قراءة لرواية "موت عباءة" لخيري شلبي
هذه بحق واحدة من أجمل ما كُتب في
الأدب العربي؛ مرثية ساخرة لزمن مضى، وزمن آخر تشوّهت فيه الملامح، وتحولت فيه
المجتمعات – في مصر، وللأسف في معظم أرجاء العالم العربي – من الحلم والحرية
والقيادة إلى الشقاء والفساد وعبودية مطلقة للسلطة والمال. كيف يمكن لرواية لا
تتجاوز المائة صفحة أن تحمل بين أوراقها هذا الكم الهائل من الألم، والوجع،
والخيبة؟ وكيف لها، من خلال حكاية أسرة واحدة، أن تختصر بكل سلاسة نتائج عصر
"السلام" والانفتاح الاقتصادي في عهد السادات؟!
تحكي الرواية قصة أسرة ريفية مصرية
تتفكك بعد وفاة كبيرها، حين تنشب الخلافات حول إرث غير عادي: عباءة والدهم، التي
كانت لسنوات رمزًا للمكانة والوقار بين أهل القرية. تبدأ الرواية بسلسلة من
الحكايات الساخرة عن قيمة العباءة في الريف المصري، ليطل من خلالها شلبي على عالم
الريف بكل ما فيه من جهل ونفاق وظلم اجتماعي. ثم تتكشف في الفصول التالية مأساة
العائلة التي يشتتها فساد الدولة والانفتاح الزائف، فتتوزع بين الخليج والعراق، في
رحلة مليئة بالمرارة والانكسار.
العباءة هنا ليست مجرد قطعة قماش، بل
رمز لوطن كامل؛ لمصر الثورة والحرية، لمصر الثقافة والفن والقيادة. تلك التي كانت،
في عزها الناصري، مركزًا للعالم العربي، وقلبًا نابضًا لحركات التحرر. مصر التي
حاربت الاستعمار في شمال أفريقيا، وحرّرت الجزائر، وساندت المغرب وتونس، وأعادت
ثروات الخليج لأهله. ثم جاءت التحولات، لتفقد البلاد – كما فقدت العباءة – قيمتها
ومكانتها، وتُختزل عظمتها في رمزية ضائعة.
على الجانب الشخصي، بعثت الرواية في
نفسي كثيرًا من الهواجس؛ عن الإخوة الذين توزّعوا في أعمالهم، وانطلقوا في عوالمهم
الخاصة، حتى صار لقاء الجمعة لا يجمع الكل، وصارت الأعياد الأمل في لحظات لقاء،
واجتماع، واسترداد للذكريات. وعن الأبناء وأبناء الإخوة، وما يواجههم في عالم الغد
المملوء بالتحديات؛ من مشكلات البلاد الاقتصادية، إلى التطورات الهائلة في عالم
التكنولوجيا، إلى الحروب والصراعات المتربصة.
ورغم الزخم السياسي والاجتماعي، لم
تتخلَّ الرواية عن فنيتها. فشخصياتها مرسومة بدقة، تنبض بالحياة، وحواراتها ساخرة
ذكية، ولغتها سهلة دون أن تفقد عمقها. . موت عباءة ليست رواية تُروى فقط، بل
تُحكى وتتكلم
تقيمي الشخصي:10/10
بين يدي الطبعة الأولى لدار الشروق
2015 ، نشرت الرواية لأول مره عام 1993. تقع الرواية في 94 صفحة.
تعليقات
إرسال تعليق