قراءة لسيرة حبيبة علي الهنائي “ العائدون حيث الحلم “




انتهيت قبل قليل من السيرة الذاتية للكاتبة و الناشطة الحقوقية العمانية حبيبة علي الهنائي “ العائدون حيث الحلم : مشاهد وذكريات عودة من زنجبار و الجزيرة الخضراء إلى عمان “ التي تغطي فيها الكاتبة حياتها في جزيرة زنجبار تحت حكم الثورة ثم رحلة هروبها و اهلها من زنجبار الى عمان، و علي اولا و قبل التعليق على الكتاب ان اضع ملاحظة سريعة و بسيطة وهي اني اكن كل الاحترام و التقدير للاستاذة حبيبة الهنائية خصوصا لنشاطها الحقوقي و النسوي و ان كنت بالطبع لا اتفق مع كل ما تطرحه ، و لذلك ارجوا ان لا ياخذ اي حديث ساطرحة هنا بشكل سلبي فانا فقط اتحدث عن الكتاب لا للكاتبة و هذا على كل حال لا يعني اني احمل نظرة سلبية كلية عن الكتاب لا بالعكس فالحقيقة اني اعجبت باجزاء كثيرة و ان كانت لي عليها ايضا بعض الملاحظات و هو ما سأطرحة الآن. 

تبدا حبيبة الهنائية سيرتها ذاتية بمقدمة غاية في الروعة عن الحنين للوطن و اهمية العودة ، ثم تضع امام قارائها قواعد ما هو مقبل على قرأته محدده امامه انها ليست في صدد تقديم دراسة او بحث حول الاسباب السياسية او حتي النتائج السياسية لانقلاب او ثورة زنجبار و انما ستطرح قصة انسانية لذلك الحدث الهام و المفصلي في تاريخ الوجود العماني في شرقي افريقيا تقول الكاتبة: 
 “ سيلتقي القارئ عرضا منبعه الوجدان لا أكثر. تاركا عرض التحليلات السياسية لأحداث انقلاب زنجبار في عام ١٩٦٤ و تبعاته للمختصين و الباحثين. هذا الكتاب ، معني بالتحديد برواية الجانب الإنساني لذلك الحدث الفاصل للإنسان العماني ، في تلك البقعة من الأرض ، و في تلك الفترة من التاريخ ، رواية تحاول الأقتراب من روح إنسان ذاك الزمان بكل آلامه و آماله ، التي غفل عنه أغلب الباحثين و الكتاب … “ 
الحقيقية اني سعدت كثيرا بهذا الطرح الذي يستبعد النقاشات و التحليلات السياسية و ادركت انني امام تجربة جديدة لم يطرق بابها احد و هي قصة معاناة الانسان العماني بعد الثورة الزنجبارية غير ان الكاتبة لم تلبث ان تخالف هذا بعض الشيء في الفصلين الأول و الثاني للكتاب حين قدمت موجزا عن الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية للمجتمع الزنجباري بكل طوائفة من العرب و الافارقة و الآسيوين قبل الاحداث. 

باختصار يمكن تقسيم كتاب الكاتبة حبيبة بناء على المواضيع الي قسمين: القسم الأول و يشمل الفصلين الأول و الثاني ، و القسم الثاني و يشمل الفصلين الثالث و الرابع. في القسم الأول من الكتاب تضع الاستاذه حبيبة ـ كما قلت ـ لمحه عن الوجود العماني في تلك الجزيرة  و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية السائدة قبل الانقلاب و هو جزء  بصراحة لم يصلني و لم اتحمس له و على فيه بعض الملاحظات سواء على المنهجية او التفاصيل . اما بالنسبة للمنهجية فالكاتبة اعتمدت في حكايتها فقط الى ما سمعته من شهادات و كل شهادات عمانية ـ و لها بالطبع اجندتها ووجهة نظرها المتحيزة بالطبع فيما حدث ـ كما لم اجد اي مرجع معتمد استخدمته الكاتبه مخالف لوجهة النظر تلك او محايد في توثيق الاوضاع السياسية و الأجتماعية و الاقتصادية في زنجبار. و لذلك جاءت زنجبار في وصف الكاتبة متحيزة بشدة لوجهة النظر العربية فهي جنة من الحرية و الصحة و التعليم و الكل فيها يعيش برخاء و غنى و كما تتسم بالألفة و التعايش السلمي و هذا و ان كان صحيحا في الظهار فقد كان حقيقة يعيش فيها العمانين و العرب فقط الذين استحذوا على مساحات هائلة من الاراضي الزراعية و لم يكن صحيح بالنسبة للافارقة الذين استرقوا لعشرات السنين ، ثم عاشوا حياة من الحرمان من التعليم و الصحة و الوظائف الحكومية فالاحصائيات تقول مثلا ان ١٢٪ من طلاب المدارس كانوا من السود. و كذلك الحال بالنسبة للاوضاع السياسية التي كانت تعيشها البلد ، فالبلد بالطبع لم تكن مستقرة فقد شهدت انتخابات فاز بها حزب حرم من الحكم ، و على كل حال هناك الكثير مما يمكن ان يقال  في هذا الصدد و عن الوجود العماني أو الاستعمار العماني لشرق افريقيا و الاخطاء و حتى الجرائم التي ارتبكوها هناك لعشرات السنين و هي التي اعتقد ـ و الأمر بالطبع يحتاج الى دراسة ـ الذي سبب مع عوامل اخرى بالطبع ذلك الانفجار . على ان هذا بالتأكيد لا يبرر بأي حال من الأحوال ايضا الجرائم التي ارتكبها نظام الثورة او الانقلاب و كان الاصوب من وجهة نظري كقارئ بسيط للكاتبة اذا كانت راغبة في العزوف عن الحديث السياسي كما تقول في المقدمة ان تركز على المأساة الانسانية اكثر او ان تتطرح وجهة النظر المختلفة لما حدث و الاسباب التي ادت الى تلك المأساه الانسانية التي يستحق ان تطالب السلطنة اليوم زنجبار و تنزانيا باعتذار على ارتكابها كما تطال هي ايضا بالاعتذار على الاستعمار و الاستغلال للتلك البلاد و اهلها.  

انتقل الآن الى الفصلين الثالث و الرابع من الكتاب التي كانت الاقرب الى قلبي ، و التي غطت حياة الكاتبة منذ ولادتها بعد عام من الانقلاب و عائلتها في ظل النظام الجديد و من ثم ورحلة الهروب ، و من خلالها ضعت الكاتبة المجهر على معاناة العرب و العمانين بعد الثورة أو الانقلاب سمها ما شئت. تشرح الكاتبة في هذا الفصل المعاناه اليومية للعوائل العربية بعد الانقلاب من اعتقالات و تعذيب و قتل و تسريح من العمل و مجاعة و حتى الاغتصاب و الاختطاف. كما ترصد اوضاع البلد الجديدة بعد الاحداث. 

تولد حبيبة لام مدرسة و اب يعمل في احدى الدوائر الحكومية بعد عام من الانقلاب و في مشهد انساني  حزين يصادف لحظة ميلادها العسير زيارة يقوم بها جون احد قواد الانقلاب الذي ارتكب الكثير من المجازر للجزيرة التي تقطنها العائلة. تعيش العائلة حياة صعبة في زنجبار الا ان تبلغ حبيبة الخامسة من العمر حين يطلب موظفين حكومين من العائلة تسليم البنت الصغيرة للتدريب لتعمل موسيقية في الفرقة العسكرية. حينها يقرر ابوها تنفيذ خطة للهروب من الجزيرة و العودة الى عمان و يقرر اخذها و اخوها الاصغر معه ثم يعود لأخذ باقي العائلة فقد كانت الام في اخر اشهر الحمل . تنقسم العائلة و تبدأ رحلة شاقة و خطرة في البحر الذي اصبح في كثير من احيان مقبرة للفارين من الجزيرة الى البر التنزاني تذكر اليوم برحلات و معاناة الاجئين السورين،  تستمرت الرحلة ١٧ ساعة حتى يوصلوا الى البر التنزاني لتبدأ بعدها حياة الاختباء و النتقل و المطاردة بين المناطق المختلفة. كما قلت هذا القسم هو افضل ما في الكتاب و قراءته بالحق كانت تجربة صعبة حيث نجحت الكاتبة في نقل الصورة المأساوية لحياة العمانيين في تلك الأوقات العصيبة. 

اخيرا لدي بعض الملاحظات على اللغة و الاسلوب غير ان الكاتبة ليست ادبية او روائية و لذلك لا يمكن وضعها تحت نفس المعايير . بالاضافه الى ذكرها الكثير من الاسماء و العلاقات العائلية التي شتتني بعض الشيء و لكن ربما كان هذا خطئي الشخصي . في النهاية ، يحسب للكاتبة رصدها لأول مره للطابع الانساني لواحدة من اكثر المأسي المسكوت عنها سواء في عمان او العالم و ابراز الوجهه الانساني لاحداث بعيدا عن تشدقات البعض حول العظمة العمانية و الجنة المسلوبة و الامبراطورية ، انها فقط رواية الانسان الذي ظلم و قاسى امر انواع العذاب لذنب ربما ارتكبه غيره.  
الكتاب بين يدي هو الطبعة الأولى ٢٠١٣ و منشور عن مؤسسة الانتشار العربي . تقع الرواية ١٠٨ صفحات. 
تقيمي الشخصي: ٦/١٠ 

مر ١٣١ يوميا و ٢٨ كتابا ، الكتاب القادم هي مجموعة قصصية لصاحب رائعة رجال في الشمس غسان كنفاني بعنوان القميص المسروق.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف