قراءة لكتاب النقد الحضاري للمجتمع العربي في نهاية القرن العشرين لهشام شرابي


 

يقدّم المفكّر الفلسطيني هشام شرابي في كتابه دراسة شاملة ومختصرة تجمع بين التحليل النقدي والمعالجة البانورامية للأزمة الحضارية والثقافية التي يعيشها كل من المثقفين والشعوب العربية على حد سواء. أزمة انعكست بنهاية القرن العشرين على واقع المجتمعات العربية، التي وجدت نفسها وقد وصلت إلى طريق مسدود، وأصبحت على هامش التاريخ الحديث، ترزح تحت وطأة السلطة القمعية وانسداد الأفق وفقدان الأمل في المستقبل.

يخلص شرابي إلى أن الحركة النقدية العربية الحديثة، التي بدأت في أوائل السبعينيات، والتي تمثّلت فيما يُعرف بمثقفي الفكر الاشتراكي العلماني النقدي، هي الأمل في تجاوز هذا الانسداد الحضاري. ويرى أن هذه الحركة الثقافية تواجه أربعة تحديات رئيسية: هيمنة مفاهيم الحداثة الغربية وما بعد الحداثة على أدوات ومفردات الخطاب النقدي العربي ، الصعود الطاغي للقوى الأصولية التي لجأت إلى تكريس الغيبيات الدينية، والعودة إلى الماضي لا بقصد البناء، بل كوسيلة للهروب من الواقع الراهن، وهو ما لاقى قبولًا واسعًا في أوساط الجماهير العربية، انفصال المثقف عن واقع الجماهير، وانشغاله بإشكاليات نخبوية لا تمس التحديات اليومية للمواطن العرب ، وأخيرا هيمنة البنية الأبوية في المجتمع العربي المعاصر، وهي ليست فقط سلطة الأب البيولوجية، بل تشمل التبعية للمعلم، ورب العمل، وأخيرًا السلطة السياسية، بما يجعل من هذه السلطة هرمًا مترابطًا من الاستبداد.

في الفصل الأول، يتناول شرابي لغة النقد الحضاري التي ينبغي أن يتبنّاها الفكر الاشتراكي النقدي، معتبرًا أنها يجب أن تتحرر من قيود اللغة العربية الكلاسيكية الجامدة، والتي عجزت – حتى مع الترجمة – عن مواكبة المفاهيم الحديثة للنقد العلمي. ويخلص إلى أن النص النقدي العربي لا ينبغي أن يكتفي بطرح بدائل للبُنى التقليدية والأبوية، بل يجب أن يعمل على تهيئة الأرضية الفكرية والاجتماعية اللازمة لبناء بنى جديدة، وذلك من خلال استراتيجية فكرية دقيقة تتجاوز الترجمة السطحية للمفاهيم الغربية.

أما الفصل الثاني، فيعالج مساءلة المفاهيم والأدوات الغربية في النقد الحديث، منطلقًا من غياب الحياد والموضوعية في الدراسات الإنسانية الغربية، وسيطرة النزعة الإيديولوجية عليها. ويستشهد بعدد من الأمثلة، منها النزعات الاستشراقية أو الليبرالية أو التقليدية لدى مفكرين غربيين مثل أندريه سيرفيه، وكارلتون كون، وبرنارد لويس، الذين ساهمت مفاهيمهم في تشكيل أدوات الفكر النقدي العربي.

ثم ينتقل شرابي إلى تحليل الكتابات النقدية لمجموعة من المفكرين العرب من خلال اثني عشر نموذجًا، تتنوّع مقارباتهم بين الراديكالية العلمانية كأدونيس والعروي، أو القراءة العلمية الحديثة كأركون ومحمد عابد الجابري، أو إحياء التراث كوسيلة لبناء المستقبل كـهشام جعيط، أو المقاربات الماركسية والإسلامية والغربية كما في كتابات طيب تيزيني وحسين مروة. كما يناقش قضايا المرأة من خلال أطروحات نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي. ويخلص شرابي إلى أن المشكلة الرئيسة التي واجهت الحركة النقدية العربية، رغم بعض إنجازاتها، هي استمرار ارتباطها بـ"أزياء" الفكر الغربي، وعجزها عن تحقيق استقلالها الذاتي، وبلورة مسار فكري عربي أصيل ينقد الأدوات الغربية ويختار منها ما يتناسب مع الواقع العربي.

أما الفصل الأخير، فيتناول إشكاليات الحداثة وما بعد الحداثة في مقابل جمود الفكر العربي داخل البنية الأبوية، ويدعو شرابي فيه إلى  التحرر أولًا من سلطة اللغة، ثم إلى مواءمة مفاهيم الحداثة – مع نقدها – لتقديم رؤية جديدة لمستقبل العالم العربي.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم