قراءة نقدية لرواية “ أولاد الغيتو ـ اسمي ادم “ للروائي اللبناني الياس خوري
انتهيت بالامس من قراءة الرواية الاولى من الروايات الست التي تشكل القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لهذا العام و هي الرواية التي اعتقدت قبل قرائتها انها من الروايات الأوفر حظا بجانب رواية موت صغير لنيل الجائزة الكبرى لهذا العام ، و بعد انتهائي من قرائتها تعزز اعتقادي ليس بسبب جودة الرواية مقارنة بغيرها بل بسبب الموضوع التي تناقشة و تطرحة والذي اعتقد انه سيجذب اللجنة التي تتكون في معظمها من كتاب فلسطينين خصوصا اذا اخذنا توجهات الجائزة في السنوات الماضية. الرواية بكل اختصار هي النسخة الأفضل من رواية مصائر : كنشورتو الهولوكست و النكبة و التي فازت بالجائزة في العام الماضي ، فثيم الرواية يتمحور حول فكرة “ ان يهود في اسرائيل اسسوا نجاحهم من خلق يهود لهم “ و فكرة انتاج الضحية للضحية ، بالاضافة الي حياة الفلسطيني في المهجر الغربي و حياتهم داخل اسرائيل بعد النكبة و هي نفس المواضيع التي طرحتها رواية مصائر.
تبدأ الرواية بخدعه معروفة و هي انا كاتبها “ الياس خوري “ يلتقي بطل الرواية آدم دندون في مطعم في نيويورك عن طريق طالبة كورية لديه اسمها سارنغ لي لها علاقة حميمة بآدم دندون ، ثم بعد فترة يسمع الكاتب ان آدم دندون مات محترقا في شقته و كل ما بقي من الشقة مجموعة من الاوراق كتابها لنفسها و طلب حرقها معه . الا ان سارنغ لي لا تفعل ذلك و تحاول حل طلاسمها بنفسها الا انها لا تستطع فهم ما فيها. فتقرر اعطائها لالياس خوري الذي يقرر ارسالها دار الاداب لنشرها دون ان يضيف اليها شيئا غير العناوين و لذلك تأتي الرواية و كأن كاتبها هو آدم دندون. تنقسم الرواية الي ثلاث اجزاء مختلفة اولها هي مسودة روائية اراد ادم كتابتها عن احد الشعراء المشاهير في العصر الاموي يدعى وضاح اليمن ، يعتقد انه قصته تقارب قصته شخصيا و قصة الصمت الفلسطيني . القسم الثاني من الرواية هي قصة آدم دندون الشخصية التي وعاها و فيها تمهيد الي القسم الثالث و الأهم من الرواية و هي حكاية غيتو اللد التي قضى فيها في آدم عامه الأول وهومعتقل في معتقاو الغيتلتي اعتقل فيها الفلسطينين الذين بقوا في اللد بعد النكبه لمده عام كامل تحت حكم عسكري متسلط شبيه بالمعتقلات النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
تقدم الرواية و علي خلاف الكثير من الادب العربي الحكاية المأسوية للفلسطينين الذي قرروا البقاء في بلادهم بعد النكبة و هي حكاية للاسف مسكوت عنها سواء على مستوى الدراسة او الذاكرة او على مستوى الثقافة و الأدب. يعيش سكان الغيتو في اللد خلال السنة الأولى من قيام الدولة العبرية جريمة من اكثر جرائمه قسوة حين يجبرون على العيش في معتقل كبير محروم من ابسط مستلزمات الحياة ، فلا حليب لاطفالهم و لا ادوية للعالج و لا حتى ماء صالح للشرب ، في الوقت الذي يجبرون فيه علي تنظيف و نهب باقي المدينة التي كانوا من سكانها حتي وقت قريب. يقدم الراوي في فصلة الاخير من الرواية و هو كما قلت الفصل الاهم المشاهد القاسية التي عاشها سكان الغيتو في ايام تنظيف المدينة من الجثث المتعفنة ، و ثم يضعك امامك صورة سينمائية لاكثر مشاهد الرواية قسوة وهو مشهد حرق الجثث الفلسطينية المتعفنة على ايدي اهل الغيتو حيث يقول على لسان حد شهود تلك الايام بعد خمسين سنة :
“ هل تستطيع ان تتخيل معنى ان يبدأ صباحك برائحة الجثث المحترقة ؟ صار عمري اكثر من سبعين عاما و هذه الرائحة ترافقني ، علي كل صباح أن اخرج إلى الحديقة حتى لو كانت الحرارة ١٥ تحت الصفر ، اخرج كي اتنشق الهواء و ابدد الرائحة “
بالاضافة الي ذلك يقدم الكاتب في رواية دراسة نقدية لمعظم الادب الفلسطيني الذي يعالج موضوع النكبة ، بل و نجده المسيطر الاكبر على معظم الرواية ابتدا من رجال في الشمس لغسان كنفاني و مرورا ابراهيم جبرا و اميل حبيبي و محمود درويش بل يمتد حديثة الي الادب الاسرائيل و كيفية تقديمة للنكبة.
الا انه مع الاسف و رغم حساسية و اهمية الموضوع التي يطرحه الياس خوري في رواية و علي الرغم من الشاعرية و الجمال الاخاذ التي كتبت بها الا ان الكاتب يقع في كثير من الفخاخ التي تخرج القارئ من جو الرواية سوى على مستوى الدراما و الاحداث او على مستوى تركيب و نص. فالرواية مثلا مكتوبه باسلوب المانلوج الطويل و للاسف فانه جاء مملوء بالتكرار المثير للضجر فقضية علاقة بطل الرواية و انفصاله عن حبيبته اليهودية يكاد يكون حاضر في معظم الكتاب و هذا و نحن اصلا لا نعرف عنها شيء و لا نعرف عن سبب هذا الانفصال الذي يبدو اني يشكل جزء كبيرا من شخصية البطل و احد اكثر المأثرات عليه .
بالاضافة الى ذلك يتصف النص بالاحالات الكثيرة الى كتاب و شعراء اخرين و نقاشات ادبية مقحمة كثيره على النص خصوصا اقامحه نفسه و رورايته باب الشمس فتظهر بشخصيتها و كاتبها كثيرا في رواية و هو للاسف اقحام وجدته برتنشيس و يذكرني بالمصادفة باقحام ربعي المدهون نفسه في رواية مصائر . باختصار يمتاز النص بالاسهاب الغير محمود و المثير للمل في مواضيع ليست مهمة ضمن حبكة الرواية فيأتي على حساب الشخصيات و الاحداث حيث يترك الرواي الكثير من الاسئلة المهمة مفتوحة كعلاقة بطل الرواية بدالية و ما حدث بينهما و علاقة ذلك كله بشخصية وضاح اليمن فرغم تكرار اسمها كثيرا و ذكر افتراقهما الا ان لا نعرف كيف تم تلك العلاقة و كيف تتطورت و لماذا انتهت ؟ . بصراحة يمكن حذف اكثر من نصف الرواية و مع ذلك لن تفقد اهم ما جاد فيها و لعله كان مجديا للكاتب ان يهتم بقصة الغيتو بدل من ذلك الاسهاب المقحم في الرواية اقحاما فضا مثل قصة وضاح اليمن او رواية باب الشمس او شخصية الكاتب نفسه ـ اقصد الياس خوري .
بالاضافة الي ذلك تنعدم من الرواية الشخصية المستقلة فرغم تعدد شخصيات و ابطال الرواية الا انها كلها تتحدث بالبلاغة و الثقافة نفسها و هو امر وجدته ايضا مع الياس خوري في رواية باب الشمس ، فخوري للاسف يكتب دائما بصوت واحد و ان كان هذا الصوت رائع و لغته فريدة و افكاره متميزه و عميقة الا انه متكرر في كل الشخصياته مهما اختلفت ثقافتها و مستوها التعليمي و الاجتماعي الكل يتحدث في الرواية بنفس الصوت وهو امر ليس معقولا بطبيعة الحال .
على كل حال الحقيقة انه هناك المثير جدا جدا مما يمكن الثناء عليه في الرواية و كما ان هناك الكثير ايضا مما يمكن ان نحمله عليها و هي حالة تجعلني بصراحة حائرا في اطلاق حكم نهائي عليها . ربما كان كل ما استطيع قوله في النهاية انها من الروايات التي تجمع الكثير من الافكار و الرسائل و الاحداث المهمة لكنها للاسف تضعها ضمن قالب سيء يضعف منها بعض الشيء . تظل مع ذلك الرواية من الروايات التي اعتقد انها الاوفر حظا بالفوز بالجائزة هذا العام غير ان استحقاقها للجائزة قد يكون موضع شك حقا.
الرواية بين يدي هي الطبعة الثانية ٢٠١٦ منشورة عن دار الآداب و تقع في ٤٢٣ صفحة .
تقيمي الشخصي: ٧.٥/١٠
مر ١٤٠ يوما و ٣٠ كتابا ، القادم هو رواية افراح القبة لنجيب محفوظ .
تعليقات
إرسال تعليق