قراءة في المجموعة القصصية “ ارض البرتقال الحزين “ لـ غسان كنفاني


علي ان اعترف مره اخرى قبل التعليق على هذه المجموعة القصصية انني لم اكن من محبي القصة القصيرة كعمل فني ادبي و ربما لا ابالغ اذا قلت انني كنت اواجه هذا الفن من الكتابة بنظرة تشكيك من منطق بحث الكاتب عن اليسر او محدودية الخيال. الا ان نظرتي الضيقة هذه تغيرت مع قرائتي لمجموعة قصصية لنجيب محفوظ بعنوان حكاية بلا بداية و لا نهاية وو جدت نفسي مستمعا بشدة ومنجذبا لهذا الفن. و الان و بعد انتهائي من هذه المجموعة القصصية لغسان كنفاني اود اني اقول انني ربما اصبح من المغرمين بهذا النسق الرائعة من الكتابة و انه ربما كانت كتابة قصة قصيرة ذات كثافة هائلة من المعاني و الجماليات اكثر صعوبة من كتابة رواية كاملة. 

نشرت هذه المجموعة القصصصية لاول مره عام ١٩٦٢و قد كتبها الاستاذ غسان كنفاني بين اعوام ١٩٥٦ و ١٩٦٢م اي بعد حوالي ٨ سنوات فقط من فاجعة النكبة. تتالف المجموعة من عشر قصص قصيرة : ابعد من الحدود ، الافق ورادءالبوابة ، السلاح المحرم ، ثلاث اوراق من فلسطين ( ثلاث قصص )، الاخضر و الأحمر، ارض البرتقال الحزين، قتيل في موصل و لا شيء.  ككل كتابة الاستاذ غسان كنفاني يحاول الاستاذ تغطية و تسليط الضوء على الماسآه الفلسطنية من كل جوانبها من ماساة النكبة و التهجير الى معاناة الحياة في المخيامات و الغربة .

 فنشهد المآساه الفلسطنية في المخيامات و المهجر عندما  يتحول اللاجئ الفلسطيني الى اداة في ايدي الزعمات العربية ، مجرد صور تذكارية في يد سائح متجول ، مجرد حالة تجارية جاهزة للاستغلال “ في قصة ابعد من الحدود. نشهد المأساه الفلسطنية في التشتت بين الداخل و الخارج و في خارج بين خمس دول عربية فلا يستطيع الفتى مقابلة امه لاخبارها ان اخته الصغيرة قتلت يوم النكبة بين يدية في الافق وراء البوابة. نشهد المأساه الفلسطينية في خيانة الاخ و الصديق قبل العدو في قصة السلاح المحرم. نشهد الفضائع التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في النكبة في قصة ابي عثمان الذي اطر الى دفن ابنته ثم زوجته وهن يرفعن ايديهن مستسلمات في قصة ورقة من الرملة. نشهد ماساة الفلسطيني المشتت بين وعود المهجر و بين رغبة البقاء و الدفاع عن ما تبقى من الارض و العرض في قصة ورقة من غزة. قسوة اللجوء و ضياع اللاجئ بين الارجل في قصة الاخضر و الاحمر. ماساة الفلاح الفلسطيني الذي خلف وراءه ارضة المزروعة بالبرتقال و الزيتون فاخذ معه قبل الخروج بضع حبات من برتقال الفلسطني الذي يظمر كما يظمر و يهرم و  كما يهرم ينهدم كما ينهدم  ذلك الفلاح في حياة الهجرة مع قصة ارض البرتقال الحزين. الموت الذي يتبع الفلسطيني حتى في غربته في قصة قتيل من الموصل. و اخيرا المجنون الفلسطيني الذي قرر ان يحمل السلاح و يقاوم في لا شيء. 

اللغة جزء لا يتجزأ من الماساة في كتابة غسان كنفاني فالفاظه كلها و اوصافة تعبر عن الوجع الفلسطيني و الغربة الفلسطينية. تختلف القصص بين المباشرة التي تتميز بالعاطفة الشديدة و كثافة الافكار خصوصا في قصص الافق وراء البوابة ، ثلاث اوراق من فلسطين و ارض البرتقال الحزين. و بين القصص ذات الطابع الرمزي فتحكي قصص الماسأة من خلال رموز غاية في الذكاء و التاثير كما في قصة  الاخضر و الأحمر و السلاح المحرم. 

المجموعة القصصية بطبعتها الجديدة نشرت عن دار منشورات رمال بالتعاون مع مؤسسة غسان كنفاني الثقافية  ضمن مشروهم لإعادة نشر كتابات الاستاذ غسان كنفاني . تقع المجموعة القصصية في  ١١٨ صفحة. 
تقيمي الشخصي: ٩/١٠ 
مر ٢٦ يوما و ٦ كتب ، الكتاب القادم يشهد عودتي الى عالم الفلسفة مع صاحب نقد الخطاب الديني الاستاذ نصر حامد ابو زيد من خلال كتابة “ التجديد و التحريم و التأويل بين المعرفة العلمية و الخوف من التكفير”.  

تعليقات