قراءة لرواية الزمن الموحش للأديب السوري حيدر حيدر

 


 

لعلي لا أبالغ إن قلت أني إلى الآن لم اقرأ رواية عربية استطاعت تقديم رؤية متكاملة للخيبة والوجع والحسرة والانكسار الذي أصاب النخبة العربية المثقفة و بالأخص اليسارية جراء الهزيمة المدوية التي مني بها العرب في عام ١٩٦٧م، كما فعل حيدر حيدر في روايته أو مرثيته المفعمة بالألم والتشاؤم "الزمن الموحش" على رغم أنه – وهذا لافت للنظر - لم يذكر هزيمة حزيران مباشرة إلا مرة أو مرتين إن لم تخني الذاكرة. 

 

على أن حيدر حيدر وعلى خلاف الغالبية العظمى من المؤرخين والمثقفين والنخب العربية لا ينتهي في مراجعته لأزمة العربي "التائه" كما يسميه إلى فشل الخيار التقدمي العروبي والحركة اليسارية التي صبغت شعارات ما بعد الهزيمة وشكلت المشهد السياسي في نهايات السبعينات وبدايات الثمانينات- والتي شهدت عودة المارد الإسلامي للمشهد السياسي العربي -  بل على العكس تماما يحمل حيدر حيدر الفشل العربي في حزيران وما بعدها للإرث التاريخي والديني للرجل الشرقي، ويدعو بناء على ذلك إلى إقامة قطيعة تاريخية مع التراث الإسلامي وتحرير للرجل من عقدة الذكورة المشرقية والمرأة من أسر قرون من التغيب والقمع الخارجي والداخلي كسبيل وحيد لمستقبل عربي مشرق.  

 

تدور أحداث الرواية حول أحد المهاجرين من الأرياف والمناطق البدوية الذي اندفعوا إلى حدود دمشق في بداية السبعينات حيث يدخل إلى عالم اليسار والنخبة المثقفة السورية في العاصمة عبر أصدقاءه: اللاجئ الفلسطيني وزوجته، الشاعر الحزبي، المثقف الوسطي ورجل الاستخبارات المجنون، يأخذنا حيدر حيدر بصحبة بطل روايته وعبر مجموعة من الحوارات البديعة وبلغة ساحرة حديثة اعتمدت في تركبيها على الاضطراب والتداعي الغير مرتب للأفكار والذكريات والمشاعر إلى مرحلة مضطربة جدا من مراحل التاريخ العربي المعاصر. مرحلة كان الاضطراب واليأس والإحباط السمة الأساسية التي صبغت المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.    

 

على أن الرواية ورغم قدرتها على نقل قارئها إلى تلك المرحلة الخطيرة من التاريخ العربي المعاصر خصوصا تاريخ المعسكر اليساري الثوري في العالم العربي بالإضافة إلى قدرتها العجيبة وهي الرواية التي نشرت لأول مرة عام ١٩٧١ على التنبؤ بالانفجارات التي ستشهدها سوريا بعد سنوات طويلة من جراء الهجرات الريفية التي تقاطرت إلى دمشق وخلقت العشوائيات على حدودها الأمر الذي جعلها تستحق موقعها بين أفضل الروايات العربية المنشورة في القرن العشرين، إلا أنها مع ذلك لم تنجُ في شخصياتها من الوقوع في فخ القوالب المعروفة للشخصيات اليسارية والمثقفة في العالم العربي والتي شوهت بصورة فجة في اعتقادي التاريخ النضالي لليساري العربي، وصبت في صالح الرواية المزيفة التي قدمها اليمين الإسلامي بشقيه الإخواني والسلفي/الملكي للتاريخ العربي المعاصر. أضف إلى ذلك السلبية العامة والبؤس التي تتسم بها الرواية و التي لها أسبابها الفنية بالطبع الا انها مع ذلك حولت قراءة الرواية الى عمل مضني يحتاج إلى صبر ونفس طويل من القارئ. 

 

ختاما لابد من المرور ولو سريعا على القصائد الرائعة التي زينت الرواية حيث تبدأ الرواية بقصيدة رائعة لشاعر إفريقي وتنتهي بمجموعة من المرثيات للوضع العربي لخص فيها حيدر حيدر روح الرواية بالكامل، أترككم في ختام هذا الحديث العابر مع بضعة أسطر من قصيدة عنونها الروائي ب " للحزن وقت وللرعد وقت" وهي تختصر بحق الوضع العربي ابان النكبة والرسائل التي أراد حيدر حيدر توصيلها للقارئ العربي في روايته  :  

 

" غير الصدى لا أسمع 

مبحوحا داخل الأوردة 

غير الظلال لا أرى، 

شموسنا انكسفت 

جياع ومقرورون عبر صحاري الثلج

وما عاد للإنسان بيت. 

تيه والعربي بلا مدن 

وطن دامس ولا نجم  

زمان موحش ولا أنس 

صحراء ... صحراء. والرياح عفت آثار الإبل 

ألا من ينزع من عروق القلب هذا المبضع المسنون؟! 

لو أن الأرض تدور. 

لأشرقت الشمس. " 

 

تقيمي الشخصي: ٨.٥/١٠ 

تقع الرواية في ٣٦٨ صفحة، بين الطبعة السادسة ٢٠١٦ عن دار ورد للنشر والتوزيع

القادم رواية حياة كاملة لروبرت زيتالر        

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف