قراءة للمجموعة القصصية " تحت المظلة " لنجيب محفوظ
هل بقي شيء يمكن أن يقال او يضاف عن نجيب محفوظ و كتابات نجيب محفوظ؟ لعل جميع الأصدقاء و القليل من المتابعين لما أكتبه هنا يدرك إعجابي الكبير بأعمال نجيب محفوظ، وإرثه الأدبي العظيم، رغم اختلافي مع كثير من توجهاته السياسية. و كما لم يتوقف نجيب محفوظ عن مفاجأتي بكل ما هو جديد و مدهش خلال الـ ١٤ كتابا التي قرأتها له إلى الآن بين الرواية و المسرحية و القصص القصيرة؛ فإن المجموعة القصصية " تحت المظلة " لم تخيب الظن الأمر الذي جعلني أقف معها كما وقفت مع كل كتاب نجيب محفوظ عاجرا عن الكتابة، و توصيف ما قرأت، إلا أني سأحاول في السطور القادمة تسليط الضوء ولو سريعا على هذه المجموعة القصصية و لو أنه بأختصار يمكن القول انك ان لم تقرأ لنجيب محفوظ بعد فترك ما في يديك و اقرأ اي شيء لنجيب محفوظ فلن يخيب ظنك ابدا .
في مجموعته القصصية " تحت المظلة " و التي نشرت في عام ١٩٦٧، يقدم نجيب محفوظ رسالة هجاء للشعوب العربية بشكل عام و الشعب المصري بشكل خاص بعد هزيمة ٦٧. بأسلوبه الساخر المعتاد و نقده السياسي اللاذع، الذي يتخذ من الرمزية ستارا له يهاجم نجيب محفوظ السلبية و اللامبالاة التي انطبعت عليها الشعوب في العالم العربي في النصف الثاني من القرن الماضي. غير أن هذه القصص - باستثناء القصة الأخيرة - وإن كتبت في زمن الهزائم إلا أنها timeless غير مرتبطة بزمن أو بلد أو شعب معين، و يمكن تطبيقها الآن علينا جميعا.
تتكون المجموعة القصصية من ست قصص يترواح حجمها بين تسع و عشر صفحات باستثناء الأخيرة التي يصل حجمها إلى خمسين صفحة ـ نصف الكتاب تقريبا ـ و هي بالترتيب: " تحت المظلة " ، " النوم " ، " الظلام" ، "الوجه الآخر " ، " الحاوي خطف الطبق " و " ثلاثة أيام في اليمن ". كما أسلفت تشترك القصص الأربع الأولى في لا معقوليتها ، ورمزيتها ، وأسلوبها الساخر، و تركيزها على سمة الصمت في زمن الهزائم و الديكتاتورية ، في جميع القصص تقريبا الراوي أو أبطال الرواية مغلوب على أمرهم، يشاهدون الغرائب تحدث أمامهم دون قدرتهم على التغير أو دون رغبتهم بالتغير معتبرين أن ما يحدث أمامهم لن يصل إليهم و هو ما يحدث بالطبع في آخر المطاف.
أما القصيتين الآخرتين فتحمل سمات مختلفة نوعا ما ففي قصة " الحاوي خطف الطبق " يقدم نجيب محفوظ قصة التتطور البشري من خلال قصة طفل في يوم واحد ينتقل فيها بين اتباع الأوامر إلى التعلم من الأخطاء ثم الغواية ثم الأسطورة بعدها يأتي الحب البرئ، فالشهوة، لينهي نجيب محفوظ قصة باكتشاف الطفل للجريمة. أما قصة "ثلاث أيام في اليمن" و هي ربما القصة المباشرة والأكثر تقليدية بمقارنة بما عداه، فتدور أحداثها بين عالمين مختلفين عالم الإعلام و الشعارات و عالم الدماد و الحرب و الجندية، حين يذهب مجموعة من المثقفين لزيارة اليمن ما بعد الثورة بدعوة من السلطة على سفينة واحدة، تحمل جنودا مصرين ذاهبين للقتال في بلد غريب. و خلال الثلاثة الأيام يستعرض نجيب محفوظ من خلال رواييتين مختلفين حال الجنود المصريين، والبون الواسع بين ما يقوله و يروج له الإعلام من خلال رحلات الكتاب و الإعلاميين و بين ما يعايشه الجنود على أرض الواقع.
كمعظم القصص القصيرة لنجيب محفوظ تتميز القصص ما عدا قصتها الأخيرة بنوع من الغرائبية و الرمزية بالإضافة إلى النهاية المقطوعة، كما تحفل بالكثير من الحوارات الشائقة والذكية والممتعة للقارئ. بالنسبة لي كانت قصتا " تحت المظلة " و" النوم " هما الأفضل في المجموعة، كما أن علي الاعتراف بأني لم أعجب بقصة " ثلاث أيام في اليمن" فقد وجدتها أقل من المستوى العام لباقي القصص في المجموعة .
المجموعة القصصية بطبعتها الجديدة نشرت عن دار الشروق ضمن مشروعهم لإعادة نشر أعمال نجيب محفوظ ، الطبعة الأولى منشورة ١٩٦٧، والطبعة الأولى لدار الشروق منشورة ٢٠٠٦ ، بين يدي الطبعة الثالثة ٢٠١٥م. تقع المجموعة القصصية في ١٠٦ صفحات.
تقيمي الشخصي: ١٠/٨.٥
القادم رواية الديوان الأسبرطي للروائي الجزائري عبدالوهاب عيساوي
تعليقات
إرسال تعليق