الرواية الفائزة بالبوكر العربي 2015 : قراءه نقدية للرواية الطلياني للكاتب التونسي شكري المبخوت
رواية الطلياني هي الرواية الحاصلة على جائزة البوكر للرواية العربية لهذا العام ٢٠١٥. الرواية هي للروائي التونسي شكري المبخوت. الرواية كانت اول عمل روائي اقراءه للكاتب تونسي. محور الرواية الرئيسي يمكن تلخيصة في ازمة اليسار العربي خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي.
تحاول الرواية من خلال شخوصها تسليط الضوء على وضع اليساري العربي عموما و التونسي خصوصا خلال مرحلة التغيريات الكبرى التي شهدها العالم في نهاية الثمانيات من القرن الماضي، مرحلة يمكن اعتبرها واحده من اخطر المراحل في التاريخ العربي المعاصر منذ معركة الايام الستة سنة ١٩٦٧. حينها كان الاتحاد السوفيتي حليف العرب الاكبر قد شارف على الافلاس، و كان الناصريون قد سحقوا في القاهرة نبض اليسار العربي، و كانت معاهدة كامديفيد قد وقعت ، و كان البعث العربي في سوريا و العراق قد تحول الى دكتاتورية لم تبق من تقدمية مشروع البعث غير الشعارات، و كانت الحرب الاهلية اللبنانية قد دخلت عنق الزجاة بتقسيم بيروت، ، و كانت اسرائيل قد عاثت فساد بها و بالجنوب اللبناني ، و كانت الثورة الفلسطنية قد فقدت كثير من زغمها بعد الحصارات التي تعرض له عرفات ومنظمته في بيروت و طرابلس بأيدي تدعي اتقدميته احيانا و بأيدي اسرائلية في احيان اخرى، كلها عوامل دقت مسامير نعش اليسار و المشروع التقدمي العربي ليصبح عنوان المرحلة الجديده صعود التيارات الاسلامية باتجاهيها البناوي و القطبي. تونسيا كان المجاهد الاكبر - كما يسميه الكاتب - قد شاخ و تسلسل اليه داء النسيان و ربما الخرف كما صور معارضية و كان الاقتصاد التونسي على حافة الانهيار و اشهار الافلاس و كان الصراع الخفي علي الخلافة قد بلغ ذروته و بالطبائع الامور كانت حملات القمع قد بلغت ذروتها كذلك.
تعتمد الرواية في سردها اسلوب الرؤية المجاوره اي السرد الذاتي و لكن بلسان شخصية ثانوية مهتمه و معنيه بفهم و تبرير ما آلت اليه حال بطل الرواية و محورها. لا نعرف عن القاص الا انه صديق حميم لابطال الرواية و انه كان موجودا في مشهد الذروة التي بدآت فيه الرواية. تعتمد الرواية اسلوب “ الفلاش باك “ و تبدا بالمشهد النهائي فيها او مشهذ الذروه ثم تحاول في الفصول الباقيه توضيح الاسباب التي ادت الى الوصول الى ذلك الحدث الكبير. تبدا الرواية بمشهد قيام عبد الناصر الملقب بالطلياني لوسامته - بطل الرواية - ذا التوجهات اليسارية المتشددة بركل علاله الدرويش شيخ الحي اثناء دفن والده سي محمود. يصاب جميع الحضور و كل اهالي الحي بالصدمه من ما حدث فرغم معرفتهم بشطحات الطلياني و غرابة اطواره الا انهم لم يجدوا مبررا مناسب لما فعل في اثناء جنازتة والده. لا يعرف احد سوى قاص الرواية الصديق السبب الحقيقي وراء ما حدث. فيقوم بكتابة و تسجيل الاسباب التي ادت بالطلياني لذلك الفعل الغريب من خلال رواية سيرة الطلياني منذ كان صغيرا حتى ذلك المشهد الغريب من حياته. نتعرف من خلالها لشخصية الطلياني التي يسمح لها القاص في كثير من الاحيان ان تأخذ زمام الامور و تروي عن نفسها ما عاشته.
تقسم الرواية سيرة الطلياني الى ثلاث مراحل رئسية: المرحلة الجامعيه، مرحلة العمل الصحفي و مشهد الجنازة الغريب. خلال المرحلة الجامعية يطلعانا القاص على انحدار حركات اليسار التي لم يبق منها غير مجموعة من التنظيمات الطلابية التي كان الطلياني زعيم احدها و صراعها مع الة القمع السياسي لدولة من جهة و القوى الاسلامية الشبابية التي اصبحت تسيطر بقوة على المشهد الجامعي و السياسي من جهة اخرى. تليها مرحلة العمل الصحفي و فيها يسلط الكاتب الضوء على حال الاعلام التونسي الذي كان حكوميا في معظمه خلال تلك الفترة المرتبكة و يركز على التحول و التلون الشديد التي عاشه خلال فترة الانقلاب الابيض الذي قاده بن علي او ما سمي بحركة التصحيح و الاصلاح في تلك الفترة على مبدا مات الملك عاس الملك. كلا المرحلتين شهدت بالاضافة الى الاضطرابات والتحولات السياسية لشخصية الطلياني ، الكثير من المطابات و الصدمات العاطفية التي ساهمت في تكوين الاطار الذي ادى بالطلياني الى ما فعل في ذلك اليوم.
