قراءة لرواية “في غرفة العنكبوت” للروائي المصري محمد عبدالنبي





على خلاف الدورات سابقة ، فاجئتني روايات القائمة القصيرة لهذه الدورة من الجائزة العالمية للرواية العربية فثلاث روايات منها على الاقل تمردت في مواضيعها على القضايا “ الكونفنشينل”  التقليديه للرواية العربية الحديثة،  فمنحنا كتابها قصص اصيلة لم تطرقها الرواية العربية قبل اليوم . فبينما اعطانا الروائي الكويتي الوجهة الاخر للحرب و أثرها على البيئة و الطبيعية في روايته الرائعة “السبيليات” ، منحت الروائيه الليبية نجوى بن شتوان قلمها و صوتها لأول مره  لفئة مهمشة و مسحوقة لعبده تعيش في بنغازي في بداية القرن العشرين ، ليأتي محمد عبد النبي في رواية الجميلة “ في غرفة العنكبوت فيطرق بكل جرأة باب فئه مهمشة و محتقره في مجتمعاتنا الشرقية و هي فئة “ المثلييين “ و ينجح في تقديم طرح منصف بعيدا عن الافكار المسبقة التي تشكلت في ضمائرنا نتيجتا لنظره التقليدية او الدينية لهذه الفئة المسحوقة و المحتقرة اجتماعيا و سياسيا في المجتمعات العربية و المدفوعه في اغلب الاحيان الى حياة وسط الضلال. يقدم الكاتب في روايته رؤية انسانية و عادلة للمعاناة اليوميه التي تعيشها هذه الفئة من انكار الذات ، و احتقار النفس و الى محاولات الانتحار دون ان تجد ملاذا اجتماعيا مناسبا او حلولا واضحة يقدمها المجتمع لمشكلاته. 

تدور احداث الرواية حول هاني محفوظ ، الذي يصاب بالخرس بعد خروجه من السجن في قضية شهيرة في مصر في بداية عام ٢٠٠١، يعتكف هاني محفوظ بعد خروجه من السجن في غرفة احد الفنادق و مدفوعا بنصيحة اصدقائه و طبيبه النفسي بيدأ بكتابة و سرد قصة حياته منذ الطفوله الى اليوم الذي اعتقل فيه. يمنح الكاتب في روايته صوت الرواية للبطل هاني محفوظ فتعطينا وجهة النظر المغيبة لهذه الفئة بكل انصاف بعيدا عن الافكار المسبقة ، فتظهر الشخصية المركبة الغارقة في التعقيد و التي تعيش حياة متناقضة بين طلباتها الحقيقية و بين رؤية المجتمع و الدين لها و تعيش الاحتقار الطبيعي للنفس الذي يعيشه معظم هؤلاء و تطرح التسؤال المر علي نفسها “ لماذا وجدت هكذا ؟ “ . لا تمنحك الرواية الاجابة السهلة التي قد يعتقدها و يأمن بها الكثيرين بل على العكس فالرواية تتعترف ان الشخصية و غيرها ليس نتاج مباشر لمشاكل اجتماعية او تشتت عائلي فقط بل ان الموضوع اكثر تعقيد من هذا ، و هو مرتبط بطبيعة البشرية و التكوين لهذه الشخصيات. 

في تزامن سردي جميل و غير متسلسل تأخذك الرواية لتغطي ثلاث مراحل من حياة الشاب هاني محفوظ ، ابتدأ من مرحلة الطفولة و بداية الشباب و اكتشاف الذات ، ثم تتقاطع الرواية مع قضية الكوين بوت الشهيرة التي يعتقل فيها البطل ويتعرض لتعذيب الشرطة و الفضائع التي ترتكب بحقه و حق غيره من المساجين ، و اخيرا مرحلة الصمت و الحياة بعد السجن و الفضيحة . تأخذك الرواية الى العالم الخفي للمثلية في مصر و ربما في العالم العربي ، و تسلط الضوء على الحياة اليومية لهذه الفئة و التعقيدات التي تمر بها. ينجح الكاتب في خلق شخصيات حقيقية ثلاثية الابعاد بعيده عن التجمد الذي نشهده في بعض الكتابات ، فالشخصيات الرئيسية و حتى الثانوية تشهد و تعيش تغيرات جذرية و لكنها منطقية و مفهومة في الاطار العام للقصة . بالاصافة الى ذلك ، فأن الرواية تخلق شخصيات بعيدة عن المثالية المطلقة و الشر المطلق ، فمعظم الشخصيات تعيش ضمن منطقة رمادية ، الامر الذي يعزز مصداقية الرواية و يشعر القارئ انه امام شخصيات حقيقية تتحرك امامة ، الامر الذي يمكن الكاتب من النجاح في تكوين شيء من العاطفة و الاتصال بين القارئ و شخصيات روايته و هي عاطفة و مشاعر ربما لا يعتقد القارئ نفسه اني يمكن يصل اليها خصوصا في التعامل مع فئة مثل فئة المثليين. 

تحاول الرواية و ربما تنجح من وجهة نظري و خصوصا من خلال الجائزة العالمية للرواية العربية في اعطاء صوت لهذه الفئة المهمشة من المجتمعات الانسانية و تنجح سواء بقصد او بالمصادفة الى دفع القارئ الشرقي خصوصا سواء اكان محافظا ام آمن انه ذو توجهات ليبرالية الى التسأل الصعب الذي وجدته يتشكل رويدا رويدا امام عيني ثم نزل علي مره واحدة  : مع كل هذه المعاناة التي تعيشها هذه الفئة من انكار الذات و احتقار المجتمع الى تعذيب الشرطة و حتى الى الاعدامات رجما في بعض الدول ، لو كان الاختيار بسيط و بيد الفرد الواحد منهم هل حقا سيختار ان يكون مثليا في مجتمع مثل مجتمعاتنا او ان كان حقا حسب اعتقدنا المسبق انه يمكنه تغير نفسه اما كان فعل و انتهاء الامر ؟ . ادعكم مع هذه التسأل البسيط و المعقد في نفس الوقت و الذي لا اعتقد اني املك اجابة سهلة عليها. اخيرا علي الاعترف  بترددي الذي استمر ايام امام كيفية الحديث عن هذه الرواية دون الاساء للمجتمع الذي اعيش فيه و بين تقديم قراءة منصفة للرواية التي قرائتها و القصية التي تتطرحها و اخترت في النهاية و بحذر ان اقف في المنتصف من النظرتين و ارجوا ان اكون وفقت في ذلك.            

الرواية منشورة عن دار العين للنشر ، الطبعة الاولى ٢٠١٦م. تقع الرواية ٣٤٨ صفحة. 
تقيمي الشخصي: ٨/١٠ 

مر ١٩٢ يوما و ٤٠ كتابا ، القادم هو خامس الروايات المترشحة للقائمة القصيرة لهذا العام بعنوان مقتل بائع الكتب للروائي العراقي سعد محمد رحيم . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم