قراءة لرواية تغريبة القافر لزهران القاسمي



يقدّم زهران القاسمي في روايته الجميلة تغريبة القافر رسالة عرفان وامتنان لأجيال العُمانيين الذين صنعوا، بعرقهم وجهدهم المضني، وفي رحلة من الشقاء والعمل والموت، واحدة من أعاجيب الأرض ومعجزاتها الفريدة : وهي الأفلاج. هذه الأعجوبة التي حفرتها يد الإنسان العُماني في أعماق الجبال القاسية بحثًا عن الحياة، يقدمها القاسمي للقارئ – خصوصًا العُماني – بوصفها ملحمة من الجهد والمعاناة والمخاطر التي كانت كثيرًا ما تنتهي   بالموت.

تدور أحداث الرواية  ، التي لا يحدد القاسمي زمانها ومكانها ، حول "سالم بن عبدالله"، الذي يولد في لحظة موت مفجعة، حين تُنتشل والدته الغريقة من بئر، ويُكتشف أن الجنين في بطنها ما يزال حيًا. وفي خضم الجدال حول مصيره، تبادر خالة الغريقة إلى شق بطن الأم وإخراجه، لتبدأ بذلك حياة سالم الموصولة بالماء، والمشدودة لصوته، والمكرسة للبحث عنه. يكبر سالم وسط نظرات الشك والريبة من أهل الحارة بسبب مولده و تصرفاته الغريبة، ليصبح لاحقًا أشهر "قافر" للماء في أرض يفتك بها الجفاف. يتنقل السرد بين الواقع والأسطورة، كاشفًا عن الموروث الأسطوري الذي صبغ  الشخصية العُمانية، لكنه يفعل ذلك عبر شخصياته المحورية ليحكي من خلالهما حكاية الشقاء، والظلم القروي، والحب، وتقلبات المصير.

كتبت الرواية بلغة شاعرية آسرة، تنبض بالإحساس والتصوير الدقيق، حيث يتفنن القاسمي في رسم المكان بحواسه، حتى يكاد القارئ يتحرك مع الشخوص فيشم رائحة الأشجار، ويشعر ببرودة الظلال، ويتنفس رطوبة الأفلاج وغبار الجبال، ويتحرك في البيت العُماني، فينبعث من جنابته عبق اللبان وتفاصيل الملابس والمأكل. كما بُنيت الشخصيات بحرفية عالية، فجاءت حية، متماسكة، ذات أبعاد متكاملة، يتحرك حاضرها بفعل ماضيها، وتصدر قراراتها من منطق سردي دقيق.

ومع كل هذا، لم تخلُ الرواية من بعض المآخذ، أبرزها الحشو والسرد الجانبي الذي لا يخدم تطور الحبكة، مثل متابعة  قصة آسيا وزوجها، وبعض حكايات أهل الحارة، التي استُحضرت غالبًا لعرض جوانب من الفلكلور العُماني، لكنها جاءت بشخصيات – باستثناء آسيا -  نمطية مليئة بالكليشيهات. حيث تمنيت في تلك المقاطع لو عاد بنا القاسمي إلى عمق الأفلاج، وإلى كاذية و الوعوري وإلى سالم، ونصرا.

 
على أن هذا لا يقلل من قيمة الرواية والجهد البحثي الكبير الذي بذله الكاتب في دراسة "الأفلاج"، وتقديم تفاصيلها التقنية بدقة، دون أن تبدو مقحمة،  بل جاءت منسجمة تمامًا مع السياق السردي العام، في تناغم مدهش بين المعرفة والفن . 
تجدر الاشارة الى ان رواية تغريبة القافر هي اول رواية عمانية تفوز بجائزة البوكرالعربية .  

تقيمي الشخصي:8/10

بين يدي الطبعة الأولى للرواية 2022 م  منشورة عن داري مسكلياني و رشم ، تقع الرواية في 228 صفحة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم