قراءة نقدية لرواية نارنجة للكاتبه العمانية جوخة الحارثي
لعلي هذا العام لم اقرأ مديحا في نص ادبي كما قرأت لرواية نارجة للكاتبة العمانية جوخة الحارثي ، و لم يبق احد من الاصدقاء المهتمين بالقراءة و الرواية الا وحرضني على قرائتها ، هذا كله بالاضافة الى الهالة الكبيرة التي اتشح به فوزها بجائزة السلطان قابوس للاداب ، و كانت المفاجأة و كانت خيبة الامل الكبرى عندما انتهيت من قراءة الرواية قبل عدة ايام ، قررت خلالها ان لا اكتب عن الرواية و لا اعلق عليها قبل التفكير بها مليا فلا يكتسب كلامي عنها تأثير العاطفة التي انتباتني بعد نهايتها المخيبة للامال. غير ان الحق يجب ان يقال في المقابل ، الخطأ ربما لم يكن ذنب الرواية و لا خطأ صاحبتها و انما كان خطأ العشرات الذين قرأت لهم ورفعوها الى مصاف القمم الادبية مما رفع سقف توقعاتي عنها الى مستوى لم تصل الرواية اليه ، و لعله ايضا ربما كان نابعا من ضعف اي منتج ادبي عماني عن الوصول الى شكل رواية المتماسكة و نجاح هذه الرواية في المقابل.
ففي مقابل ما اعتبرته محاولات للكتابة الروائية مما سبق لي قرائته ، يكتسب هذا النص الصفة الروائية ، و هي بالتأكيد تستحق المديح و الثناء العالي اذا ما تم مقارتنها بإنتاج احمد الزبيدي الادبي او رواية الرولة ليوسف الحاج ـ هنا نقطة نظام يجب طرحها و هو قلة اطلاعي على الانتاج العماني الادبي ـ او بالاعمال القصصية الهزيلة المنتشرة في المكتبة العمانية غير انها تسقط بالمقارنة مع الكثير من المنتج الروائي العربي سواء في الخليج او العالم العربي بشكل عام ، و هو الامر الذي يقع في اطار الازمة الثقافية العمانية و هي ازمة تتعدى الكتابه الادبية الى مختلف الفنون سواء كانت من الفنون التشكيلة ام الانتاج الدرامي او السينما و المسرح او حتى الشعر و الغناء ، فعلى الرغم من بؤس المنتج العربي احيانا الا ان الانتاج العماني للاسف يتعدها في البأس و الضعف ، و اقل مثال على ذلك عدم وصول اي رواية عمانية لاي قائمة من قوائم الجائزة العالمية للرواية العربية طوال عمر تلك الجائزة.
عودا الى رواية نارنجة و موضوعها ، تدور احداث الرواية حول طالبة تدعى زهور تدرس في دولة غربية مصابة بكآبة حادة تجمعها الصداقة بفتاة باكستانية تدعى سرور و اختها كحل و حبيب هذه الاخيرة عمران . تقضى راوية الرواية و هي زهور في جزء كبير من الرواية مع تذكر قصة ما تقول انها جدتها ، التي يتضح انها قريبة العائلة التي ربت ابوها ، ثم ربتهم هم. تحاول الرواية من خلال شخصيتها استكشاف و معالجة كثير من المواضيع المتشابكة من الفقر و الصراع الطبقي في باكستان الى الماضي العماني المملؤوء بشقاء قبل النهضة و الى مواضيع البر بالوالدين و الهجرة و الدراسة في الخارج. غير ان السمة الرئيسية التي تعالجها الرواية من وجهة نظري هو الحزن و عن امكانية الحياة في ظل شعور قاسي بالذنب ، فمن قصة حب كحل الباكستانية الاستقراطية للفلاح الفقير عمران احساسها بخذلان امها ، الى اهمال بطلة الرواية لجدتها التي ربتها و افنت حياتها من اجلها و اخواتها و اجل والدهم في اخر ايامها ، و اخيرا تسبب الاخت في موت زوجها غريقا.
تتميز الرواية باللغة الرصينة التي كتبت فيها ، و بدقة متنهاية في تصوير الماضي فعلى خلاف ما قرأت من روايات عمانية تعالج فترة ما قبل النهضة تنجح الرواية فيما فشل غيرها في اعطاء صورة واقعية للحياة العمانية اليومية قبل النهضة ، اسلوب الحياة ، العلاقات الشخصية ، الملابس ، الاماكن و البيوت ، الاعمال و حتى شكل الملابس و الاحذية ، تصوير بدى لي واقعيا بمقارنة بما نعرف و ما سمعنا عنه من ابائنا بل لعل هناك احد المشاهد الذي ذكرني بصورة من ذاكرة الطفولة في منزل جدتي ـ التي واضبت خلال خمس و عشرين سنة من عمرها على الحج سنويا و قضى شهر رمضان كاملا في مكة ـ قبل سنوات عديدة و و هي صورة كانت تخيفني بعض الشيء و هي صورة مرسومة لدابة البراق و كان الوصف في الرواية مطابقا للتلك الصورة وفد جاد في سياق حاجات الجدة القليلة “ و صورة براق النبي : وجهة امرأة حسناء و جسد فرس “.
على ان هذا لا يشفع للرواية الهفوات الكثيرة التي وقعت فيها سواء على مستوى السمة العامة ، او علي مستوى الاحداث و الشخصيات و علاقة بينهما .علي مستوى السمة العامة هناك موضوعان ، الاول موضوع الكابة العامة التي تتسم بها الرواية من أولها الي اخرها كابة و حزن مبالغ فيها، فكل شخصيات الرواية الرئيسية مرت في حياتها بتروما من الجدة التي طردها ابوها طفلة مع اخيها الذي يتوفى بعد سنوات ، الي جنون منصور ـ والد الراوية ـ في غرام البدوية ، ثم الى كابة الام من اجهاضها المتكرر و لا ننسى طبعا صمت الاخت المرحة بعد تسببها في وفاة زوجها الذي كان يعنفها ، ممل يجعل الرواية تركيبة مبالغ في مأساويتها لا يوجد فيها اي مشهد سعيد او اي بصيص صغير يبعث على الامل حتى علي مستوي المشهد الخلفي للصورة فكل مشاهد الرواية و تتدور في فصل الشتاء و الخريف فقط اما في وسط تساقط الثلوج او وسط تساقط اوراق الشجر ، الربيع و الصيف لا يحضران في الرواية ابدا و كأن الحزن امتدد الى فصول السنة فأخذهما ، قد يجد البعض في ذلك شيء من الرومانسية اما انا شخصيا فأجد فيها مبالغة لا داعي لها. كل هذا جعل من الرواية رغم قصرها مضجره و مملة الى حد كبير. الموضوع الثاني الذي اثار حنقي و تسآلي في نفس الوقت هو الرابط الذي لم اجده ابدا بين قصة بنت عامر في الماضي و بين علاقة الراوية ، زهور ، بكحل و عمران ، هل هي حياة الشقى وحدت الجدة و عمران فوجدت زهور فيه شيء من جدتها ؟ لا اعرف و بصراحة لا يعنيني ان اعرف ما اعلمه على التأكيد فقط ان النقلات في الرواية بين الماضي و الحاضر جاءت في كثير الاحيان مفتلعة و “ out of touch “ .
على مستوي الشخصيات هناك كما قلت العلاقة المفتلعة بين زهور و كحل و عمران و التي تشغل حيزا كبير من الرواية ، التي تتوج بوقوع زهور في غرام عمران او غرام الاثنين في بعض الاحيان و هو حب وجدته مقحم ، غير مفهوم و غير متوافق مع الشخصيات و سياق الرواية . ثم هناك قصة الحب ايضا المفتعلة بين منصور و البدوية الذي يصل فيها الاب الي حافة الجنون ثم يستعيد توازنه من لسعة عقرب “ come on; give me a break “ و الي ذلك كله هناك مشهد البدوي و هو يستعيد حبه للبنته التي هجرته في زواجها و هو المشهد الذي لا ادري كيف و صل الي علم الراوية التي لم تعرفهم اصلا. هناك ايضا موضوع انتصار الراوية لجدة وهي المرأة التي تعيش في معظم حياتها عالة على الاسرة في مقابل المرأتين القادمتين من الادغال اللاتي يرفضن حياة الخمول و يأسسن حياتهن باستقلال بعيدا عن التتطلب و الخمول ، الامر الذي يجعلني اسأل من هو الحقيق بالاحترام في هذه الحالة ؟ ام ان الكاتبة ترى ان المكان المناسب للمرأة هو تربية الاولاد و الطبخ و الخدمة بدل الاستقلال بذاتها و تفانيها في العمل من اجل حياة كريمة ؟
هناك الكثير من المواقف و الاحداث المقحمة و الغير مفهومة التي تنتشر في الرواية من الحديث عن الاظفار في فتتاحية الرواية الى علاقة الجدة العدوانية الغير مبررة مع الضيفتان القدمتان من افريقيا الى مشهد القاضي في سوق مطرح الذي لا اعرف من اين اتى و لماذا ذكر هناك ؟ هذا بعض ما يحضرني الان و لذلك فسأكتفي به غير أن الرواية مملؤو بأمثالة الكثير. اخيرا ، هناك النهاية الغربية للرواية و التي لا استطيع الحديث عنها حتى لا احرق الرواية لمن سيقرأها وما استطيع ان اقوله انها نهاية مفاجأة ،خارجة عن السياق و وضعت هناك لاغلاق الراوية بمشهد كأيب اخر.
الرواية منشورة دار الاداب ، الطبعة الاولى ٢٠١٦م. تقع الرواية ١٦٠ صفحة.
تقيمي الشخصي: ٦.٥/١٠
مر ١٦٥ يوما و ٣٥ كتابا ، القادم هو الرواية اللص و الكلاب للنجيب محفوظ.
حمود السعدي
للمزيد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi
حمود السعدي
للمزيد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi
تعليقات
إرسال تعليق