قراءة لرواية مقتل بائع الكتب لروائي العراقي سعد محمد رحيم



انتهيت قبل أسبوعين بالضبط من قراءة رواية مقتل بائع الكتب للروائي العراقي سعد محمد رحيم ، الا ان انشغالي في العمل خلال الفترة الماضية و طلب حتى الاصدقاء الاعزاء ان اتريث حتى ينهي الرواية منعاني من كتابة تعليقي على الرواية الي اليوم. الرواية هي الرواية الخامسة التي أقرأها من القائمة القصيرة لهذه الدورة من الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر ، الا انها على الاختلاف مع الروايات الثلاثة السابقة ( السبيليات ، زرايب العبيد و في غرفة العنكبوت ) و التي تميزت بمواضيعها الجديدة و الاصيلة ، تميزت بأسلوبها السردي جديد و الاصيل ذكرني بعض الشيء برائعة جبرا ابراهيم جبرا “ البحث عن وليد مسعود “. غير ان تميزها في الاسلوب السردي لم يشفع للرواية موضوعها التقليدي المتكرر كثيرا في الرواية العربية الحديثة و هو قصة خيبة اليسار العربي و لم تخرج شخصياتها الرئيسية و رغم الاسلوب الحرفي و الجميل في الكشف عنها عن اطار الكليشهات المعروفة للشخصية اليسارية العابثة ، و الثأرة على كل شيء ، و التي تعيش الخيبة في نهاية المطاف و تسقط في متاهة الوحدة و الاعتزال.  

تبدأ الرواية بداية مثيرة تشد القارئ ، عندما يطلب مجهول ثري من الصحفي المحترف ماجد البغدادي استقصاء سيرة صاحب مكتبة صغيرة في مدينة بعقوبة يدعى محمود المرزوق قتل قبل عدة ايام على ايدي مجهولين. يوافق ماجد البغدادي على عرض المجهول الثري و يقرر الذهاب الى بعقوبة ليبدئ رحلة الاستقصى تلك ، فيلتقي اصدقاء المرزوق و معارفه ، و يراسل من هاجر من منهم ، و يقابل المحقق المسؤول عن القضية ، ثم يقرأ شيء من مذكرات تركها المرزوق في مكتبته و رسائل بينه و بين امرأة فرنسية كان على علاقة بها في باريس ، لا يكتفي بذلك فيمعن تارة في صور المروزق مع اصدقائه التقطت على فترات متباعدة و يتبحر في بعض الاحيان في شيء رسومات المرزوق التي رسمها في ترحالة بين بعقوبة و براغ و باريس ، بل و لا يكتفي فقط بالانصات الي اصدقاء و محبي المرزوق بل يستمع الى شهادة واحد من اعدائه الذي يمعن في الهجوم علي المرزوق و شخصيته محاولا جعل ماجد يعدل عن قرار الكتابة عنه . مع هذا الادلة المتفرقة تبدأ ملامح شخصية محمود المرزوق المركبة و المعقدة بالتكشف شيء فشيء ، و معها تبدأ بالتكشف الاسباب التي يمكن ان تأدي الى هذه الجريمة.  

كما اسلفت في المقدمة فأن الرواية تتميز بأسلوب سردي و مبتكر لم أقرا مثله من قبل مما قرأت من الرواية العربية ، فعلى الرغم من انا الرواية جأت باسلوب الاعتيادي للفلاش باك و فلاش فورورد حيث تأخذك بين الماضي و الحاضر ، غير أن العودة الي الماضي لا تأتي بذاكرة سارد الرواية ماجد البغدادي او احد معارف المرزوق ، بل أن الكاتب يأخذك في رحلة طويلة لمعرفة شخصية المرزوق تتخذ من وصف الصور احيان و من الحديث المطول عن الرسومات التي رسمها المرزوق سبيلا لفهم شخصيته ، فهناك فصول مخصصة للحديث عن صورة او وصف رسمة و هو ما وجدته ممتع و جديد  متثير للاهتمام الامر الذي يعزز فهم و قرأت الشخصية الرئيسية في الرواية ، كما ان الرواية تعطي الصوت في بعض الاحيان الى المرزوق نفسه من خلال مذكراته الناقصة التي تعطيك نبذة عن حياتة بعد الغزو الامريكي للعراق ، و هناك الى ذلك مراسلات المرزوق مع صديقته الفرنسية التي هجرها ، و تكشف الكثير من ماضي المرزوق و حياته في براغ و باريس ، بل ان الكاتب لم يغفل التطور في التكنلوجيا ففي احد الفصول يعتمد اسلوب السرد عن طريق مراسلات الماسنجر حيث يتحدث ماجد مع احدى اصدقاء المرزوق المهاجرين و هو اذي يقوم بتزويدة ببعض رسومات و صور المرزوق. تعدد الاصوات و اساليب السرد المختلفة الامر الذي يأدي الكشف المتأني عن مفاتيح شخصية المروزق و هو ما يزيد من اثارة و تشويق و متعة الرواية ، هذا بالاضافة الي السؤال المحرك للرواية و هو من ؟ و لماذا اغتيل المرزوق ؟ و هو السؤال الذي يجيب عنه الروائي في النهاية و بأسلوب ذكي و ناجح اعجبني بعيد عن المبالغات و المؤامرات الكبرى و الميلو الدرما “ الي مالها داعي “. 

على الجانب الاخر ، تفشل الرواية وربما فشلا ذريعا و تسقط في مستنقع الكليشهات في تاولها شخصية بطلها محمود المرزوق ، اليساري الذي كما اسلفت يفقد الامل في الانظمة اليسارية العربية و حتي الدولية بعد معانة الاعتقال و التغذيب في سجون العراق و براغ ، فيعيش اليأس اليساري و يفقد الامل في الحياة و يبتعد عن الناس ليعيش وحيدا ، هذا بالاضافة الى الكليشهات المعروفة عن الشخصية اليسارية في الرواية العربية و هي الفنان الفاشل ،  غريب الاطوار ، المثير للجدل دائما بأحاديثه ، الجريء ، زير النساء ، الزنديق ، عاشق الخمر و النساء ، متقلب المزاج ، الخائن لعشيقاته و غيرها من الكليشات التي لا تخرج منها ابدا شخصية محمود المرزوق و التي اجدها شخصيا اسأه الى جيل كبير من اليسارين العرب الذي ناظلوا من اجل قضايهم و حاربوا من اجل الاستقلال و العدالة الاجتماعية و نظروا بوعي لافكارهم و احبوا و تزوجوا و غيروا و تغيروا و ظلموا كذلك ظلما كبيرا السلطات العربية العسكرية التي تبنت افكارهم ثم انقلبت عليها و رمتهم في السجون ، الامر الذي يعزز نظرة الشارع السلبية اتجاه هذا التيار الكبير. بالاضافة الي ذلك لدي بعض الملاحظات الاخرى منها الاحداث المبهمة و غير المفهومه في السياق العام فيها نوع من الاحقام الغير مبرر لخدم قضية السرد خصوصا في مراسلات المرزوق و حبيبته الفرنسية و لكن الكشف عنها قد يعني كشف شيء من الرواية التي لا اريد ان احرقها على من لم يقرأها بعد. 

في النهاية ، تقدم الرواية من خلال شخصيتها محمود المرزوق قصة اليسار العربي و العراقي منذ الستيان و حتى نهاية الثمانيات ، كما تأخذك من خلال يوميات الرواي الصحفي ماجد البغدادي  الي عراق ما بعد الاحتلال الامريكي و رحلة الموت اليومية في بعقوبة . تتميز الرواية بأسلوها السردي الجميل و الاصيل الي انها تقع في محظور التكرار في تناول قضية اليسار العربي خلال القرن الماضي و لا تنجح حسب وجهة نظري في تقديم رؤية و معالجة جديدة له. 

الرواية منشورة عن دار سطور ، الطبعة الثانية ٢٠١٧م. تقع الرواية ٢١٩ صفحة. 
تقيمي الشخصي: ٧.٥/١٠ 
مر٢١٠ يوما و ٤١ كتابا ، القادم هو الرواية االفائزة بالجائزة العالمية لرواية العربية في دورتها الحالية موت صغير لروائي السعودي محمد حسن علوان . 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف