قراءة نقدية لرواية الرولة للقاص و الصحفي العماني يوسف الحاج



انتهيت بالامس من رواية الرولة للكاتب و القاص العماني يوسف الحاج ، و هي الرواية الاولى لي لكاتب عماني خارج كتابات الروائي العماني احمد الزبيدي البائسه ـ من وجهة نطري . الاكيد ان الرواية نقلة كبيرة جدا بالمقارنة مع روايات احمد الزبيدي ، احوال القبائل ، امرأة من ظفار و سنوات النار ، على ان هذا ايضا لا يقول الكثير فروايات الزبيدي الثلاث التي قرائتها سابقا كانت ـ من وجهة نظري الصغيرة جدا و التي اعرف قدرها دون ان يذكرني بها احد ـ بائسه بصورة ازعجتني للغاية خصوصا اول روايتين ، الاخيرة كانت اشبة بالقصة القصيرة منها الى الرواية و ذلك موضوع اخر ليس مجاله الان . ما اريد ان ألخصه في هذه المقدمة السريعة هو ان الرواية بالنسبة لي كانت نقلة نوعية في مقابل ما قرأت سابقا من روايات عمانية على انها نقلة لا تخلو ايضا من هفوات كثيرة سواء على مستوى الدراما و الشخصيات و الاحداث او على مستوى اللغة و التركيب. 

تحكي قصة الرولة ـ و هي بالمناسبة اسم شجرة معمرة تكثر في القرى الساحلية ـ حكاية الصدام الطبيعي بين ثقافتين او بالاحرى بين جيلين ، جيل المتنويرين الذي يكافح للتغير و نشر التعليم و المساواه و العدالة الاجتماعية و جيل الرجعيين الذي يمثله تحالف رجال الدين مع الرأس ماليه و الذي يرفض اي نوع من التغير في فترة من انشط فترات التاريخ العماني الحديث وهي مرحلة بداية النهضة خلال سبعينات القرن الماضي. تدور احداث الرواية على لسان طفل في مقتبل العمر يشهد صراع القرية الصغيرة بين والده القادم من الهجره و الساعي للتغير مع صديقة موسى ، القروي شبه الثوري ، الذي يستخدم النكته و اللسان الحاد سلاح في صراعاته ، مع شيخ القرية الاستقراطي و و تابعة و نسيبه خليفة و امام المسجد معلم الكتاتيب. يدخل في خضم الصراع شخصيات ثانوية مثل جلال ، المحارب القديم الذي يجد ان الدولة حرمته من حقوقة في مقابل شيخ لم يقدم للبلاد ما قدم ، و ود جابر المتعلم الذي هاجر القرية في شبابة ودرس في الخارج و الذي يقدم على القرية لدعم والد الراوي ـ الذي لا يذكر اسمه او اسمه ابنه على ما اذكر ـ و موسى في صراعتهم. 

يمرر الكاتب من خلال الرواية و من خلال الحوارات التي تدور بين ابطالها خصوصا والد الراوي و موسى او بينهم و بين ود جابر الكثير من الرسائل السياسية بالاضافة الى الرسائل النقدية للوضع المرأة العمانية و حريتها و استغلال رجال الدين التقليدين للدين و الفهم المؤدلج و المصلحي له المتحالف في العادة مع الرأس ماليه و الاستقراطية القديمة ممثلتا بشيخ القرية ، فتعامل مع الكفار مثلا محرم حين يكون المتعامل هو موسى المكسين الذي يسعى لفتح دكان في مقابل دكان الشيخ . الامر نفسه يحدث عندما يطرح مشروع بناء المدرسة و هي القضية التي تصل معها الرواية الى ذروة صراعها بدعوى درء باب المفاسد و الكفر و الالحاد لانها تهدد سطوة المعلم القاسي للعقول اهل القرية و الذي تتأكد من خلاله سطوة الشيخ بالفتاوي الجاهزة مسبقا.

ينجح والد الرواي و موسى وود جابر في النهاية في مشروع انشئ المدرسة بعد ان يجد الشيخ نفسه مضطرا للتأقلم مع الاوضاع الجديدة التي تعيشها البلد الا انه في نفس الوقت يجد الفرصة للاستفاده و التكسب من هذا المشروع . الا ان الرواي و في لفتة رائعة جدا قد تكون القمة في الرواية يأكد في المشهد الاخير ان هذه ليست آخر المتعاب لابطال الرواية و ان رحلتهم في طريق التنوير و الحرية لم تنتهي بعد و انهن انما انتهوا فقط من صراعهم الاسهل مع الرجعية المتخلفة و التقليدية و ان المشوار الاصعب امامهم و الصراع الحقيقي سيكون في مواجهة جيل جديد من الاسلامين المتعلمين و القادمين من الخارج :
و تزامن ذلك مع عودة البعض من الغربة بعد سنوات قضاها في دول الجوار . اكثرهم عاد ملتحيا الى سرته بدشداشته القصيرة و سبحته الصندل التي لا تفارق اصابع يده مع البسملات و الاذكار …. و ارتياد المسجد في غير اوقات الصلاة و الانشغال بإصلاح المجتمع من الضلال … “   

محور الرواية جيد و موضعها مهم و ربما لم يطرح ادبيا على مستوى محلي ، الا ان الرواية لا تخرج من القصة المتعارف عليها ادبيا في الصراع الطبقي بين الشيخ ، العمدة في ادبيات اخرى المتحالف مع معلم الكتاتيب و امام مسجد القرية ضد التنويرين المتعلمين من اهلها فبخلاف الالفاظ المحلية الدارجة التي نتنشر في الرواية لا تخرج الرواية من الفكره العامة الخارجية للتعطي صورة محليه حقيقية لها ، فجأة القصة و كانها تتحدث عن مشهد خارجي الا انها صبغة بالفاظ عمانية في محاولة لجعلها محلية ، بصراحة لا تحضرني العبارات الصحيحة لوصف ما اشعر به و لكن هذا هي مقاربتي البسيطة للقصة ” the story felt to me like it has been enforced from outside “ .

 اما بالنسبة للرسائل السياسية و النقدية التي اراد الكاتب ايصالها من خلال روايته ، فالرغم انها في معظمها صائب و مهم ، الا انه جاء مفتعل و متصنع و متشوه وغير حقيقي و تعليمي اكثر من الالزام  في سياق الرواية. الامر الذي اخرجني من جوها فالرواية تتحدث عن شخصيات قروية بسيطة الا اننا نجدها تقارب قضايا اصلاحية بصراحة معاصرة و جديدة على المجتمع العماني و يتضح فيها الاثر الرجعي ، بل وجدتها تقاربت مواضيع فلسفية حول فهم الايات القرانية و السنة النبوية و هي بتأكيد مقاربات حديثة لم تكن مطروحة بصورة حقيقة في تلك اللحظة خصوصا في المجتمع العماني البسيط في القرية. 

على ان ماخذي الاكبر في الرواية قد يكون على شخصيات الرواية المبالغ في سطحيتها ، كل الشخصيات ، باستثنى موسى الذي كانت تحمل في بعض الاحيان ملامح مشروع كركتر حقيقي ، جاءت كرتونية و احادية البعد ـ one diminssinal ـ تنقسم بشكل صارخ بين الابيض و الاسود ليس هناك اي منطقة رمادية ـ اجمل مثال للشخصيات التي تقع في البقة الرمادية شخصيات رواية افراح القبة التي انتهيت منه قبل فترة وجيزة ـ على الاطلاق فهناك المثاليون الطيبون جدا و هم الاب و ود جابر و هناك الاشرار الذي لا يحملون اي ذرة للاخلاق ممثل الشيخ و خليفة و المعلم و حتى المغتصب الذي يتسبب بمأساة درويش يكون اخو خليفة . هناك ايضا شخصية الرواي و الذي كان طفلا الا انه يحمل في الرواية كلاما اكبر بكثير من حجمة في بعض الاحيان اقرب مثال الكلام عن عودة الرجال المتحين الذي ضمنته سابقا، بينما نشعر بعمره في احيان اخرى ـ اعني ان القصة لم تتأتي و كان الراوي يتذكر طفولته بل كأنه يعيشه. اخيرا في مجال المآخذ ، هناك الكثير من الاحداث التي تحدث و لا نستفيد منها و لا تأثر على الاطار العام للقصة فقط هي موجوده للتكثيف النظرة السلبية المأخوذه على شخصيات الرواية خصوصا شخصية خليفة و هي شخصية كرتونية بكل المقايس تصلح لقصص المشعوذات في قصص الاطفال. 

اخيرا لابد من التعليق على للفيل الكبير في الغرفة حسب التعبير الانجليزي و هي الضجة الكبيرة التي اثارتها الرواية بدعوى الايحات الجنسية المحملة فيها ، الحقيقة ان الرواية ليس بها اي ايحاء او مشهد جنسي مصور ابدا هناك علاقات غير شرعية يتحدث عنها و لكن ليست هناك اي اوصاف تفصيلة مجرد قول فقط و ليس هناك اي ألفاظ خادشة للحياء . و المشهد الذي قد يجده البعض صادما هو حدث اغتصاب درويش و من ثم انتحاره ـ spoiller alart ـ و قد جرى الحديث عنه دون تفاصيل فقط يوجد الطفل مذهولا و معفرا بالتراب تحت الرولة و نعلم ان احد الشباب و هو بالمناسبة اخو الشرير خليفة قد غرر به ثم اغتصبه ، وهذه القضية ليست و غريبة و لا دخيله بالطبع على مجتمعنا و اقرب مثال مقطع الفيديو الذي انتشر اخيرا.    

في المجمل تحمل الرواية بذور مشروع ادبي ناجح و ان كانت محملة للاسف بالكثير من الهفوات التي يغتفر بعضها و لا يغتفر الاخر. بالمناسبة نسيت التعريج على اللغة و الاسلوب ، اللغة في معظمها مباشرة و هناك بعض الجمل البلاغية و الجديدة الا انه و في الوقت نفسه هناك الكثير من الجمل البلاغية المفتعله و الذي تيضح فيها التصنع و التي ايضا اخرجتني من جو الرواية. هذه وجهة نظري الصغيرة و التي اعرف قدرها و التي اعلم ان الكثيرين قد يخالفوني فيها و هذا حقهم و ارجوا فقط ان يحترموا حقي في ابداء رأي المتواضع في العمل مع الاحترام الكامل للكاتبه.       

الرواية منشورة عن دار السؤال ، الطبعة الاولى ٢٠١٥م. تقع الرواية ١٥٧ صفحة. 
تقيمي الشخصي: ٦.٥/١٠ 

مر ١٥٤ يوما و ٣٣ كتابا ، القادم هو ثاني الروايات المترشحة للقائمة القصيرة لهذا العام بعنوان البيليات للروائي الكويتي إسماعيل فهد اسماعيل . 



حمود السعدي 

لمتابعة الجديد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم