قراءة لرواية عودة الثائر للكاتب العماني يعقوب الخنبشي
أعود مرة أخرى للرواية العمانية مع رواية الأستاذ يعقوب الخنبشي عودة الثائر، و هي الرواية التي سمعت عنها الكثير و نصحني بعض الاصدقاء بقراءتها، على أن علي القول من البداية أن الرواية و للأسف كانت -بالنسبة لي- مخيبة للآمال؛ فكنت في الحقيقة أتوقع وأتمنى الأفضل، ورغم أن الرواية كتبت بحب كبير ووطنية عالية عكستها الحوارات السياسية الجميلة حول الوطن و المستقبل و الديمقراطية هنا و هناك؛ إلا أنها ـ أي الحوارات ـ لم تكن كافية لحمل الرواية خلال ٣٠٠ صفحة تقريبا، تقلبت الرواية خلالها بين التحولات غير المبررة لشخصيتها الرئيسية، إلى كروتنيةِ وسطحيةِ ما عداه من شخصيات، وانتهاءً بلغتها المفتعلة و محاولاتها البلاغية التي لا تنتهي.
ومثل الكثير من الروايات العمانية تدور أحداث الرواية حول حياة العمانيين في عصر حكم سعيد بن تيمور و هو الموضوع المفضل للرواية العمانية حاليا، حيث يأخذنا يعقوب الخنبشي من خلال شخصيات روايته إلى معاناة الإنسان العماني اليومية خلال النصف الأول من القرن العشرين والثلث الأول من النصف الثاني من القرن العشرين، ابتداءً من حياتهم الخانقة في ظل الإمامة التي لا تعرف من الحكم إلا الجباية و تحريم كل ما هو غريب عنها، إلى ظلم سعيد بن تيمور من استبداد في الحكم و خنوع للاستعمار إضافة للجهل و المرض و تعذيب المعارضيين و مقاومة أي توجه للتغيير.
ابتداءً بالجوانب الإيجابية، فكما أسلفت في المقدمة فإن الروح الوطنية القوية و المحبة الخالصة التي يحملها الخنبشي لهذا الوطن وأهله تنعكس في الرواية انعكاسا كبيرا، من خلال مجموعة من الحوارات حول مفهوم الوطن و حول التقدم و معنى التغير الحقيقي والديموقراطية، يظهر فيها الخنبشي المثقف و الإنسان الوطني على الروائي و هي الحوارات التي مكنتني من اكمال قراءة الرواية حتى نهايتها . اتركم هنا مع بعض مقتطفاتها:
" الرخاء لا يمكن أن يستمر بالأمن و الأمان وحدهما … ربما نشهد الآن بداية معالجة الفشل لكن النجاح الحقيقي يحتاج إلى قوة و شجاعة قائمة على العدالة الأجتماعية في كل شيء … النجاح الوقتي لا يصنع مستقبلا، المستقبل يعني تخطيطا بعيد الأمد مرهونا بقوالب الحريات المجتمعية لمؤسساته"
" أشعرتني تلك الكلمات بلحظة عارمة من الفرح حين ذابت من تلك الحناجر الصادحة أوجاع الأيام و جبروت الظلم ، أحسست أن الوطن ما زال محمولا بين قلوب مخلصة كالعادة … هناك حب يوصف و لا يتخيل، إنه حب اسمه الوطن "
" الحرية الحقيقية يا ولدي لا يمكن تجزئتها، لذلك يجب تبني دستور يضمن الحقوق و الواجبات لكل مواطن ، كما أن المشاركة السياسية يجب أن تأخذ حقها وفق الأشكال الديموقراطية المعروفة كافة.
كل شيء في أوانه و في وقته.
هل تعتقد أن العالم سيتنظرنا؟! النجاح الوقتي لا يمكن أن يصنع مستقبلا. "
على الجانب الآخر، فإن الرواية تقع في كثير من الهفوات من منظوري الشخصي، سواء من حيث الشخصيات و بنائها الدرامي أو من حيث اللغة. فالشخصية الرئيسية تبدأ بداية مبشرة باستعراض الجوانب السلبية للحياة في ظل الإمامة و هو الأمر الذي وجدته جديدا ومثيرا للاهتمام؛ فينظم للجيش البريطاني في البحرين، و يترقى ضمن الجيش غير أنه بعد لحظات ،ودون تبرير واضح ينقلب إلى وطني معادي للاستعمار والوجود الأجنبي، ويصبح من أشد مناصري الإمامة فيحارب معها، وينتقل من خلالها إلى سوريا للدراسة و التدريب. غير أنه يعود للتحول مرة بعد عودته، فيلتحق بجبهة الثورة في ظفار. صحيح أن تلك الفترة من تاريخ عمان و العالم كانت مملوءة بتحولات أيديولوجية كبيرة إلا أن الكاتب لم يستطع تبريرها التبرير الدرامي المناسب فجاء المسار الدرامي للشخصية ـ character arc ـ مشوها و مفتعلا؛ و كأن الكاتب أراد جمع جميع الأحداث و التحولات العمانية الكبرى في شخصية واحدة. أضف إلى ذلك أن الأحداث الشخصية التي يمر بها جاءت سطحية و غير مثيرة فلم أهتم حقا بحبه و لا بصداقاته بل انه مصيره أبدا لم يعنني ولم أتمكن من تكوين أي رابط عاطفي مع أي من شخصيات الرواية.
أما الجانب الذي أبعدني كثيرا عن الرواية، و كنت حقا على وشك تركها فهو التصنع اللغوي، فالافتعال المبالغ في اللغة و المحاولات البلاغية و التشبيهية التي جاءت بسبب و من دون سبب لم تقدم جديدا في الرواية، كما أنها لم تكن ناجحة دائما ، الأمر الذي شكل حاجز بيني و بين الرواية منعني من الاندماج في احداثها و كون مسافة بيني و بين شخصياتها ولو أن الخنبشي اهتم ببناء شخصياته بقدر المحاولات اللغوية التي لا تنتهي لربما خرج بعمل أنجح بكثير مما وصل إلينا:
" فتح الحب زاوية صغيرة في قلبي ، وأشعل قناديل متدلية جعلتني أرفرف كعصفور صغير فتحت له فرشاة الأحلام و سجدت في بحر العواطف … "
" كنت دائما أتفوق على أصحابي في اقتفاء سراب ثقاب الكبريت برصاص بندقيتي … ، فيما ود كايد ذلك الفتى الأخرس بحلمه المشرد، ينافسني بشدة و يتفوق على في تضميد جرح المسافة ، و حذف الأهداف … " ـ لم يذكر ود كايد أبدا بعد ذلك و لم يذكر لماذا كان حلمه مشردا !
" سقطت قوتي وأنا أتحمل وجوه القبائل المعزية و القادمة من كل مكان … و ها هي الأيادي تتقاطر بانتظام مدهش، لأكنس في سبلة العزاء أيادي كثيرة صغيرة و خشنة و لينة بيضاء و سوداء "
" كان نبضي يضبط مع كلماته لتنهض الشهوات في أعماقي بمشاعر مختلفة على الارض اليابسة و حلم لم أكن ألمسه من قبل حين تهدهد الحكاية طفلي لينتفض بين الشهب و تدمع عينية ليزيد من رطبة ازاري "
" أفاوض امواج الرمال بألوان طموحاتي لتسكر حنين مراكبي لمن تركتهم خلفي لتبقى لغتي متشظية مع الرفاق "
هذا قليل من محاولات التفلسف المفتلعة التي لا تنتهي في الرواية خصوصا في جزءها الأول الذي انخفض تدريجا في الجزء الثاني بسبب السرعة الكبيرة في السرد محاولا تغطية الكثير من الأحداث ضمن صفحات بسيطة. أخذ الكاتب فيها بطله بين ظفار و بغداد و الظهران و عدن ثم بيروت و بغداد و بعدها بنغازي. تعرف فيها إلى أشخاص و فقد أصدقاء وأحب و تزوج و مات عنه أحبابه كل هذا الكم من الأحداث يمر بسرعة خاطفة لا تمكن القارئ أبدا من الاهتمام حتى بما يحدث.
تقع الرواية في ٢٨٨ صفحة ، الطبعة الأولى ٢٠١٦ عن دار الانتشار…
تقيمي الشخصي : ٦.٥/١٠
القادم رواية ملك الهند لجبور الدويهي …
تعليقات
إرسال تعليق