يطلعنا الكاتب من خلال لغة سلسله و حوارات فكرية ممتعة و شيقة على حياة الطلياني خصوصا و حال المجتمع التونسي خلال تلك الفترة. تمكنك الرواية و دون اقحام لا مسوغ له من فهم حال الارتباك السياسي الذي كان عنوان تلك المرحلة من التاريخ التونسي المعاصر. نقاشات مطولة وشيقة تطرح اسئلة مهمه عن الثورة و المجتمع و الديمقراطية و حرية المرآة و تداخل السياسية ودين وغيرها من المحاور التي ما زالت مطروحة حتى الان و تنتظر الاجابة. نتعرف كذلك الاسباب التي عزلت اليسار التقدمي عن الواقع العربي و ادت الى اختفائه تمام من المشهد العربي المعاصر بعد ان كان في السبعينات و الستينات المحرك الاساسي للمشهد السياسي و الاجتماعي العربي. المبخوت في الرواية كان متمكن من ادواته اللغوية و حملت المشاهد العاطفية في الرواية الكثير من الشاعرية و الابداع. النقاشات السياسية و الاقتصاد كانت عميقة و لم تكن سطحية او عديمه الاهمية.
مع مواطن القوة التي ذكرنا انفا كان هناك الكثير و للاسف من مواطن الضعف هنا ساحاول ذكر بعضها. اولها هي شخصية الطلياني نفسه نعم فهمنا انه يساري و لكن لماذا؟ و كيف ؟ يغفل الكاتب الاجابة و يتعمق في الحياة العاطفية للبطل و تنقله من امراءه الى الاخرى لكنا نعجز مهما حاولنا ان تتماثل معه او نشعر بحزنه او حتى فرحة ، عاطفيا لم تحركني الراوية في اي مشهد ما عدا المشهد الاخير . بالاضافة الى ذلك فأن الشخصيه اليسارية لعبد الناصر ذات المغامرات العاطفية ليس شخصية جدية على الراوية العربية فقد تكررت في كثير منها و كذلك حبيته الفتاة الثورية متقلبة المزاج التي تمثلها شخصية زينة. اما اغرب الشخصيات فكانت شخصية نجلاء و التي تظهر بصفات مختلفة ومتنقاضة ثم انها تمر بمراحل تطور لا تحمل اي نوع من المنطق و تظهر و كانها اقحمت اقحاما في النص للحديث فقط عن فضائح انقلاب بن علي. الامر الاخر ان مشهد الذوره في بداية الرواية لم يكن بالقوة الي يجعلك متحمسا لمعرفة الاسباب. ثم ان - و هناك تكمن ما اراه اكثر مواطن الضعف - الفصول القادمة لم يكن لها علاقة مباشرة بذلك الحدث المحوري في البداية رغم ان القاص ما فتء في كل حين يذكرنا ان هذا هو الذي اداء الى ذلك الحدث الغريب. لنكتشف في الفصل الاخير السبب الرئيسي وراء ما حدث و هو امر لا علاقة له ابدا بجميع ما سبق من فصول اي انه يمكن الغاء جميع فصول حياة و مغامرات الطلياني (الثاني الى العاشر) و الإبقاء فقط على الفصلين الاول و الاخير ومع ذلك لن يكون هناك اي اختلال او عجز في فهم المحور الاساسي للقصة و بذلك فقدت بقية قصول القصة اي نوع من الاهمية ضمن الاطار العام للرواية وهو سبب قيام عبدالناصر بضرب الدرويش علالة في اثناء جنازة سي محمود. اخيرا لا يتضح لماذا يهتم الصديق الراوي بالطلياني كل هذا الاهتمام ؟ و يتكلف كل العناء في تبرير ما حدث له ؟
اجملا الروايه نجحت في توصيف المشهد السياسي العربي عموما و التونسي خصوصا خلال فترة الثمانينات وو بداية التسعيانات الا انها فشلت في ايجاد حبكة درامية قويه للتأطير رسائلها كما انها عانت من انعدام العاطفة رغم الشعارية في وصف المشاهد العاطفية. بمقارنة مع من سبقها في الفوز بجائزة البوكر فان هذه الرواية هي الاضعف و تسقط بالمقارنه خصوصا امام روايات مثل واحة الغروب و عزازيل و فرنكشتاين في بغداد.و مع ذلك فالرواية ممتعة و تستحق القراءة.
اكثر عباره اعجبتني في الرواية كانت لزينة في ردها على مجموعة من الطلبة الاسلاميين:
“ انتم ابناء الجهل المغلف بالبحث عن اصل كاذب لم يوجد ابدا ”
اخيرا الراوية تقع في ١٢ فصلا و ٣٤٢ صفحة.
تقيمي الشخصي لمن يهمه: 7/10
تعليقات
إرسال تعليق