التجديد و التحريم و التأويل بين المعرفة العلمية و الخوف من التكفير لنصر حامد ابو زيد


اعتقد ان هناك لحظات في حياة الانسان تعتبر رئيسية في تشكيل شخصيته و تفكيرة و تخلتف هذه اللحظات من مواقف اجتماعية او عملية الى قراءة مقال او الكتاب و الان حتى الى الاستماع الى خبر او مشاهدة مقطع مصور. بالنسبة لي فهناك لحظتان او بالاحرى كتابان قراءتهم و كانا لهما في لحظتها و ربما الى الان عظيم الاثر علي توجهاتي الفكرية و الاساس الذي ابني عليه مجالي الفكري. لقد كان لهذان الكتابان في وقتها اثر الصعقة الكهربائية علي و على تفكيري ورغم اني حاليا قد لا اتفق مع كل ما كتب فيهما الا ان المنهج العظيم الذي اساسها ظل و سيظل منطقي  الفكري الاساسي و هو هدم و اهمال المسلمات في مختلف المجالات ما لم تقم على نظرة علمية و اساس عقلي. الكتابان هما : نقد الخطاب الديني للاستاذ نصر حامد ابوزيد (و قد ارسله الى و نصحني بقراءته الاخ العزيز نبهان الحراصي) و في الشعر الجاهلي لعميد الادب العربي طه حسين.  

في هذا الكتاب لا يخرج الاستاذ نصر ابو زيد عن محور كتاباته حول الخطاب الديني و قضية تجديد الفكر الديني  الاسلامي. يركز الكتاب من خلال فصوله الاربعة على حتمية و اهمية تجديد الخطاب الديني ثم ينتقل الى الفن و الخطاب التحريمي ثم ينتقل الى اشكاليات التأويل بين المعاصرة و التراث و اخيرا يعرض مقاربة جديدة لتأويل من خلال معالجة القران على انه خطاب اكثر من كونه نص. 

كما اسلفت يتناول الفصل الاول من الكتاب وهو الفصل الوحيد الذي كتب من اجل الكتاب و لم ينشر سابقا عن اهمية التجديد في الخطاب الديني. ينطلق ابو زيد من طرح المبررات التاريخية  و المعرفية وراء اهمية التجديد الديني و هي الازمات السياسية و الاجتماعية التعصف بمختلف مناطق العالم العربي و الذي بيررها الخطاب الديني التقليدي “ المتخلف “ بانها نقمة ربانية بسبب ابتعاد المسلمين عن دينهم بينما يتمسك بها الاخرون “ اليهود هم المقصودون “  هاملا و مغيبا الاسباب الحقيقية وراء الترجع العربي. كما يقف الكاتب ضد المنطق القائل بان التفوق الغربي يمكن في مجالات العلوم و التكنولجيا دون مجالات الفكر و الفلسفة و الثقافة و الفنون التي يعتقد الخطاب التقليدي “ ان رصيدنا التراثي يتفوق على الانجاز الحضارة الحديثه فيه” بمقررا بذلك حاجتنا لنقل العلوم و التكنولجيا دون العلوم الانسانية متناسيا كما يقول الكاتب ان العقل المنتج للتكنولوجيا هو نتاج لمنهجية “ الشك و المراجعة و اعادة النظر لا منهج اليقين و الطاعة و التقليد “. ينتقل بعدها الكاتب الى فوبيا السلفين و التقليدين من حركة التجديد النابعة في احيان كثيرة من الاستخدام النفعي للدين معطيا مثاليين يعرض فيها تجربته الشخصية مع احد اكثر المجتماعات الاسلامية انفتاحا في ماليزيا و اندونسيا خلال فترتين احدهما في الثمانيات و الاخر في اواخر التسعينات من القرن الماضي عارضا من خلالها الانتكاسة  التي اصابت هذه المجتمعات.  بعدها يطرح الاستاذ ابو زيد مسئلة عداء الغرب و اعلامهم للعرب و المسلمين التي تطرح كمبرر لكبح اي محاولة لفتح نقاش نقدي حقيقي حول المورث الديني مقررا ان مساجلة الاعلام الغربي حول الدين تكون فرض عين في المجال الاعلامي الغربي نفسه اما “ الخطاب الموجه للداخل فمصارحة النفس و نقد الذات اولى بها “ مستوحيا من قول المنسوب للمسيح عليه السلام “ ان احدكم ليرى القذى في عين اخيه و لا يرى القشة في عينة “. 

في الفصل الثاني وهو اعادة صياغة لمحاضرة القاها الاستاذ نصر ابو زيد في القاهرة و بيروت ، يتناول الكاتب نظرة الخطاب الديني السلبية من الفنون. يتسائل الكاتب عن الاسباب التي تدفع المؤسسة الدينية التقليدية الى رفض الفن ؟ فيقرر انه بما ان الفن هو اقصى تعبير عن الحرية الانسانية ، فان النظرة التحريمة الموجه ضد الفنون تنبع من الخشية من مبدا الحرية و الابداع المؤدية حسب الكاتب الى “ اختراق الراكد و المألوف و التقليدي “. و تتجلى فوبيا الخطاب التقليدي من الحرية دائما في تشددهم في البحث عن “ ضوابط و حدود و ماعير الحرية “ قبل حتى الشروع فيها متجاهلين انها اي الضوابط تنشأ في ظل المجال الحيوي للحرية لا قبلها. ينهي الكاتب الفصل بحديث مشوق حول دراسة القران على انه نوع من انواع الفنون التي تجمع بين البلاغة الشعرية و التصوير القصصي التمثيلي و بين اسلوب “ الموسيقي في الترتيل و التجويد “ من خلال امثلة للكبار المفسيرين من امثال عبدالقادر الجيرجاني الذي حل الازمة بين الشعر و الوحي باعتبار الاول منطلقا لفهم الاخر و محمد عبده و سيد قطب الذي اعتبروا ان القران شمل كل الفنون فاتحين المجال لروية جديدة تطرح نظرة معاصرة للدين ابتجاه الفنون من امثال التصوير و النحت و الموسيقى الا ان نهاية القرن العشرين و خصوصا عقب هزيمة ٦٧ شهدت انقلاب و تراجعا في حركة النهضة الدينية و عودة الى المجالات الفكرية السلفية التقليدية. 

ينتقل الكاتب في الفصل الثالث و هو الفصل الذي اعتبرته الاهم في نقاش مسالة من اكثر المسائل حساسية في الدراسات الدينية و هي اشكالية التأويل القران. الفصل عبارة عن دراسة نشرت ضمن ندوة في حلب عام ٢٠٠٢. يطرح الاستاذ ابو زيد اشكاليات التأؤيل قديما و حديثا من خلال المقارنة بين النظرة السلفية التقليدية القائمة على التفسير  النظرة القائمة على تقديم النقل و بين النظرة المعتزلية و حركة النهضة الحديثة ممثلتا في الشيخ محمد عبده و غيره التي تقدم العقل على النقل مستخدمتا العقل في حل عقدة المحكم و المتشابة  على ان يكون المجاز المفتاح في شرح ما يشكل و يتناقض مع المنظور العقلي. كمثال على ذلك يعرض ابو زيد رؤوية الشيخ محمد عبده رائد النهضة و الصحوة الاسلامية في حل عقدة مسائلة القصص القراني  وما فيها من قصص الحسد و السحر ـ و هو ربما كان بالنسبة لي اهم ما ورد في الكتاب ـ حيث يقرر على لسان عبده ان “ القصص القراني كله ليس تاريخا و انما المراد بها الاعتبار و العظة من السياق . و ليس المهم في القصة ما تحكيه من و قائع و احداث بل المهم هو الاسلوب السردي الذي تستنبط منه العظه “. و على ذلك يقرر “ ان الاعجاز في القصص القراني يكمن في اللفظ لا في القصص نفسها اي في بنائها اللغوي السردي و ليس في مماثلتها للوقائع التاريخ”. اخيرا  يور الكاتب جملة محمد عبده الذي يكررها دائما في معرض دفاعة عن القران في وجه الهجوم الاستشراقي حول الدقة التاريخية للقصص القراني ان “ القران ليس كتاب لتاريخ بل هو كتاب للهداية و الموعظة و العبرة  يورد القصص القراني لهذا الغاية و الهدف و الذي قد يتطلب تحويرا او اختصارا او ترتيبا سرديا مخالفا للواقع ثم يأكد ان ما يحكى من اعتقادات او يروى من عبارات في القران انما يحكى مطابقا لوعي المخاطبيين او المحكي عنهم و من ثم فلا مجال لاعتقاد صحته او صوابه لمجرد ان ذكر في القران” . و بذلك يتمكن عبده من توظيف مفاتيح التأويل القراني عند المعتزله  في تفسير واضعا القصص القراني في خانة المتشابه و ليس المحكم من الكتاب و بذلك يتمكن من اعطاء تفسير عقلاني لمسائل السحر و الحسد و المس الشيطاني التي وردت فيه هذه القصة. فلتسمحولي لي ان اتوقف قليلا عن هذه النقطة و اخرج من مناقشة الكتاب وابدى ملاحظة بسيطة حول وضع التجديد في عالمنا المعاصر طارحا عن اسأله : ماذا سيكون رد الحركة السلفية و التقليدية لو ورد هذا الكلام الان على لسان احد المفكرين الجدد ؟ و الاجابة باختصار هو اني ادعوكم لقراءة محاكمة طه حسين تلميذ محمد عبده علي كتابة في الشعر الجاهلي. دعوني اتسال بحرقة  ايضا لماذا تراجع الفكر الاسلامي المعاصر و اندثرت حركة التجديد و التاويل بعد محمد عبده ؟ طبعا الا من ثله بسيطة من المجتهدين التي تقف امام تيار ساحق من اتهامات التكفير و الزندقة يشنها عليه التيار السلفي التقليدي. اخيرا فليسمح لي بالتطاول وسؤال المجتهدين من المذهب الاباضي عن سبب احتكار استخدام اسلوب التاويل المعتزلي عند قضيتي الرؤية و خلق القران فقط و لا يتم توسيعا لتشمل الفهم الكامل للقران. 

في الفصل الاخير من الكتاب ينتقل الكاتب بعد طرح اشكاليات التاويل قديما و حديثا الى طرح رؤية جديدة لفهم القران و تاويله و هو التعامل مع القران كخطاب موجه و لي كنص ديني. و يطرح الكثير من امثلة التي يجدها تتطابق رؤيته من خلال تعدد اصوات الخطاب ، الى الانتقال بين الطبيعية الحوارية مع المشركين الى سجال على حسب اختلاف الموقف المخاطب.  يقرر بعدها ان ابوزيد ان التأويل القراني سيختلف اذا تم التعامل معه علي انه خطاب و ليس نص فاتحا المجال لرؤية تفسيرية جديدة للقران.  اكتفي بهذه النبذه عن الفصل الاخير. 

اخيرا اود ان اشدد انا ما كتبته هنا لا يمثل حتى عشر ما جاء في الكتاب من افكار و رؤى لانه مجال مقال صغير سيكون قاصرا ولا يمكن باي حال من الاحوال ان يغطي موضوعا فكريا شائكا كهذا. علي اني اتمني اني يكون ما كتبه محفزا للبعض للبحث اكثر حول هذا الكتاب و مختلف كتابات الاستاذ نصر حامد ابوزيد. 

في موضوع التقيم وجدت نفسي حائرا فعلى خلاف الرواية يصعب علي ان اقيم بحث فكريا كهذا و لذلك وجدت ان التقيم للكتب غير الادبية يكون ام ان بالتوصية بقراءته او تركه. 
الكتاب يقع في ٢٣٩ صفحة منشور عن المركز الثقافي العربي 
تقيمي الشخصي : انصحكم بقراءته بشدة  
مرت ٣٢ يوما و ٧ كتب ، القادم هو رواية رشحت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية بعنوان الماس و نساء للروائية السورية لينا هويان الحسن.  


ملاحظة : الاخطاء الاملائية الواردة سببها عدم وجود مصصح في البرنامج الذي استخدمه للكتابه و لذلك اطلب العذر مسبقا. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف