قراءة في رواية المجوس لإبراهيم الكوني
“ الصحراء والحرية ”
“ المجوسي ليس من سجد للحجر … المجوسي الحقيقي هو من باع الله … واستبدل بحبه حب الذهب”
“ لا يجتمع حبان في قلب واحد “
حول هذه الأفكار الثلاثة تدور رواية المجوس بجزأيها الأول والثاني. نشرت الرواية لأول مرة على جزأين بين عامي ١٩٩٠ وعام ١٩٩١. تبدأ الرواية في الجزء الأول بنزول قافلة لجماعة مهاجرة قادمة من تيمبكتو في سفح جبل ايديادن وسط الصحراء الكبرى تسكنه قبيلة من الطوارق. يقبل الزعيم آده زعيم قبيلة الطوراق السماح للقافلة المهاجرة بالاستقرار والاشتراك في البئر، نبع الحياة في الصحراء. من خلال الفصول القادمة التي تنقسم بين سرد ماضي و بين حال اليوم نتعرف تاريخ القبيلة والمأساة التي مرت بها منذ سنوات وكذلك على المهاجرين القادمين من مدينة الذهب ، تينمبكتو، وسبب هجرهتهم. يشرع المهاجرين الجدد في بناء مدينة تجارية جديدة عند السفح ملتهمين من تيمبكتو المثال. يطلق هذا العمل سلسة من الأحداث التي تحيكها الرواية من خلال الصراع بين أهل المدينة والقبيلة على الماء والسلطة واستخدام الذهب في الصحراء وهو معدن النحس عند أهل الصحراء.
بينما يبدأ الجزء من الرواية بتذكر طفولة وشباب زعيم القبيلة الحكيم الذي نفي من السهل بعد اكتمال المدينة للمعارضته العلنية للسلطنة الجديدة ومناهضته استخدام الذهب أو التبر بلغة أهل الصحراء. تنتقل بعدها الرواية إلى الصراعات داخل المدينة من أجل الفوز بالأميرة القادمة من تينمكبتو التي قسمت قلبها بين فتى من فتيان الموالي وأحد أهم نبلائها وفرسانها مخالفة بذلك شعار أهل الصحراء بأن القلب الواحد لا يجتمع فيه حبان.
الرواية ليس كأي شيء قرأته قبلها فهي تجمع في بنائها السردي بين الحكاية والأسطورة والمرثية والمناجاة. كتبت بلغة قديمة جدا وبأسلوب الأساطير القديمة وهو ما قد لا يحبذه الكثيرين. بالنسبة لي كانت تجربة قراءة المجوس بجزأيها تجربة فريدة وإن كنت لا أستطيع أن أدعي أنها كانت تجربة ممتعة دائما فالبرغم من الشاعرية الرهيبة واللغة الصوفية الرائعة والمعاني الفلسفية العميقة التي حفلت بها الرواية والتي تأخذ عقلك وقلبك إلى مناطق جديدة إلا أن المبالغة فيها والتركيز عليها قد يصيبك بالضجر وتتمنى أن يعود الكاتب إلى الحكاية وشخصيات الرواية التي تتعلق بهم. على المستوى البصري فالوصف والصورة رائعتان، فعندما تقرأ تتشكل أمامك الصحراء باتساع جبالها، وبعظمة المدن بشوارعها ورجالها ونسائها، ثم تخترقك رائحة الأسواق والشوارع وضجيج الباعة وصياح الأطفال.
أخيرا الرواية صنفت ضمن أفضل مئة رواية عربية وهو دليل على عظمتها، بالطبع هي ليست لجميع القراء ولكنها لفئة من القراء الذين لن يعشقوا شيئا سواها.
تصنيفي الشخصي للرواية: الجزء الأول : ٧/١٠
الجزء الثاني : ٩/١٠
مر ١٧ يوم وكتابان، الكتاب القادم هي رواية بعنوان نساء البساتين للروائي التونسي الحبيب السالمي، الرواية كانت ضمن اللائحة القصيرة لجائزة البوكر العربي لعام ٢٠١٢م . قراءة ممتعة وتصبحون على خير.
تعليقات
إرسال تعليق