حول رواية حارس الموتى للكاتب جورج يدق ( قراءة نقدية )
انتهيت بالامس من قرأت رواية جورج اليدق المرشحة ضمن القائمة القصيرة لنيل جائزة البوكر لهذا العام “ حارس الموتى “. تدور احداث الراوية حول شاب في مقتبل العمر تحمله ظروف خارجة عن ارادته من ضيعة في الجنوب اللبناني عند نهر الليطاني ( لا يصرح الكاتب بذلك و لكن يمكن استيحائه من اسم البطل ) الى خطوط النار في بيروت خلال الحرب الاهلية اللبنانية. تأرخ الرواية و بصورة قاسية و فجة من خلال بطالها الى الانحدار في القيم الانسانية التي اصيب بها المجتمع اللبناني خلال الحرب الاهلية.
تبدا احداث الرواية بعد اربع سنوات من انفجار الحرب الاهلية اللبنانية و بتحديد في نهاية عام ١٩٧٨ و تمدد لتغطي عام واحد فقط هو ١٩٧٩. محور القصة يمكن اختصاره كالتالي وهو انه في اثناء قيام بطل الرواية كعادتة بالصيد في الاحراش المحيطة بالقرية يسمع صوت انين ينطلق من موقع مكب زبالة القرية ، و في اثناء اقترابه من المكان يفاجئ بهجوم رجل تغطي وجهه الدماء فيركض هاربا منه و يتبعه الرجل المدمى صارخا: هذا انت يا ابن ….. الى ان يسقط غير بعيد من شارع الرئيسي المؤدي للقرية. في اليوم التالي يعرف البطل من خلال صديقه انه و اثنين من شباب القرية قاموا باختطاف الاستاذ في مدرسة القرية القادم من قرية مجاورة و ينمتي للحزب و طائفة مختلفة عن اهل القرية ( المسيحية) لانه شتم الحزب الذي ينتمي له اغلب اهل القرية فاختطفوه و ضربوه ضربا مبرحا ثم رموه في مكب الزبالة. ينتشر خبر الاختطاف محدثا اضطرابا في القرية و ما حولها و التي ظلت الى ذلك اليوم في مناء عن ما يحدث في العاصمة المقسمة و ضواحيها بسب حكمة رئسأها ووجهاها ، لييكتشف بعد ذلك اختفاء ابن مختار القرية و بن عم احد الخاطفين. و بعدها تكتشف جثة ابن المختار ملقية قرب احد الاودية. يضطر بطل الرواية ـ عابر ليطاني ـ للهروب من القرية خشية اتهامه في الضلوع في عملية الاختطاف لان المدرس يعرفه و يعرف اباه و قد تعرف عليه في ذلك القاء المشؤوم. يغير هذا الحدث من حياة عابر الى الابد فيلتجاء الى بيت احد معارف ابيه الذي يرحب به لبعضة ايام ، يقرر بعدها عابر الهجرة الى احد اقسام العاصمة المدمره ( لا يوضح الكاتب اي منها و لكن اغلب اضن انه الجانب الشرقي ذو الغالبية المسيحية ). يلتحق بعدها عابر باحدى ملشيات احد الاحزاب طلبا للرزق و المؤوى بعد امضى بضعة ايام قضاها مشردا في شوارع بيروت. غير ان رحلته كمرتزق مع المليشيا تنتهي سريعا و يطر مرة اخرى للهرب للسبب ما ( لا اريد اكشف الحبكة ) ليعمل في احد المستشفيات كاعمل في بارد الموتى.
الرواية مكتوبة باسلوب السرد الذاتي يطلعنا الكاتب من خلال شخصية عابر على بشاعة الحرب الاهلية و الانحدار الاخلاقي و القيمي للمجتمع من خلال الانحدار الذي يصيب شخصية البطل متاثرا بالمناخ الذي يعيش فيه. دون مواربه او محاولة تخفيف يصف الكاتب بشاعة و قسوة و عبثية العصابات و مليشات الاحزاب التي كانت تسيطر على الاحياء و تقيم فيها شريعة الغاب فكل شيء مباح لمن يمكلك السلاح و ينطوي تحت لواء احد الزعماء : القتل العبثي، النهب، و حتي الاغتصاب. ثم ينطلق بعدها في نصف الثاني ليصف بكل دقة و تفصيل حياة عابر العامل في براد الموتي : اوصاف الجثث ؟ اشكال الجثث القادمة بعد تفجير عنيف و مشهد الاشلاء و اللحم المحترق ؟ طريقة تنظيف و الحشو ؟ البحث عن الاهل و الاحبة وسط الدماء و الاشلاء ؟ الحياة بصحبة الجثث ؟ الى لحظة انحدار قاسية اصابتني بالغثيان تمثل قمة انحدار النفس البشرية اترفع عن ذكرها هنا و لكنها مهمه لتوصيف و تصوير معاناة هذا الشاب الذي يجد نفسه في هذه المواقف البشعة. كما يكون البطل شاهدا و جزاد من حالة الفساد التي ضربت المجتمع اللبناني و لم يسلم منها حتى الاكثر الاماكن انسانية و القدسية “ المستشفى “ و اكثر الناس طهرا و نقا وهن الرهبات التي نذرن حياتهن لخدمة الرب و ابناء الرب. تتجلى في نص و من خلال شخصية البطل حالة الدولة و الكيان اللبناني الذي قادته الاقدار الخارجة ارادة و بمحض الصدف و لاسباب خارجة عن سيطرة الى ارذل و احقر الظروف على كل الاصعدة الانساينة، السايسة و الاقتصادية. ، كاننا نقرآ لبنان كل لبنان في حالة عابر ليطاني.
على ان لي بعض من الماخذ حول الرواية من الناحية الدرامية. على المستوى الدرامي تصبح المشاهد متتكرة بعد انتقال عابر للعمل في المستشفى كما يبدا الكاتب بتآسيس قصص حب غير مقنعة بين بعض شخصيات الرواية و التي لا تتطور و تنتهي الى لا شيء و كانها اقحمت اقحام في الرواية فهي لا تقدم اي جديد. كما ان الكاتب يقوم بتوصيف بعض الشخصيات باوصاف سرعان ما يتراجع عنها بعد فصول قادمة ؛ كما ان بشاعة بعض الفصول تخرجك من جوء الرواية و هو امر يمكن ان يكون شخصيا و خاص بالنسبة لي. على كل حال لا استطيع القول ان اغرمت في الرواية و او اثرت علي تاثير كبير . هي رواية ممتازة لا شك في ذلك و لكنها تفتقد لبعض العناصر التي يمكن ان تجعلها رائعة.
يحسب للراوية كذلك الجراة في اختيار النهاية و هي نهاية جريئة مليئه بالرمزية ربما ارد ان يمثل بها الروائي حال لبنان مرة اخرى التي لا تعرف بإذنب دمرت. كما انه هناك فصلين قراتها يمكن اعتبرها قمة العمل والخيال الادبي و فيهما كثافة و رمزية قاسية و هما فصلي حديث الحلم و قصة التابوت. ارجوا انت تقضوا وقت ممتع في قرائتها ابمكانكم شرائها من معرض مسقط للكتاب من دار منشروات ضفاف . تقع الرواية في ٣٠٤ صفحة.
تقيمي الشخصي: ٧/١٠
حمود السعدي …
تعليقات
إرسال تعليق