قراءة لمسرحية “ الباب “ للاديب الفلسطيني غسان كنفاني





انتهيت قبل اسبوع تقريبا من قراءة مسرحية الباب للاديب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني ، التي لم تأخذ من وقتي اكثر من ساعة و نصف ، الا ان موضوعها الفلسفي المثير للجدل و مشغال اخرى جعلتني اتأخر في الكتابة عنها حتى اليوم. فعلى خلاف كتابات الاديب السابقة ، و التي ركزت في معظمها على القضية الفلسطينية و تبعاتها ، تأخذك هذه المسرحية الى موضوع اخر مختلف تماما و هو معنى الحياة ، الهدف الحقيقي للوجود و علاقة الانسان مع من اوجده بالاضافة الى معاني القدر و الحرية و هي مواضيع يناقشها كنافني بكل صراحة و دون اي مواربة مستخدما لذلك ادوات رمزية واضحة الدلالة الامر الذي جعلني اتسأل لماذا لم تثر المسرحية نفس المستوى من الجدل التي اثارته كتابات اخرى مشابهة.


تدور احداث المسرحية المستمده من اسطورة عربية شهيرة هي قصة ارم ذات العماد ، حول ثلاثة ملوك هم شداد ، عاد و مرثد و تحديهم لأحد آلهة القبيلة هو الاله هبا. تفتح المسرحية بمشهد يعبر بوضوح عن موضوع المسرحية الشائك و هو حوار بين رئيس وفد عاد الى مكه قيل و صديقه رعد في معسكرهم على حدود مكه ، نفهم من الحوار ان الجفاف اصاب الاحقاف و لذلك ارسل الملك عاد الرجلين للاستسقاء اله مكه بدل من هبا: 

“ - قيل: لكنه ارسلنا نستسقي آلهة مكة الماء ، و لم يرسلنا لنتوسل لآلهتنا … انت أعلم مني مدى كرهه لها … انت أعلم مني بكل افكار عاد … لماذا تراه هجر المعبد و دعا الناس إلى هجر هبا ؟ 
رعد: إنه يعتقد بأن الإله يجب ان يسقى شعبه ، لقد قال لي بأن الخطيئة ، أية خطيئة يجب ان لا تدفع الإله الى الانتقام بأن يقتل النبات و يجفف الضروع و يزرع الجوع . 
رعد : و لماذا لم يطلب غفران هبا فيعطيه الماء. 
قيل: انت تعرف لماذا … انه يعتقد ان طلب الغفران ذل … 
رعد: و الماء ؟ 
 قيل : يستسقيه من مكة دون غفران. “ 

غير الرجلان يخالفان عاد ، فيستسقيان هبا الماء ، تصل الانباء الى عاد فيخرج بجيشه الى الرجلين. يصل عاد الى الرجلين في النفس الوقت التي تصل فيه ثلاث سحابات الى المكان واحده سوداء رمز الموت ، واحدة صفراء رمز الطاعة و واحدة حمراء هي رمز للدم ، و يخرج صوت ـ هو صوت الاله هبا ـ يقول لقيل اختر احد السحب . يرفض عاد الطاعة و يأمر قيل باختيار السحابة السوداء ليتحدى الاله و ينازله ، يذعن قيل لرأي الملك ، و هنا يجتاح المسرح غمامة سوداء مخلفة موت عاد و ينتهي الفصل. 

في الفصل الثاني و الثالث من المسرحية نتنقل الاحداث الى قصر شداد الملك الجديد للاحقاف حيث تدور حوارات رائعة بين شداد بن عاد و بين امه المتدينه ، تركز الحوارات في معظمها حول الحياة في الاخر وحول الوعد و الوعيد فينما يرى شداد ان الجنة ما يصنعه هو على الارض ، ترى الام انه لا جدوى من تحدي هبا و لابد من انتظار جنة السماء. يبنى شداد مدينة ارم ذات العماد الشهيرة و يخلق منه جنته الا انه لا يستطيع الوصول اليها لتحذير هبا انه سيهدمها على ساكينها انه اقترب منه. يقرر في النهاية شداد غير اهبه بدعاوى امه التوجه بجيشه الى عاد و مجابهت هبا للمرة الاخيرة لتصيبه و جيشه الصاعقة التي اصابات اباه من قبله. تتنقل المسرحية في فصليها الرابع و الخامس الى جو مختلف تمام حيث تأخذ المشاهد الى حياة البرزخ حيث يجد شداد نفسه في غرفة بصحبة شخصين قد فرض عليها هبا نوع من التحدي الغريب ، يستغرب شداد خنوع الرجلين للهبا حتى بعد موتهما و قبولها للتحديه المهين ، الذي يفرض هبا مثله على شداد مقابل خروجه من الباب و عودته الى حياة . تدور في هذا الفصلين بين شداد و الرجلان و بينه و بين هبا حوارات غاية في الروعة و الابداع حول معاني الحرية و الطاعة و حتى معني الاله ووجوده . 

أكتفي بما كتبت لان الاسهاب في نقاش محاور الرواية و مراماتها قد تحملاني على حديث قد يجده الكثير مثير للحساسية و هو و ان كان امرا لا افهمه الا اني في مجتمعنا هذا احترمه و لا اريد الدخول فيه و على كل حال فالمقاطع التي اوردتها من المسرحيه فيها من ملامح مواضيعها ما يغنى عن الاسهاب و يصل بسهوله للاريب و الباحث الحر. 

المسرحية بطبعتها الجديدة نشرت عن دار منشورات رمال بالتعاون مع مؤسسة غسان كنفاني الثقافية ضمن مشروهم لإعادة نشر كتابات الاستاذ غسان كنفاني . تقع الرواية في ٧٨ صفحة. 
تقيمي الشخصي: ١٠/٨.٥ 
مر ١٧٨يوما و ٣٧٧ كتابا ، القادم هو رواية الذي لا يحب جمال عبدالناصر للكاتب العماني سليمان المعمري.

حمود السعدي 

للمزيد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم