قراءة لرواية الشيخ و البحر لإرنست همنغواي



" أيتها العذراء المباركة، صلي من أجل موت السمكة، على الرغم من أنها رائعة "

" كان الشيخ دائما يعتبر البحر بمثابة امرأة تمن أحيانا بعطايا عظيمة، أو تبخل بها في أحيان أخرى، وإذا ما فعلت أشياء شريرة أو غريبة فلأنها لم يكن في وسعها أن تفعل غير ذلك. فالقمر يؤثر في البحر كما يؤثر في المرأة، هكذا فكر الشيخ  في نفسه" 

هذه هي الرواية الأولى التي أقرؤها للروائي الأمريكي الشهير إرنست  همنغواي، وهي أشهر رواياته على الإطلاق إذ فازت بجائزة البوليتز برايز، كما أنها ضمنت في خطاب لجنة جائزة نوبل حين منحت الجائزة عن فئة الأدب للكاتب في عام ١٩٥٤. يتناول الهمنغواي في رائعته الأدبية -التي كتبها في الخمسينات من عمره- موضوع الشيخوخة والمواجهة مع الزمن ومحاولة مقاومة التغيرات التي يحملها تقدم العمر، كما يطرح فيها أيضا رؤيته حول الصراع الأبدي بين الإنسان والطبيعة هذا بالإضافة إلى طرحه أسئلة حول القيم الإنسانية الكبرى كالشجاعة والصبر والاعتداد بالنفس والتحلي بالأمل دائما وهي ثيمات اشتهر همنغواي بتناولها. 

تدور أحداث الرواية حول شيخ كوبي يدعى سنتياغو وهو صياد ماهر، إلا أنه ومع تقدم العمر بدأ يفقد مهارته و قدرته على الصيد، غير أنه يرفض الاعتراف بالواقع فيحاول أن يثبت لنفسه ولصديقة الشاب ـ الذي يعتني به ـ أنه ما زال محافظا على قوته وقدرته. تبدأ أحداث الرواية في اليوم الرابع والثمانين الذي مر على الصياد دون أن يصداد شيئا، الأمر الذي يجعله محل تهكم وسخرية من الصيادين كما يدفع والدا صديقة الصغير إلى منعه من مرافقته لاعتقداهم أن النحس قد أصابه. يعرفنا في البداية همنغوي سريعا على تفاصيل حياة الشيخ اليومية التي اصابتها الرتابة وملأتها الوحدة والضعف، نبدأ بعدها اليوم الخامس والثمانون الذي يقدر سنتياغو أن لابد له فيه من صيد يعوض النحس الذي أصابه ويخرس به المستهزئين. خلال الثلاث الأيام القادمة نعيش مع سنتياغو الصراع الذي سيعيشه مع سمكة مارلين ضخمة ستأخذه معها إلى عرض البحر.  

 كما أسلفت تشكل فكرة الشيخوخة ومحاولة مقاومة عوامل الزمن العمود الفقري لبناء الرواية كما يوظف همنغواي  التقاطع بين شخصية الشيخ والشاب الذي يعتني به ليستدعي المفارقة بينهما وهو ما يستشعر به سنتياغو الذي يرى في الصغير شبابه وقوته وعنفوانه القديم الذي يسعى للمحافظة عليه ويستدعي همنغواي هذه الفكرة  دائما بالإستجداء الذي ينطق به البطل خلال الرواية عندما تخذله القوة في مواجهة سمكة المارلين والقرش حين يتمنى دائما وجود الشاب الصغير الذي يعتني به معه في القارب ليساعده  " لو كان الصبي هنا، لو كان الصبي هنا " . 

يقدم لنا همنغواي في روايته القصيرة التي اعتمد فيها على البساطة في اللغة والتراكيب مع الكثافة والرمزية ملحمة إنسانية جميلة ورقيقة حول صراع الإنسان مع الطبيعة يأكد من خلالها في النهاية بأن الإصرار والعزيمة وقوة الأمل في مواجهة اليأس والخيبة، وقيم الشجاعة والإقدام في مواجهة قوة الطبيعة و ضعف الإنسان أمر لا يختص به جيل أو عمر أو جنس أو منزلة فهي قيم وسمات تتعالى على كل تلك التفاصيل.  

في الختام، علي التعريج سريعا على ترجمة الرواية للدكتور علي القاسمي وهي ترجمة جميلة وجزلة جعلتني في كثير من اللحظات أنسى أن ما أقرؤه هو ترجمة وليست اللغة الأصيلة التي كتبت بها الرواية. 
  
الرواية نشرت لأول مرة بلغتها الأصيلة في ١٩٥٢،  بين يدي هي الطبعة الأولى  ٢٠١٦ لترجمة الدكتور علي القاسمي ومنشورة عن المركز الثقافي العربي، يقع الكتاب مع الملاحق في ١٨٩ صفحة.  
تقيمي الشخصي : ٨.٥/١٠

القادم المجموعة القصصية ماتي تونغ للقاص العماني حمود الشكيلي. 

حمود السعدي 


لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف