قراءة للمجموعة القصصية ماتي تونغ للقاص العماني حمود الشكيلي





" لا تقلق و لا تخف ، نحن نحب مصلحتك كثيرا ، وقت التوقف عن ابتداع القصص قد حان، جئتك ناصحا، ارجوك دع عنك القصص حتى لا تجوع، قرأناك كثيرا، أوجعتنا كتاباتك، خيال الفن الأدبي تسريب القصة رمزا، الذكي اليوم لا يكتب ما يمس المجتمع، الأوطان تغلي، نحن في زمن العمل، زمن الكتابة ولى، وعموما مازلنا نحبك … فقط أطلب منك أخذ القلم، وقع لي هنا على هذه الورقة … " 

لقد كانت المجموعة القصصية " النهاية ليست مفتوحة " للقاص العماني حمود حمد الشكيلي - قبل سبع سنوات تقريبا -مدخلي الأول لعالم القصة القصيرة حيث أهداني إياها شخص عزيز ونصحني بقراءتها. ولم تكن نصيحته مخيبة للآمال فقد فتحت تلك المجموعة أمامي عالما جميلا كنت قد حرمت نفسي منه فقرأت كثيرا في هذا الفن القصصي منذ تلك المجموعة  ثم اكتشفت بعد حين وعلى النقيض من نظرتي السلبية المسبقة أنه ليس فنا سهلا، بل هو من أصعب الفنون الأدبية إذ أنه يتطلب من القاص أن يجمع في سطور قصيرة موجزة بين قصة جذابة وممتعة وموضوع مثير ومهم. و لهذا فقد كنت متحمسا جدا و أن اهم بقراءة هذة المجموعة القصصية و التي أثارت الكثير من الجدل في مواقع التواصل الإجتماعي عند اصدارها و لكنه جدل اثير للأسف للأسباب الخاطئة ، ففي مجتمع يهتم بالثقافة حقا ستكون قصة " حبوه " و هي قصة كتبت بالكامل بالعامية مثار الجدل الحقيقي و محل النقاش و ليس عنوان الكتاب و ما يعنيه في إحدى اللهجات الدارجة.   

في مجموعته القصصية "ماتي تونغ "  ـ وهو فنان تشكيلي تايلندي ـ يقدم لنا الشكيلي مجموعة قصصية جميلة ومتنوعة سواء في الأسلوب السردي أو في المواضيع التي طرحها، وتتكون  المجموعة من ثلاثة عشر قصة تترواح في حجمها بين القصيرة التي لا تتجاوز الصفحتين والطويلة التي تتعدى الخمسة عشر صفحة، والقصص بالترتيب هي: قصة الحدث كاملة، لأني لست هنا، التيس، وشجرة هناك واقفة، سجادة للقبر، ما لم يكتب في دفتر يوميات امرأة لا أعرف اسمها، ماتي تونغ، أخ غير شقيق للقطط، حفر القصة الناقصة، الحبوه، أصابع، الأخضر بن الربع الخالي، كلاب . 

كما أسلفت تتعدد المواضيع التي تطرحها المجموعة القصصية فتنقسم بين النقد السياسي والاجتماعي الساخر أحيانا والمؤلم أحيانا أخرى، كما في قصص: لأني لست هنا، وشجرة هناك واقفة، وما لم يكتب في دفتر يوميات امرأة لا أعرف اسمها، وأخ غير شقيق للقطط، وكلاب. وبين قصص ذات طابع فلسفي صوفي بالغ فالرمزية، كما في القصص: سجادة للقبر، وماتي تونغ، وحفر القصة الناقصة. إلا أن القصص تجتمع تقريبا في التركيز على الفقراء والمعدميين والمحروميين والمنسسين في مجتمعاتنا فهم أبطال أغلب القصص وعلى الأقل هم أبطال الأفضل منها . على المستوى السردي فتتنوع الأساليب التي يكتب بها الشكيلي، وإن غلب عليها التجريب والرمزية و شيء من الغرائبية ولذلك فإنها تحتاج إلى نفس طويل وتأنٍ من القارئ لفك رموزها وفهم مقاصدها. 

شخصيا كانت قصة " لأني لست هنا " بالنسبة لي أفضل ما في المجموعة، وهي تحكي عن التقاطع في شعور غربة بين عامل نظافة يعمل في إحدى الشواطئ وغربة المثقف - العماني - داخل وطن يرفض الاستماع الى صوته. تليها قصة "ما لم يكتب في دفتر يوميات امرأة لا أعرف اسمها" وهي قصة رائعة تنقل حكاية من مجتمعنا لمرأة معدمة تضطر للبيع في بسطة لإعالة نفسها وابنها العاطل، يعطي فيها الشكيلي صوتا لتلك النساء الكثيرات التي نراهن يتحركن بين السيارات في محطات الوقود ويرفض البعض منا في احيان كثيره مجرد إنزال زجاج النافذة للحديث معهن. على الجانب الآخر لم تعجبني ولم تصلني بعض القصص خصوصا قصتي التيس وأصابع اللتان كانتا بالتأكيد دون مستوى البقية .

على أن أكثر ما اعترض عليه في المجموعة هو اختيار الشكيلي للكتابة باللهجة العامية في قصة " حبوه " وهي حكاية تعيدنا بأسلوبها إلى حكايات الجدات التي يتقاطع في الغالب الواقع مع الأسطورة إلا أن الشكيلي وفي خيار غريب فنيا اختار أن يكتبها بالكامل بالعامية وهو اختيار فني وإن كان من حق الكاتب، إلا أنه كان حقا مثيرا للتساؤل فما الذي أراده الكاتب من استخدام العامية؟ هل لإعطائها ـ اي قصة ـ شيئا من الأصالة - authenticity - والواقعية ؟ هل هي محاولة من المحاولات المنتشرة في عالمنا العربي لدمج العامية في واقعنا الثقافي وإدخالها للأدب المكتوب ؟ هل أراد إيصال اللهجة العمانية للجمهور الواسع في الوطن العربي؟ أم أنني هنا أحمل الموضوع أكبر من قدرة ؟ أسئلة أتركها مفتوحة لمن سيقرأ المجموعة على أن الأكيد من وجهة نظري البسيطة أن استخدام اللغة العامية لم يقدم الكثير للقصة لا فنيا ولا موضوعيا بل حرمها من التدفق كما أني وأنا أقرؤها واجهتني ـ و انا العماني ـ صعوبة في قراءتها فاضطررت لاستخدام الهوامش ثم أصابني شعور أن الكاتب يبالغ في بحث وتضمين أكثر الألفاظ العامية غرابة.

ختاما ، قدم لنا الشكيلي في مجموعة القصصية ماتي تونغ قصصا تتعددت مستوياتها بين الرائعة وبين الجيدة المثيرة للجدل والنقاش الحاد ربما، وهو جدل - وإن كنت في الجانب الآخر منه - محمود سيساهم في إثراء المشهد الثقافي العماني فشكرا له.    

تقع المجموعة القصصية في ١٠١ صفحة، الطبعة الأولى ٢٠١٩ عن دار عرب للنشر و الترجمة. 
تقيمي الشخصي: ٧ /١٠
القادم كتاب فلسفة الوجودية لدكتورة آمال مبروك 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف