قراءة لرواية ظل الريح لكارلوس زافون
لعله لم تحظَ سلسلة روائية قريبا بالاحتفاء والحظوة في الأوساط الثقافية والشعبية العالمية والعربية – وحتى المحلية العمانية - كتلك التي حصلت عليها سلسلة مقبرة الكتب المنسية للروائي الإسباني كارلوس زافون. وقد اقترح علي الكثير من الأصدقاء الاطلاع وقراءة هذه الروايات، كما قرأت في هذا الفضاء وفي غيره من المواقع المهتمة بالحراك الأدبي الكثير من الإطراء لهذه المجموعة الأمر الذي حمسني كثيرا لخوض غمار هذه التجربة والتي تختلف كليا عن الكتابات التي أقرؤها في العادة.
تدور أحداث الرواية حول دانييل وهو طفل يتيم - فقد أمه في العاشرة - وواحد من أبناء الطبقة الكادحة الاسبانية، يعمل مع أبيه في بيع الكتب في اسبانيا في منتصف الأربعينات من القرن المنصرم. تصل إلى يدي الطفل الصغير رواية لكاتب اسباني مغمور يدعى خوليان كاركاس بعنوان ظل الريح عن طريق مكتبة غامضة تحفظ فيها كل الكتب الآيلة للاندثار يأخذه إليها والده بعد اعترافه بعدم قدرته على تذكر وجه أمه المتوفاة.
يقع دانييل في غرام الرواية وكاتبها ويأخذ في البحث عن قصة الكتاب والكاتب وهي قصة غريبة وغامضة تحمله خلال العشر سنوات القادمة في رحلة شائقة لاكتشاف الذات في عالم الغموض والجريمة من برشلونة إلى باريس ومن بداية القرن العشرين إلى نهاية النصف الأول منه ومن أحياء الفقراء في برشلونة إلى قصور الأغنياء ومن ساحات الحرب الأهلية إلى أقبية المخابرات وأوكار الفساد في اسبانية فرانكوا ما بعد الحرب الأهلية الاسبانية.
على الاعتراف منذ البداية أنني لست من محبي هذا النوع من الكتابات إلا أنني قررت منذ البداية أن أعطي النص حقه، وكانت البداية حقيقة مشجعة جدا، كما أن لغة وأسلوب زافون الذي يضع أمام قارئه خصوصا من عشاق الكتب مثلي الكثير من الاقتباسات والعبارات الرائعة حول الكتاب ساهمت في زيادة حماسي للكتاب والرواية. غير أن النص وبعد ١٠٠ صفحة الأولى بدأ بالنسبة لي يفقد الكثير من الوهج الذي تميز به في البداية فمن التضخم غير المبرر للغز إلى الشخصيات الكرتونية والتقليدية من البطل الصغير إلى الصديق المظلوم المضحك والفيلسوف معا وجدت نفسي أفقد ارتباطي مع النص وشخصياته شيئا فشيئا.
أضف إلى ذلك أن الحوارات التي لفتت نظري في بداية الرواية أخذت تصبح أكثر فأكثر دعائية وتزييفا pretentious ، ببساطة وقع الكاتب في فخ المبالغة في البحث عن العبارات الرنانة التي تمنى أن تصبح اقتباسات شهيرة وانتهى بعزل شخصياته عن قارئه. كما أن الشخصيات في معظمها أخذت تتحدث بنفس اللغة والأسلوب الفلسفي على الرغم من الاختلافات الكبرى لخلفية كل منها.
أخيرا، هناك النهاية أو الحل للغز التي جاءت بصورة مباشرة ومزرية حقا على شكل رسالة تضعها إحدى الشخصيات لدانييل، حيث يفشل الكاتب فشل ذريعا في وضع اغلاق كل الأسئلة التي طرحها في البداية كما يفشل وهناك مشكلة الرواية الكبرى في تبرير التصرفات والتقلبات التي تعيشها معظم الشخصيات خصوصا شخصية فوميرو – عدو كاركاس الرئيسي - التي وقعت في خانة الكليشيهات المعروفة. هذا بالإضافة إلى " التغير غير المتوقع للأحداث " الذي يقع في نهاية الرواية -plot twist - والتي كانت واضحة جدا حيث أنك إذا لم ترى تلك الانقلابة منذ نهاية النصف الأول من الرواية فهذا يعني أنك حقا لم تكن تحاول.
يؤسفني حقا القول في المحصلة أنني في النهاية وجدت نفسي أمام عمل شعبوي هزيل ذكرني بالكثير من أفلام ومسلسلات الغموض والجريمة التي تبدأ في أغلب الأحيان بداية ذكية الى أن يبدا اللغز فيها بالتضخم، والحبكة بالاتساع بصورة تتجاوز قدرة أي كاتب على إغلاقها إغلاقا مرضيا وغالبا ما تكون النهاية والحلول التي يضعها الكاتب فجة وتقليدية وغير متناسقة بتاتا مع حركة وشخصيات الرواية/الفيلم/المسلسل في البداية الأمر الذي يجعل تلك النهاية في الأغلب مخيبة جدا للآمال. ولعل أجمل تعليق يختصر مشاعري اتجاه رواية ظل الريح هو ما كتبه أحد الكتاب في واحدة من الصحف الشهيرة حول الرواية حيث يقول "أنني بدأت الرواية وأنا أشاهد أمامي غابرييل غارسيا ماركيز إلا أنه في منتصف الرواية خلع القناع وإذا به دان براون". ولهذا فعلي القول أنه إذا كانت بقية روايات مقبرة الكتب المنسية بنفس هذا المستوى فإنني سأكتفي شاكرا بهذا القدر من أعمال الكاتب الراحل كارلوس زافون.
أخيرا، لا بد من لفت النظر في النهاية أن هذه هي تجربتي الأولى مع المترجم السوري الشاب معاوية عبدالمجيد وهي ترجمة جزلة ورائعة ستجعل هذا الرائع في مقدمة المترجمين العرب المعاصرين الذي أتوقع أن يترك بصمة كبيرة في عالم الأدب المترجم .
تقيمي الشخصي:٦/١٠
يقع الكتاب في ٥٥١ صفحة ، بين يدي الطبعة العربية الرابعة ترجمة معاوية عبدالمجيد، عن منشورات الجمل.
القادم الزمن الموحش لحيدر حيدر
تعليقات
إرسال تعليق