باب الشمس: ملحمة المأساة الفلسطنية ... قراءة نقدية



رواية باب الشمس هي الرواية الثامنه للروائي اللبناني الياس خوري وهي اول رواية اقرائها لهذا الكاتب. الرواية صنفت ضمن افضل مائة رواية عربية (ترتيب ٤٢) حسب قائمة اتحاد الكتاب العرب . الرواية باختصار يمكن تعريفها بانها رواية ملحمية تأرخ بدقة  لنضال الشعب العربي في فلسطين من ثورة الفلاح الفلسطيني سنة ٣٦ الى توقيع معاهدة اسلوا بين منظمة التحرير الفلسطنية و اسرائيل عام ١٩٩٤.   

تجسد الرواية من خلال قصة بطليها: دكتور خليل ويونس وكل من عرفاه في المخيم او في رحلة الكفاح الطويله ملحمة الكفاح الفلسطني من ثورة ١٩٣٦ و ما تلها من تسلط الوجاهات و بعض الثورين على الفلاحيين البسطاء ثم قضية بيع الاراضي لليهود و بعدها رحلة النزوح الكبير و حرب ٤٨ ثم معناة اللجوء في بلاد العرب و معاناة الحكم العسكري لمن بقوا في الداخل ، محاولات العودة المتتكره لارض فلسطين لمن تقطعت بهم السبل ، قايم الثورة الفلسطينية ، اجتياح لبنان،  الرحيل الى تونس، مجزرة صبرا و شاتيلا، حرب المخيمات ، صراع ياسر عرفات الاسد، انتهى الحرب الاهلية اللبنانية و بداية النفوذ و تسلط المخابرات السوريه على لبنان و المخيمات الفلسطينية و اخيرا انتهى الثورة بعد حرب الخليج و عودة المخيمات الى نقطة الصفر بعد افول نجم منظمة التحرير الفلسطينية.  

تبدا الرواية بخيم شاتيلا عام ١٩٩٤ بعبارة “ماتت ام حسن” و نبدا بقراءة حديث طويل يوجهه شخص لا نعرفه لشخص اخر على طريقة “مانلوج طويل” نتعرف من خلاله قليلا على ام الحسن و لماذا سبب موتها كل هذا الاضطراب في المخيم و في المتحدث ؟ يقول المتحدث انهم جميعا ابناء ام الحسن فقد كانت داية المخيم ولذلك فكل من ولد هناك نزلوا بين يديها. يبدا المتحدث بطرح الكثير من الاسئلة  حول من يحدثه و حول نفسه و نكتشف انا المتحدث هو دكتور او ممرض وهو مناضل سابق يدعى الدكتور خليل و ان الخطاب موجوه الى واحد من قدماء المحربيين الفلسطينين ويدعى يونس ابو سالم ، وان الاخير قد اصابته جلطة في الدماغ و دخل في غيبوبة ، و ان الدكتور خليل الي نشئ يتيم الابوين يعتبره بماثبة ملهم و اب بل وبطل قومي للشعب الفلسطيني. وفي محاولة يائسة و كملجأ طبي اخير يقرر الدكتور خليل ان الطريقة الوحيده التي يمكن من خلالها ان يعيد يونس الى وعيه هو انا يتحدث اليه و يحكي له حكايتات عن نفسه و يذكره بحكاية بطولاته صولاته و جولاته بين لبنان و الجليل في فلسطين. نعرف ايضا انه بسبب مقتل امراة كان يحبها الدكتور خليل تدعى شمس فانه مضطر للبقاء في المستشفى لانه متهم في التامر لقتلها وهو لذلك مهدد بالقتل من اهلها.  

تنقسم الرواية الى محورين رائيسين مع مجموعة كبيره من القصص القصيرة التي تتعلق بشكل مباشر و احياننا غير مباشر باحدهما: قصة يونس و قصة خليل. الرواية مكتوبه بصيغة “ المانلوج الطويل “ و تقع على لسان الدكتور خليل الذي يتحدث و لا يكتب فنراءه احيانا متناقضا يقفز من موضوع الى اخر متردد و يكذب نفسه يصحح نفسه و كذلك يسلم دفة الحديث في كثير من الاحيان الى الابطال الاخرين فتتحدث ام الحسن و معها وجع الهجره حلم العودة ووجع الزيارة، تتحدث شاهينه جدة خليل تتحكي قصص القرية قصة التهجير و القصف و الدماء قصص النوم في العراء محاولة العودة و الخيبة، تحكي نهيلة زوجة يونس عن الم الفراق صعوبة اللقاء و شقاء الحياة تحت الحكم العسكري، و يحكي يونس ليونس بلسان خليل عن يونس عن قصة الثورة و الهجرة قصة الحب و المغامره قصة الوفاء و النضال و يحكي غيرهم كثير. يتحول نمط الرواية احيانا من “المانلوج” الى القصة القصيرة يحكي فيها المتحدث حديث عابر عن كثير من الشخصيات التي عرفها او سمع عنها من ام الحسن، جدته شاهينه او يونس كل من هذه القصص تمثل حلقة من حلقات الجرح الفلسطيني و ما اكثرها. 

يونس هو مقاوم فلسطيني شارك في الثورة الفلسطينية سنة ٣٦ ثم اسس مع مجموعة من رفقاء النضال الاستحكامات للدفاع عن قرى الجليل و لكن في خضم الهزيمة الكبرى و الصراع بين الفلاحين و جيش الانقاذ من جهة و المجموعات الصهيونية من جهة ييتراجع مع مجموعاته الى سوريا بينما تبقى امه و ابيه الشيخ الصوفي الاعمى و زوجته نهيلة في احدى قرى الجليل فتنقطع السبل بينهم. فيبدا رحلات المغامره الخطره عبر الحدود اللبنانية الى الجليل للقاء حبيبة زوجته نهليه و يجتمع الاثنان دائما في احدى كهوف القرية يسميه هو بعد ذلك باب الشمس. يصبح بعدها يونس صاحب الشخصية القيادة و الكرزيما القوية احد المسوؤلين في حركة فتح. اما الدكتور او الممرض خليل فهو شاب ذكي ولد في المخيم و نشئ مع جدته شاهينة بعد مقتل اباه على يد المخابرات اللبنانية في حملات تصفية الحساب بعد الصراع الدموي اللبناني في ١٩٥٨و فرار امه الى عمان و اختفائها. يلتحق الشاب الصغير بحلقات تدريب الاشبال في حركة فتح و ثم و مع بداية الحرب الاهلية اللبنانية يغرق من رفقائه فيها و يصاب في احدى معاركها اصابته كبيره تحول محور حياته من مناضل عسكري الي طبيب بعد حصوله على دورة تدريبية في الصين. الممرض او الطبيب يصبح المسوؤل عن مستشفى الجليل و يصبح شاهد على وجع المخيمات اثناء الحصار الطويل للبيروت الغربية في اعقاب الاجتياح ثم يكون شهادا على مجزرة صبرا و شاتيلا و بعدها يعايش دمار المخيم و الحصار الطويل في حرب المخيمات. يتعرف خلال تلك الايام العصيبة من سنة ١٩٨٥ على امراة جميلة قوية الشخصية تدعى شمس و يقع في حبها و يقيم علاقة معها تمتد حتى مقتلها سنة ١٩٩٤. 

يحسب للرواية قدرتها على رسم الماساة الفلسطنية دون خجل او حذر. كل التفاصيل موجودة و بواقعية موجعه قي كثير من الاحيان. الوصف رائع تشاهد من خلال حديث خليل الشخصيات تتحرك امام عينيك،  تمشي مع المهاجرين في ذلك الهروب العظيم، تعيش معهم في العراء و البرد ، تشعر بالخوف يخترق اجسامهم في اثناء القصف ، تشاركهم ولو شعوريا حياة الشقاء و الحزن و الحسرة. لغة شاعرية رائعة نقد لاذع يآلم و بساطة لغوية من نوع السهل الممتنع. تملك الرواية بعض المشاهد الي يمكن اعتبرها اجمل ما قرآت في الادب العربي و اذكر منها على سبيل المثال لا حصر: عودة ام الحسن الى قريتها و لقائها بالمرأة الاسرائلية التي سكنت بيتها ، لقاء الدكتور خليل بصحفي لبناني اراد ان يكتب عن المجزرة و عرض عليه لقاء من احد القتله ، اعتراف نهيله ل يونس عن حياة الشقاء التي عاشتها بسبب لقائتهما في باب الشمس ، اخيرا مشهد الوداع الاخير تحت المطر. يحسب للرواية ان رغم حساسية المواضيع السياسية التي تتحدث عنها انها لم تغرق في خانة التنظير السياسي و الصراعات الفكرية ليس هناك نقاشات طويلة فكرية او سياسية فقط هنا حديث عن الماسآة عن وجع الناس. هنا حكاية الانسان المطحون بحياة الشقى و الالم و مشهد الدماء و الاشلاء. 

من الجهة المقابلة فان هناك بعض الماخذ التي يمكن تسجليها كنقاط سلبية في رواية الياس خوري. اولها هو الاسلوب السردي الذي كان عباره عن “منالوج طويل” و لكن في كثير من الاحيان يغلب الطابع الروائي او طابع القلم على اللسان فمحاولة قراءة الرواية على انها حديث يقوله البطل ليس واقعيا فلاحد سيتكلم بتلك الطريقة و او يقول كل ذلك الكلام اسلوب الكاتبة يختلف عن اسلوب الحديث المباشر و لكن في الرواية يغلب ما يمكن ان اسميه اسلوب القلم على اسلوب الحديت الطبيعي ليفهم كلامي حاولوا مشاهدة اداء باسل الخياط لشخصية خليل في فيلم الرحيل المقتبس عن الراية و ستجدون انه يصعب تقبل المكتوب على انه متحدث. الامر الاخر انه رغم اختلاف شخصيات الرواية بين متعلمين و غير متعلمين ، مدنيين و فلاحيين ، ثوررين و انسان عاديين فانه في معظم الاحيان نجدهم يتحدثون بنفس الطريقة و الاسلوب اللغوي اقوى مثال هما شخصيات ام الحسن، نهيله، و شاهينة التي هن في الاصل عبارة عن فلاحات شبه اميات لانهن يتقلبن بين الحكمة و الفلسفة من جهه و الجهل الايمان بالخرفات من جهة ، يقولن عبارات يصعب التصديق ان فلاحعامية ستقولها. اخيرا الشخصية النسائية الاقوى في الرواية و هي شخصية شمس تقع ضمن “كلشيات” الرواية العربية وهي المرأة التي تزوج صغيرة تتعذب في بيت زوجها ثم تصبح فجأة قيادية و ذات راي مستقل مسيطره على قلوب و عقول الرجال. 

رغم كل ذلك فالرواية من اروع ما قرات منذ فتره. صورت الرواية الماسأة الفلسطينية بكل تفاصيلها المره الرواية ستاخذك لعالم محزن كنت تحسب انك تعرفه و لكن صدقني سيفاجك في كثير من الاحيان. انها حديث مطول و صعب بين الدكتور خليل و قصصه و بين روح القارئ و مشاعره. 

الراواية تقع في جزئيين: مستشفى الخليل و موت نهيلة ، ٥٢٦ صفحة. 
تقيمي الشخصي لمن يهمهه: ٩.٥/١٠ 
حمود السعدي

     


    
    


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف