قراءة لرواية صنعاء … مدينة مفتوحة لـ محمد عبد المولى
يوم جديد جميل و انتهيت معه من قراءة رواية جديدة تحتاج للتعليق و الكتابة. الرواية هي الرواية الاولى او ربما الكتاب الاول الذي اقرئه عن اليمن بعيون يمنية معاصرة و لذلك كان اهم استنتاج خرجت منه بعد قرائتي هو حجم المعرفة الَضئيل لدي عن التاريخ السياسي المعاصر لهذا البلد و عن ضعف معرفتي بطبيعة هذا المجتمع القبلي و ذلك على الرغم من قربه و تأثيرة الشديد علينا في عمان. لكني اعتبر هذه التجربة الجميلة البوابة لفهم و اعادة دراسة اليمن و اتمنى انت تكون الفاتحة لقراءة اكبر و فهم اكبر لليمن من خلال كتابات اهلها.
رواية صنعاء مدينة مفتوحة هي الراواية الأولى و الوحيدة للكاتب اليمني الذي اخذه القدر مبكرا في حادث طيران سنة ١٩٧٢ محمد احمد عبدالمولى. تدور احداث الرواية حول نعمان الشاب القروي الذي ينتقل للعمل في مدينة عدن يعود مع انطلاقة الرواية الى قريته بينما يهاجر اعز اصدقائه للعمل الى فرنسا. مع عودة نعمان الي قريته يبدا بمواجهة ازمة معظم الشباب المتعلم و المثقف في المنتصف الثاني من القرن العشرين وهي ما اطلق عليها ازمة الحداثة في المجتمع التقليدي حيث يجد نفسه بعيدا كل البعد عن اهله في القرية و يصبح غير قادر علي التعايش مع اهلها حتى زوجته التي تزوجها ـ ربما مبكرا ـ عن محبة على خلاف عاداتهم في القرية اصبح غير قادر علي اتقلم او الحياة معها.
يتسبب ذلك في انعزاله عن القرية و اهلها للصراع و الاقاويل و الاتهامات المتبادلة في حين يقع نعمان خلال تلك الفترة في غرام امرأة اخرى من اهل القرية تسكن احد الجبال رحل عنها زوجها منذ زمن فيجد فيها عزا لوحدته و كره للحياة و لاهله و قريته. يعيش نعمان ازمة المثقف الذي فقد الطريق وفقد الامل في ظل هذا المجتمع التقليدي. لا يواجه نعمان في القرية العزلة و خيبة الامل و العداء من اهلها فقط بل يواجه معهم كذلك ازمة الفلاح اليمني مع موسم امطار قاسي و جباة للضرائب الامام لا يعلموا بل لا يهمهم ان يعلموا ما حل بزرع و ارض هؤلاء الفلاحين. يقرر على اثر كل هذه الازمات نعمان العودة للمدينة للعمل لليدعم اهله وزوجة المخلصة ببعض المال.
يعود نعمان لعدن في الجنوب و حينها تتحول الرواية من النقد الاجتماعي الى النقد السياسي حيث نتعرف من خلال احديثه عن و مع اصدقائه عن ازمة اليمن الشمالية سواء عن صنعاء والفساد المستشري في كل مرافق الدولة بالاضافة الي مائساة الحرب الاهلية مع قصة الصنعاني او ازمة التطوير و التعليم مع رحلة البحار في البحث عن العلم في مدينة زبيد. كما ينخرط الاصدقاء الثلاثة في عدن و يتأثروا بمعركة الاستقلال من خلال تاثرهم بالاضرابات العمالية في ميناء عدن.
الرواية كتبت بطريقة و اسلوب جديد لم اعهده سابقة ، ففصول الرواية عبارة رسائل من نعمان الي صديقه المهاجر في فرنسا يبثه فيها شجونه اماله و ما يحدث معه و مع اصدقائه. هذا الاسلوب جعل من اللغة في الرواية بسيطة و لكنها في نفس الوقت مفعمه بالانسانية و العاطفة الجياشة فوجدتني اقترب بقوة من شخصية نعمان واشعر بازمته و حياته و اعيش معه حيرته مكونا عاطفة اتجاه و اتجاه عائلته و اصدقائه خصوصا زوجته و صديقة الصنعاني صاحب القصة الحزينة . على جانب الاخر تكمن مشكلة الرواية مع كاتبها و هو ما لاحظته مع عدد كبير من الكتاب الكبار فنجد غلط بين ثقافتهم و ثقافة ابطال روايتهم فما قد يقوله محمد عبد المولي في النقد السياسي و الاجتماعي وهو المثقف و الاديب الذي يتقلد مناصب كبيرة يختلف و لا يمكن ان يتقاطع مع ثقافة عمال في ميناء في عدن و عليه فقد وجدت عبدالمولي في كثير من الاحيان يخرج لي في منتصف الرواية بينما تبتعد الشخصيات الى الظلال و تختفي عن المسرح محاورا نفسه بنفسه ورغم اهمية ذلك الحوار الا اني وجدته يخرجني من جو الرواية.
على كل حال فان اهم ما في الرواية بالنسبة لي انها قد تكون فاتحة جديدة لفهم المجتمع و السياسية اليمنية المعاصرة بعيون يمنية و جعلتني ادرك مدى قصوري المعرفي حول التاريخ اليمني الحديث و المعاصر رغم قربها و اهميتها بالنسبة لنا. كما يحسب للرواية ثوراتها ضد التقاليد و المورث الشعبي و هو ما توقع انه اثرا زوبعة عندما نشرت الرواية لاول مره . اخيرا رغم مشكلة التناقض البنائي الثقافي للشخصيات الرواية و النهاية الغامضة التي اتسمت بها الرواية الى انها رواية ممتازة و تستحق الاطلاع عليها.
اتركم مع احدى مقاطع الرواية الملفته:
“ يا بني لقد مارست الحياة اكثر منك … وانا اعرفها … انها غدارة … فلا تأمن لها … لابد انت تنزع عنها المبادرة “ كيف استطيع ذلك … كيف استطيع تحدي القدر … نعم لقد وجدت الوسيلة .. ان لا افكر بالقدر … ان لا اؤمن بان هناك قدر …
الرواية بين يدي منشوره عن منشورات دار الجمل و تقع ١٢٧ ورقة …
تقيمي الشخصي : ٨/١٠
مر ٥٦ يوما و ١١ كتبا ، القادم هو رواية رشحت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية بعنوان انا هي و الاخريات للروائية اللبنانية جنى فواز الحسن.
ملاحظة : الاخطاء الاملائية الواردة سببها عدم وجود مصصح في البرنامج الذي استخدمه للكتابه و لذلك اطلب العذر مسبقا
تعليقات
إرسال تعليق