قراءة لرواية الباقي من الزمن ساعة لنجيب محفوظ



أعود لعالمي المفضل بعد انقطاع دام السنة والنصف، والذي أعقب انتقالي إلى موقع جديد في العمل تطلب مني التركيز في القراءات الخاصة بالوظيفة الجديدة. وكان من الطبيعي أن تكون العودة كما كانت دائما مع إحدى روايات نجيب محفوظ لأن الفن الذي يقدمه محفوظ يعيدك بكل سلاسة إلى الأجواء الرائعة للقراءة، إلى ذلك الإحساس الرائع الذي ينتابك وأنت تقلب الصفحات؛ حيث تبتعد عن عالمك الحسي المادي إلى عوالم جديدة وشخوص جديدة وتجارب إنسانية جديدة تتماهى معها، وتفرح وتحزن وتحب وتكره وتفقد وتشتاق، والأكيد أن لا أحد يأخذك إلى تلك اللحظة الفريدة كنجيب محفوظ. 

في روايتة ذات العنوان الفريد والذي يكاد يكون رواية في حد ذاته "الباقي في الزمن ساعة"، يقدم نجيب محفوظ مرثيته الكبرى للهبوط الذي شهرته مصر الحديثة – من وجهة نظره - خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ويقدم رسالة الحب والوفاء لحزب الوفد ولنحاس باشا في مقابل الهجوم القاسي الذي يشنه على جمال عبدالناصر وعصره، عصر الخوف كما يسميه، و نظام السادات وعصر الانفتاح. ومن خلال متابعة الأحداث التي تعصف بثلاث أجيال من عائلة من الطبقة المتوسطة، والتردي التي يعيشه منزل العائلة الكبير في حلوان بل حي حلوان بالكامل والذي لا يخفاء الرمز فيه بالطبع لحال مصر كما شاهدها نجيب محفوظ. 

ويمكن تقديم قراءتين لرواية نجيب محفوظ "الباقي من الزمن ساعة" الأولى سياسية وهي ما اختلف معها تماما، وإن كنت أتفهم جوانب منها. والثانية الدرامية والإنسانية والإبداعية والفنية والتي أعتقد أنها لا تقل عن أي من أعمال نجيب محفوظ السابقة.

على الجانب السياسي فيغلب على كتابة نجيب محفوظ الحزبية الشديدة وتحيزه للوفد متغاضيا عن كل أخطاء عصر الملكية وحكومات الوفد من الفساد والتحالف مع الإقطاع، ثم التعاون مع القوى الاستعمارية. في حين يهاجم عبد الناصر وعصره بصورة مغالية ورغم أنه وضع شخصيتين ناصريتين قدم من خلالهم شيء من الدفاع عن وجهة النظر الناصرية إلا أنها كانت مما لا يعتدبها، وغالبا ما تنكسر أمام الحجج التي يقدمها الجانب الآخر.

على الجانب الفني يقدم نجيب محفوظ حكاية إنسانية غاية في الروعة يقدم من خلالها شخصيات عميقة متعددة الجوانب يمكن في كثير من الأحيان التماهي معها انها شخصيات إنسانية من تلك التي تعيش بيننا في حياتنا اليومية، حيث يخرج بها نجيب محفوظ من الكليشيهات المعهودة في الكثير من الكتابات الأدبية إلا أنها ليست شخصيات مكرورة متشابة، فلكل منها أبعادها المتعددة سواء الإنسانية أو المهنية أو حتى السياسية. و لا يكتفي نجيب محفوظ بسيرة الأجيال الثلاثة بل يقدم حكاية البيت الذي يمكن اعتباره أحد شخصيات الرواية، والتي يعيش تحولات كبرى من ثورة 1919 إلى عصر الانفتاح تتمهى مع التحولات التي يعيش المجتمع المصري.

الرواية بطبعتها الجديدة نشرت عن دار الشروق، الطبعة الأولى منشورة ١٩٨٢، والطبعة الأولى لدار الشروق منشورة ٢٠٠٦ ، بين يدي الطبعة الخامسة ٢٠١٧م. تقع الرواية في ١٥١ صفحة. 

 

تقيمي الشخصي: ٨.٥ /١٠

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف