رواية "عبث الأقدار" لنجيب محفوظ



هذه هي الرواية الأولى لرائد الرواية العربية نجيب محفوظ، نشرها نجيب الشاب عام ١٩٣٩م وهي واحدة من ثلاث روايات تاريخية اتخذت من العصر الفرعوني مسرحا لأحداثها نشرها نجيب محفوظ في نهاية ثلاثينيات وبدايات أربعينيات القرن الماضي، وشكلت الانطلاقة الأولى لمشوار أدبي طويل ورائع اثرى المكتبة العربية والعالمية بمجموعة أدبية كان بعضها من أفضل ما كتب في الأدب العربي بل الإنساني الحديث - من وجهة نظري البسيطة.   


تدور أحداث الرواية في عصر الملك الفرعوني الشهير خوفو، وتبدأ بنبوءة صاعقة من أحد المشعوذين في البلاط الفرعوني يبلغ فيها الفرعون وحاشيته أن "لن يجلس على عرش مصر أحد من ذرية الفرعون بعد وفاته". يصاب الجميع بالذهول  خصوصا الفرعون وولي عهده العنيد وعند سؤالهم عن الوارث للعرش المصري يبلغهم الساحر أن الفرعون القادم هو رضيع صغير ولد قبل ساعات معدودة وهو الابن الأول للكاهن الأكبر "من رع". 


عندها تطرح الرواية السؤال الرئيسي فيها على لسان الفرعون لوزيه ومستشاره الحكيم خوميني: "هل ينجي حذر من قدر؟". يقرر الفرعون بالطبع تحدي الأقدار فيتحرك مع ولي عهده على رأس جيشه لقتل الرضيع وحفظ العرش المصري في سلالته وأبنائه من بعده. على أن الرواية تتحرك بعدها في مسار مختلف وتطرح التساؤل: هل ينجح خوفو وولي عهده في القضاء على المهدد الصغير؟ وهل يمكن حقا مواجهة القدر وتغير المصير؟ ستكون في الإجابة على هذا السؤال هنا فضح لحبكة الرواية ولذلك فإني سأكتفي عند هذه النقطة من الحديث عن حبكة الرواية. 


" أيها السادة، لو كان القدر كما تقولون، لسخف معنى الخلق، واندثرت حكمة الحياة، وهانت كرامة الإنسان، وساوىالاجتهاد الاقتداء، والعمل الكسل، واليقظة النوم، والقوة الضعف، والثورة الخنوع ... كلا أيها السادة، إن القدر اعتقاد فاسد لا يخلق بالأقوياء التسليم به " 


كما يتضح من موجز الحبكة تطرح الرواية أسئلة سياسية وإنسانية عامة عن العدالة والحكمة وعن الشجاعة والبطولة والوطنية وأخيرا أسئلة فلسفية عن القدر والمصير وقوة التغير. إلا أنها وعلى الخلاف من أعمال نجيب المعاصرة والتي تلت الثلاثية التاريخية لا تقدم رؤيتها ضمن قالب درامي نوعي ومميز وشخصيات عميقة ومركبة. فبنستثنى الفرعون خوفو التي تعيش شخصيته شيئا من التغير خلال أحداث الرواية، تتسم بقية الشخصيات بالسطحية وتفتقد للتغيرات ضمن السياق الدرامي فجميع الشخصيات كتبت بنوتة واحد حيث تتحرك على مستوى خلال أحداث الرواية. أضف إلى ذلك أن أحداث الرواية في أغلب الأحيان كانت تتحرك ضمن القوالب التقليدية وتفتقد لعنصر المفاجأة التي لطالما كانت العلامة المميزة لأعمال الأديب الكبير المعاصرة على الأقل. 


ختاما، وعلى الرغم من السطحية التي قد يجدها البعض في الطرح و الشخصيات تظل لكتابة ولغة نجيب محفوظ سحر  كبير على قارئها الأمر الذي جعلني أنهي الكتاب في وقت قياسي نسبيا، إذ وجدت نفسي وكالعادة مع بقية أعمال نجيب محفوظ غير قادر على ترك الكتاب حتى الانتهاء منه. 


الرواية بطبعتها الجديدة نشرت عن دار الشروق ضمن مشروعهم لإعادة نشر أعمال نجيب محفوظ ،  الطبعة الأولى منشورة ١٩٣٩، والطبعةالأولى لدار الشروق منشورة ٢٠٠٦ ، بين يدي الطبعة الثالثة ٢٠١٦م. تقع الرواية في ٢٢٢ صفحة. 


تقيمي الشخصي: ٧.٥ /١٠


القادم " أأنا الوحيد الذي أكل التفاحة؟!" مختارات من القصة العمانية تحرير هدى حمد وسليمان المعمري


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف