قراءة لرواية “ الذي لا يحب جمال عبدالناصر “ للكاتب سليمان المعمري
كمغرم بقراءة الكتب الورقية ، تحضرني في بعض الاحيان بعض المشاعر المتناقضة بين محبة الكتاب الورقي و استمتاعي بالقراءة منه و بين الشعور بالذنب اتجاه الاشجار التي قطعت ليصل هذا الكتاب بين يدي ، غير ان هذا الشعور لم يحضر معي بالقوة و الكثافة نفسها التي حضر معي و انا اقرأ رواية الكاتب العماني سليمان المعمري “ الذي لا يحب جمال عبد الناصر “. كنت طوال الايام الخمسه التي قضيتها بصحبه هذا الكتاب افكر بتلك الشجرة المسكينة التي قطعت و هدر لبها لطباعة هذا الرواية ، الذي وجدت ـ من وجهة نظري الصغيرة ـ انها لا تستحق اكثر من منشور سريع على صفحة في الفيس بوك او مدونة في محرك جوجل للبحث. رواية بائسه بكل ما تعنيه الكلمة من معنى اضافت الى مسلسل يأسي المتنامي من الرواية العمانية.
تدور احداث الرواية حول بسيوني سلطان ، و هي معلم قدم الى عمان مع بداية النهضة ، ثم اصبح مدقق لغوي لصحيفة عمانية تسمى المساء ، يكره الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كرها كبير يجعله يصاب بالجنون و الهستيريا حتى من ذكر اسمه. تبدأ الرواية بحدث فنتازي حيث يطلب عبدالناصر الرقاد في مسجد ناصر بالقاهرة منذ اربعين عام من حارس البرزغ العودة الى مصر ليشهد الثورة الجديدة و يحتفل بها ، غير ان حارس البرزغ يشترط عليه مقابل السماح له بالعودة الى مصر ، مقابله الشخص الذي يكن له اكبر كرهه في الدنيا و اقناعة بتغير فقط ١٪ من الحقد الذي يكنه له . الى هذه النقطة من الرواية ـ وهي الصفحات الاولى ـ كنت في غاية الحماس و قلت في نفسي انني امام تجربة اصيله و مبتكره ، قليلا ما كنت اعرفه “ little did I konw “ ، ان الصفحات القادمة سقتلت ما اعتقدته انه محور الرواية الرئيسي و تبتعدت عنه ، ففي نهاية الفصل الاول يصل عبدالناصر الى بيت بسيوني سلطان في مسقط ، فيسقط هذا الاخير مغشيا عليه و يدخل في غيبوبة كاملة عند هذه النقطة تنتهي شخصية عبدالناصر و تذوب الفكرة الاساسية ، ليتحول معها النص في الفصول القادمه لتأريخ سطحي جدا و مباشر للحياة السياسية العمانية الحالية و المعاصرة من اعتقالات الثمانيات و حتى اعتقالات و محاكمات قضايا الاعابة في عام ٢٠١٣.
في الفصول الاربعة عشر القادمة من الرواية يختفي الراوي العليم ، ليحل محله اهل ، معارف و زملاء بسيوني سلطان ليروا تجربتهم مع بسيوني سلطان الذي تتحول الى سرد لتجاربهم الخاصة و حياتهم اكثر منه حكاية بسيوني ، الذي يظهر في كل فصل غاضبا بعد ان يذكر بسبب و بدون سبب جمال عبدالناصر. تحاول الرواية من خلال احاديث الشخصيات الاقحام و بفضاضة منفرة كل الاحداث التي مرت بها الحياة السياسية العمانية منذ بدا النهضة ، و لكن ليس بطريقة درامية محترفة كما يفعل اي كاتب روائي يحمل حسا كتابيا محترفا او يحمل القليل من الاحترام للقارئ واعي انما بمباشرة و سطحية بعيده اني اي تحليل عميق او احساس درامي مشوق. فهناك اولا رئيس القسم الديني ، الذي يعتقل في قضايا ما يعرف بمحاولة الانقلاب في عام ٢٠٠٣ ، فنتاقش هذه القضية بطرقة سطحية و مباشرة جدا ، ثم يجده الكاتب مجال مناسب لنقاش مواضيع اختلاف المذاهب و العصبيه المذهبية الذي يتضح ان بسيوني احد اهم معتناقيها بينما الشيخ العماني الجليل آية في التعايش و الاحترام . ثم هناك شخصية زينب العجمي ، رئيسة القسم الاقتصادي ، و الذي يعتقل ابوها في قضايا التخابر مع الخارج في قضية الشيعة الشيرازية ، ثم زواجها من الاباضي الخروصي لناخذ من خلال قصتها و حوارتها مع زوجها دروس و عبر في التعايش المذهبي و التسامح ذكرتني بشاهد من المسلسلات التعليمة الخليجية القديمة من امثال “ سلامتك “ ، كما لا يغفل الكاتب مرة اخرى عن طرح تعصب بسيوني و حقراته ، عندما يعرض على زينب العجمي الارملة ان يتزوجها زواج متعه ، مرة اخرى اقحامات سطحية لكل القضايا التي تتبادر الى ذهن الكاتب ليضعها علينا بصورة فجة تعليمية منفرة .
هناك احدى عشر شخصية تأخذ المنبر للحديث كلها يصف لنا بالطبع فالاغلب حقارة و لؤم بسيوني سلطان و لن يسمح المجال هنا لنقاش ما تتطرحه الشخصيات كلها و احده و احده و لكن بمجمل كل ما يحدث في كل فصل مفتعل كما اسلفت فهناك مثلا رئيس التحرير المرائي للحكومة و الذي يقدم على مهنيته ، مصالحة الشخصية و حلمه بالوصول لمنصب وزير للاعلام ، و هناك رئيس القسم الثقافي الفيلسوف الذي يشرب الخمور و يتعب في محاولة ارضى المثقفين العمانين العظماء الذي يهاجموا اذا اقتطع شيء من كتاباتهم الجليلة بيد الرقيب الديني المصحح العنيف بسيوني سلطان الذي يحتقر “ الحداثين “ ـ و هي كلمة يكررها عشرات المرات في حوارات مصطنعه قمة في الكليشيه و السطحية حول الحداثة و التقليدية و اللبرالية وحرية التعبير ـ او بيد رئيس التحرير البأس صنيعة الحكومة.
غير ان الرواية كان يمكن ان تكون متقبله بتحفظات كبرى - طرحت القليل منه فقط فيما سبق ـ لولا السقطة الكبرى في فصل زوجة رئيس التحرير التي تعمل في منظمة حقوق الانسان ، و فصل رئيس قسم التحرير المحلي صاحب قصة غاندي و السويويا في هذان الفصلان تصل الرواية الى منخفض جديد “ new low “ لم اشهد له مثيلا على الاطلاق الى في المجموعة القصصية “ جمجمة مهترئة “ لمعاوية الرواحي . ففي نهاية فصل عضوة لجنة حقوق الانسان تقوم زوجة رئيس تحرير بالرد على الانتقادات التي توجه للمنظمة التي تنتمي لها و لها شخصيا بعد استقالة احدى اعضائها احتجاجا على سكوت المنظمة على تجاوزات الحكومة ، لكنه رد غاية في الهزل و التصنع و يحمل وجهة النظر المسبقة للكاتب فجأت على شكل تسألات تدين قائلها بدل ان ان تدين منتقديها “ ماذا تريد منا الحمراشدي اكثر من ذلك ؟ … ان نتدخل في عمل المهام الخاصة و نقول لهم لماذا تقبضون على المخربين في منتصف الليل و انتم ملثمون ؟ … لماذا تقتحمون عليهم بدون استئذان ؟ … هل لبيوت المخربيين حرمة اصلا ؟ … الدول لها احترامها و اذا لم نحترم موظفي الحكومة نكون في غابة “ ، اما قصة غاندي و السويويا و كيف تعلم الخنصوري ان يستخدم السخرية و الهزل طريق للانتصار على اعدائه فتلك قصة اخرى لا تستحق حتى نقاشها هنا اقرب الى منشور فيسبوكي منه الى كتابة روائية.
هذا قليل جدا من المشاكل التي تحفل بها تلك الرواية ، فمن شخصياتها الكرتونية و حوارتها السطحية الى لغتها الجافة الفاقده لاي لمسه جماليه ثم اخيرا الاحقام الغير مبرر لكل صغيرة و كبيرة تجول في الساحة العمانية. بالمناسبة الشخصيات المفروض بها التحدث بالسانها فبالتي يجب ان تكتب باسلوب يأيد افكارها و وجهة نظرها و لا يدينها و لكن الكاتب يفشل في ذلك فشلا ذريعا فالشخصيات التي يجب على القارى ان يدينها ، تدين نفسها بنفسها كشحصية ابن بسيوني ، رئيس التحرير ، زوجته و بسيوني نفسه عندما يبرر كره لعبدناصر فحتي هذا و هو محور الرواية يفشل الكاتب في طرحة ، و اذا اراد احد ان يجرب تجربة رائعة لاسلوب الاصوات المتعدده فليقرأ الحرب في بر مصر ليوسف القعيد او افراح القبة لنجيب محفوظ . بهذا القدر اكتفي فالحديث عن هذه الرواية يطول، غيره ان يختصر في الاتي “ الرواية لا تستحق الساعات التي قضيتها في قرائتها “ هذا مع تمنياتي للكاتب الذي اكنه له كل احترام تجربة افضل في كتابات قادمة او على الاقل مراجعة افضل لما كتب.
الرواية منشورة دار الانتشار ، الطبعة الاولى ٢٠١٣م. تقع الرواية ٢٣٧ صفحة.
تقيمي الشخصي: ٣.٥/١٠
مر ١٨٢ يوما و ٣٨ كتابا ، القادم هو ثالث الروايات المترشحة للقائمة القصيرة لهذا العام بعنوان زرائب العبيد للروائيه الليبية نجوى نشوان .
تقيمي الشخصي: ٣.٥/١٠
مر ١٨٢ يوما و ٣٨ كتابا ، القادم هو ثالث الروايات المترشحة للقائمة القصيرة لهذا العام بعنوان زرائب العبيد للروائيه الليبية نجوى نشوان .
تعليقات
إرسال تعليق