قراءة لرواية تمر الاصابع للكاتب العراقي محسن الرملي
مرة اخرى اجد نفسي امام رواية من روايات القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام ٢٠١٠ تتقدم بمراحل كثيرة علي كثير من الروايات التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة في اعوام اخرى ، و للاسف فان كوني لم اقرأ اي من الروايات التي وصلت للقائمة القصيرة لذلك العام يمنعني بطبيعة الحال من تقديم حكم حول ما كانت الرواية تستحق الوصول الي القائمة القصيرة ام لا لذلك العام على ان ما استطيع ان اقوله بتاكيد و براحة ضمير ان الرواية لو نشرت في عام اخر لاستحقت الوصول للقائمة القصيرة بكل جدارة الامر الذي يجعلني اتوقع مرة اخرى ان القائمة القصيرة لذلك العام يجب ان تكون افضل القوائم القصيرة لهذه الجائزة منذ انطلاقها و حتى الان.
على كل حال و بعيدا عن مجال الجوائز و الالقاب و بغض النظر عن كل القوائم ، فاني اعتقد ان هذه الرواية الرائعة و الراقية و الرقيقة و الواقعية و الصادقة التي سيطرت على افكاري خلال الايام السابقة و حركت مشاعري مع شخوصها المركبة و المعقدة و الحقيقية في آن معا نجحت نجاح هائل في تقديم قصة انسانية عاطفية عن شعب جريح و عن شاب حزين يحاول فهم و توثيق علاقته بابية بعد عشر سنوات من الفراق هذا بالاضافة الى طرحها الكثير من الاسئلة حول مفاهيم الاغتراب ، الابوه ، الوطن و الحرية ، الظلم و الطغيان و حتى الانتقام و العدالة .
تدور احداث الرواية حول شاب عراقي في بداية الثلاثين يلتقي بابية صدفة في احدى بارات مدريد بعد عشرة سنوات من هروبة من العراق و انقطاع اخبار اهله في العراق عنه. يبدا الشاب المدعو سليم - الذي هاله مشاهدته لابيه في مدريد كما هاله منظر ابيه المتدين و المحافظ وقد اطال شعره و صبغ بعض خصله بالوان فاقعه و هو يشرب الخمر و يحتضن و يداعب النساء في البار - في البحث عن الحقيقة التي اصلت ابيه الى هذا المكان و الاسباب وراء هذا التغير الكبير في شخصيته التي لا يكاد يعرفها. يستدعي في بحثه عن ابيه تاريخ العائلة الحزين في العراق و ينتقل بنا بطريقة سلسة بين الماضي أليم في عراق “ الطاغية “ ـ كما يقول الكاتب - و الحاضر الغريب ليحاول فهم و تشكيل صورة حقيقة عن هذا الرجل الصارخ في التناقض و التعقيد الذي لا يكاد يعرفه.
يقدم لنا الكاتب من خلال ماضي العائلة صورة للواقع المرير الذي عاشه الشعب العراقي في عصر نظام صدام حسين بين ظلم المتنفذين الفساديين الذين اذلوا و اهانوا المواطن العراقي و بين الحروب التي ورطوا بها مع ايران و الكويت و راح شبابه ضحايا لها. بالاضافة الي ذلك يقدم لنا الروائي صورة لحالة المهاجر الشرقي الموزع بين ماضية التقليدي المحافظ و بين حاضرة في الغرب و محاولته التأقلم معه و هو المختلف عنه ثقافيا و منظوميا و اخلاقيا. بالاضافة الى ذلك فأنه ـ كما اسلفت ـ يطرح اسئلة حول مفاهيم و حقيقة الوطن و المهجر حيث يقول في مشهد من اكثر مشاهد الرواية جمالا و الذي يشهد حوارا حاد بين الاب و ابنه حين يجد اول ان الاخير قد ملأ شقته بصور العراق :
“ ما هذا يا سليم ؟؟! … كنت اظن بأنك اعقل من هذا … و ألا تقع في الحنين المرضي الذي يقع في جل المغتربين حين يصورون لأنفسهم بأن كل شيء جميل في بلادهم التي غادروها … بما في ذلك الخرائب و المزابل ..
قلت: انه وطننا يا أبي … انه وطني .
… : لا ان وطننا الحقيقي هو الذي نصوغه نحن بأنفسنا كما نريد … لا كما صاغه غيرنا ، كما فعل الطاغية … إنه على هذا النحو ليس الوطن الذي نريده … و لهذا هجرناه. الوطن مثل الحب يكون اختيارا و ليس فرضا … و اذا كان لا بد لك ان تضع صورا للوطن فضع تلك التي تريدها أنت أو حتى التي تصوغها بنفسك انت … لا .. لا “ .
بالنسبة للغة و الاسلوب ، فقد كتبت الرواية بلغة سلسة و جد جميلة من نوع الكتابة السهلة الممتنعه و باسلوب “ انا “ و على لسان بطلها سليم الشاب و قد تعجبت و انا اقرا من قدرت كاتب على الكتابة باسلوب شاب في مقتبل العمر فلا تشعرك الرواية باي انفصال عن شخصية بطلها وطبيعته فاللغة في الرواية جزء مهم صورة بطلها الشاب و تشعرك وانت تقرأ بانك تقرأ سيرة ذاتية كتابها شاب و شاعر عراقي وليس رواية مختلقة ، الامر الذي الذي يأكد عبقرية هذا الروائي الجميل و تمكنه من ادواته اللغوية.
اخيرا ، لا بد لي من التعريج على نهاية الرواية وهي نهاية جدا رائعة كما انها غير متوقعه و غير تقليدية فالرغم ان الرواية تظهر وانها تتجه باتجاه حل معين و مرضي ربما للقارئ الا انها في النهاية و في اخر سطر منها تنقلب على القارئ و تصيبه بصدمة كبيرة غير متوقعه ، اكتفي بهذا القول فقط لتنبيه على كل من سيقرائها ان يكملها حتى اخر سطر و لا يستعجل ابغلاق الرواية مع الفصل الاخير.
الرواية بين يدي هي الطبعة الاولى ٢٠٠٩ و منشوره عن الدار العربية للعلوم ناشرون و تقع ١٦٦ صفحة.
تقيمي الشخصي : ٨.٥ /١٠
مرت ١١٥ يوما و ٢٤ كتابا ، القادم هو القادم هو رواية صنفت ضمن افضل مائة رواية عربية بعنوان “ موسم الهجرة الى الشمال “ للكاتب السوداني الكبير الطيب صالح.
حمود السعدي
لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi
تعليقات
إرسال تعليق