ، امرأة فيها الكثير من الكنوز المدفونة، و التي تكدس الغبار على اتربتها و ابنيتها و آثارها و انتهكت الاوساخ اعلامها ، كما اصاب جسدي القبح من جراء آثار الضرب. كلانا انشغل بالوجع و الدمار كي لا ندرك ان كوة من الضوء تتراى خلف اللحى و فساد الطامعين ، و الطبقة السياسية الرأسمالية التي تسترت على الحركة الاصولية ، و حكمت بالفقر على البائسين “.   

تتمكن الرواية رغم قصرها و قلة الاحداث فيها و بساطتها نقل معالم مأساة امراة تتعرض للعنف الاسري و رغم تكرر مشاهد العنف في الرواية الي انها مهمة جدا في نقل الصورة للقراء ففي كل مره نعيش مرحلة جديدة من مراحل التحطيم و السقوط والبأس التي تجد سحر نفسها به الى انت تقف وقد تحولت الى امرأة ميته قتلتها البلدة و البؤس و انفصلت عن ما حولها حتي عن ابنائها و في مشهد بالغ القسوة تجدد سحر نفسها و هي تصفع ابنتها لسبب بسيط لتجسد الدنو التي وصلت اليها “ ركضت دينا الى غرفتها و هي تشهق و تصارع دموعها . سحبت كرسيا و جلست عليه . لم اعد قادرة على الوقوف . و جلست افكر كم اصبحت قاسية تماما كالقابلات القانونيات و النساء اللواتي يغسلن الموتى و يتحضرن لدفنهم. تحولت الاطباق التي غسلتها الى جثث متكدسة … ، انزلقت يدي على غفلة مني احدهما فكسرته … بحركة تلقائية كما لو اني امرأة اخرى قاسية و بليدة رحت الم شظايا الطبق المكسور . لم انتبه اي اصبحت بائسة إلا عندما دخلت قطعة زجاج في يدي … “ . على المستوى اللغة و التعابير فانها برغم من بساطتها الى انها كانت لغة ساحرة و بديعة تظهر تمكن الكاتبه من ادواتها. 

علي كل حال فان ما قلته لا يعدو كونه شيء بسيطا عن هذه الرواية الرائعة التي تستحق كل لحظة قضيتها بصحبتها و اعتقد انها مهمة للقارئ الشاب اكثر من غيرة لانها تضعك امام تلك المرأة المحطمة نتيجة العنف الاسري و تجعلك تعيش في عقلها المتحطم و اليائس. و رغم قساوة مشاهدها بين الضرب و الاغتصاب و الاهانة الا انها مهمة جدا في نقل الصورة القاسية لحياة تلك الفتاة المريرة. 

 الرواية بين يدي منشوره عن الدا  العربية للعلوم  و تقع ٢٠٠ صفحة … 
تقيمي الشخصي : ٨.٥/١٠ 
مر ٥٨ يوما و ١٢ كتابا ، القادم هو رواية صنفت ضمن افضل مائة رواية عربية  بعنوان باب الساحة للكاتبة الفلسطينية سحر خليفة. 

ملاحظة : الاخطاء الاملائية الواردة سببها عدم وجود مصصح في البرنامج الذي استخدمه للكتابه و لذلك اطلب العذر مسبقا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف