قراءة لرواية فكتوريا لكنوت هامسون

 


هذه تجربتي الأولى مع الروائي النرويجي المثير للجدل والحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1920، كنوت هامسون. ويمكنني القول بثقة إن هذه التجربة لن تكون الأخيرة. فعلى الرغم من بساطة حبكة رواية فكتوريا وتكرارها الظاهري في الأدب الرومانسي، إلا أن الطريقة التي صيغت بها تحمل طابعًا فريدًا من الإحساس المرهف واللغة الشاعرية التي تجعل القارئ ينجذب إلى النص ويظل أسيرًا له حتى الصفحة الأخيرة. يمتلك هامسون قدرة نادرة على النفاذ إلى أعماق النفس البشرية وتصوير الانفعالات الدقيقة بلغة تتسم بالعذوبة والصدق، وهو ما يمنح روايته صفة البقاء في الذاكرة ويحفّز القارئ على استكشاف مزيد من أعماله .

تدور أحداث الرواية حول قصة حب مستحيلة بين "يوحنا"، ابن الطحّان الفقير، و"فكتوريا"، ابنة مالك الأراضي الثري. ينشأ الحب بينهما منذ الصغر، لكن الحواجز الطبقية تحول دون اكتماله. فعلى الرغم من أن فكتوريا تبادل يوحنا المشاعر ذاتها ، إلا أنها ترضخ لضغوط طبقتها الاجتماعية، وتختار الارتباط بضابط ثري تأمل عائلتها أن يكون مخرجًا من أزمتها المالية المتفاقمة. يقرر يوحنا الابتعاد حيث يشق طريقه في عالم الأدب ويحقق شهرة ومكانة عالية ، بينما تتوالى خيبات فكتوريا، خصوصًا بعد مقتل الضابط وفشل العائلة في استعادة مجدها المندثر .

على ان رواية  فكتوريا ليست مجرد قصة حب خائبة. فالرواية تعكس التحولات العميقة التي عصفت بالمجتمع الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث بدأت الطبقة الأرستقراطية تتراجع أمام صعود طبقات جديدة تستند إلى العمل والموهبة لا النسب والثروة. يوحنا، الكاتب العصامي، يمثل هذا التبدّل الاجتماعي، بينما ترمز فكتوريا إلى أرستقراطية ترفض التنازل عن أوهامها الطبقية حتى على حساب سعادتها الشخصية.

يميل هامسون في سرده إلى السهولة اللغوية البعيدة عن التكلف ، ويغلف روايته بجو من الحزن الجميل والتأمل الهادئ في تناقضات الحب والقدر والمجتمع. وربما ما يجعل الرواية مؤثرة بشكل خاص هو أنها لا تندفع خلف الميلودراما، بل في شعور صادق يجعلك تتأمل في معنى الحب الذي لا تتحقق له الحياة، لكنه لا يموت في الذاكرة.

الرواية نشرت لأول مره بلغتها الاصلية عام 1898م ، بين يدي الطبعة الأولى لدار المدى 2013م ، ترجمها عن الفرنسية د. خالد قلعي. تقع الرواية في 152 صفحة.  

تقيمي الشخصي: 8/10.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم