قراءة لرواية موت صغير لروائي السعودي محمد حسن علوان





في تقديمي لقراءة لرواية “شوق الدرويش “ قبل اربعة اشهر تقريبا قلت انني اعتقد انه يمكن اعتبار كتابة الرواية التاريخية اصعب اصناف الكتابة الادبية و ان الدخول فيها مغامرة صعبة فعليها الى جانب الرصد السليم للحقبة التاريخية تقديم قصة انسانية ، مشوقه و معاصرة ذات صله وثيقة بقضايا واقعنا المعاش و قضيانا المعاصرة ، فالعمل الادبي الذي ينشغل بالماضي الغابر عن الحاضر يفقد صلته بقارئه و لا يبقى من نصه الادبي لقارئه الا الانبهار الذي تتركه اللغة العتيقة على نفس القارئ المعاصر .

 لا يمكن الجدل في ان رواية شوق الدرويش نجحت في هذا المضمار نجاح باهر و اعطتنا قصة انسانية رائعة سرمدية ( time less ) عن عواقب الحب و الايمان المطلق ، غير ان هذا و من وجهة نظري لا ينطبق البته على رواية محمد حسن علوان “ موت صغير “ الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الحالية. انتهيت قبل اسبوع تقريبا من قراءة الرواية ، قضيت في قرأتها تقريبا اربعة عشر يوما و هي بالتأكيد اطول مده قضيتها في قراءة كتاب منذ بدأت مشوار ١٠٠ كتاب قبل ست اشهر تقريبا، و رغم ان موضوعها يبدو من الظاهر مثيرا و قصتها قد تكون مشوقة الا انها في حقيقة الامر كانت مملة جدا فلم ينمحنا حجمها الضخم  ( ٥٩٠ صفحة تقريبا ) فرصة لفهم و معرفة اعمق لشخصيات الرواية فكانت الرواية كما قيل “ شحم منتفخ زيادته نقص “.    

تقدم رواية “ موت صغير “ و هو ايضا تعريف للحب عند ابن العربي ، سيرة القطب الاعظم و الامام الاكبر شيخ الصوفية و فيلسوفها الامام محيئ الدين ابن العربي منذ ولادته في مرسية بالاندلس و حتى وفاته في دمشق ، و معها قصة محيء الدين العربي الانسان بنجاحتها و خيباتها منذ بداية الميول الصوفية في الطفولة الى مكانة القطب ثم ضعف الحال في الكهولة مغطيته مراحل حياته و رحلاته و تجواله و كل ما خالطها من هفوات و ازمات و خيابات في الحب و علاقات ملتبسة بساسة و حكام عصره  بالاضافة الى علاقة بالعلماء و الفلاسفة الذين عاصرهم. 

تنجح الرواية من وجهة نظري في اعطاء صورة انسانية لابن العربي بعيد عن الهيلمان الذي يحيط بها فتظهر الشخصية المرتبكه و المتردده التي تصيب و تخطأ و تنجح و تخفق ، الا ان الكاتب ايضا يظهر الشخصية و لا ادري ان كان الامر مقصودا ام لا و هذا بالتأكيد حقه في تناول شخصية روايته انانية ، غريبة الاطوار ، ركيكة ، مع ذلك منبهره بذاتها دون اي سبب حقيقي و واضح و دون اي تبرير يمكن للقارئ ان يفهمه و يتعامل معه. 

تفتقد الرواية من وجهة وجود اي تبريرات واضحة للصراعات التي تخوضها الشخصية الاولى مع نفسها و مع غيرها و كما تفتقد الى ملمح يجعل من ابن العربي ، الشخصية المهمة في التاريخ العربي و الصوفي ، تنشغل في معظمها بحديث الترحال و حكايات الحب و العشق الفاشلة التي تعيشها الشخصية بالاضافة الى سير الامصار و صراعات الملوك و الامراء و قد جاءت مكرورة تكرار غير محمود في كل فصل من رحلاته دون ان تقدم اي جديد لشخصية ابن العربي او دون ان نلمس تغير كبير و محوري في شخصيته و هو ما زاد من ضجري . ففي البداية لا تعطي الرواية مبرر و اضح للتواجهات ابن العربي الصوفية ، ثم تتجنب طرح اي من الافكار و الرؤى الدينية و الصوفية التي اطلقها ابن العربي و الذي اثارت الجدل و جمعت حوله المريدين و الخصوم ، فنحن فقط نعرف ان هناك اقوام يحبونه حد القداسة و اقوام يكرهونه حد التكفير و القتل دون اي مبرر حقيقي او نقاش للافكار، يقال لنا فقط انه كتب رسالة و كتاب وانهما اثارا الجدل هنا و هناك و لكن لماذا ؟ ما الاسباب ؟ وم الذي جاء فيه ؟ هذا لا يهم ، يحدث في بعض الاحيان ان يناقش نقاشا سطحيا في بعض القضايا التي قالها فنجده  مع ذلك عاجز على الرد و الدفاع عن افكاره. انا بالطبع لا اقول ان على الكاتب ان يسرد كل افكار ابن العربي و لكن يجب عليه ضمن الاطار الدرامي للشخصية ان يعطينا لمحة كاملة عن شخصيته ، فدون افكاره و آرائه جاءت الشخصية مبتوره و هزيلة و غير مفهومه ابدا. تجنب الكاتب افكار و رؤى ابن العربي المهمة و التي اشتهر بها حول الله و الدين و العقيدة  و فهم و تفسير القرآن و العلاقة مع الاديان المختلفة و لكنه لم يتحنب و لا اعرف ان كان هذا قصدا مقصودا تقديم الافكار و الوجهه الغريب و المنفر للصوفية و من حياة و سيرة ابن العربي كالحديث الكشوفات و الاوتاد و الرؤى الغريبة و الاعتكافات و غيرها من المعتقدات. 

كل هذا الى جانب اللغة العتيقة التي كتبت بها الرواية، فرغم الجهد الجبار الواضح المبذول في البحث سواء على مستوى اللغة و الالفاظ المستخدمه او على مستوى الاحداث التاريخية المتناولة ، الا ان اللغة لم تخلو من التصنع و التكلف المنفر و الذي يفتقد الى التدفق و دفئ العاطفة و الامر الذي جعلني انفر كثيرا من هذه الرواية و منعني من تكوين اي صلة بشخصياتها . هذا بالاضافة الي التكرار الغير مبرر في الالفاظ و الاوصاف المتعدده للشيء ذاته ثم هناك قصة الكتاب و كيف وصل الي الكاتب و التي جأت مقحمه في كل فصل و لم تقدم اي جديد على الرواية .  في نهاية الحديث اريد القول ان محمد حسن علوان نجح بلا شك في انسانة ابن العربي الا ان انشغاله باللغة و الاحداث التاريخيه حرمتا القارئ قرائة الشخصية من كل جوانبها و الاطلال ولو قليلا علي شيء من افكارها التي جعلها الشخصية التي ملأت الدنيا في عصرها و شغلة الناس.    

الرواية منشورة عن دار الساقي، الطبعة الثالثة ٢٠١٦م. تقع الرواية ٥٩١ صفحة. 
تقيمي الشخصي: ٧.٥/١٠ 
مر٢٢٠ يوما و ٤٢ كتابا ، القادم هو الرواية ام سعد للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني. 



حمود السعدي 

لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف