قراءة لرواية النبيذة للكاتبة العراقية إنعام كجة جي
انتهيت قبل أيام من قراءة رواية النبيذة للكاتبة العراقية انعام كجه جي ، و هي الرواية الثانية التي أقرؤها للروائية بعد روايتها الجميلة الحفيدة الامريكية، و هي روايتها الثالثة التي تترشح للقائمة القصيرة لجائزة البوكر. و قد أثارت الرواية الكثير من اللغط العام الماضي حين قاطعت الكاتبة حضور حفل إعلان الفائز بعد تسريب فوز رواية بريد الليل رغم الاعتقاد العام الذي كان ينظر على أنها أقوى الروايات المرشحة والأجدر بالفوز . على أن علي القول أنه و بعد قراءة خمس من الروايات الست المرشحة للبوكر فإني أتمسك باعتقادي أن رواية شمس بيضاء باردة لكفى الزغبي هي الأجدر و الإجراء و الأفضل وأما رواية النبيذة فإنها وإن لم تكن في مستوى بريد الليل فإنها بكل تاكيد و من منظور قارئ بسيط ليست أفضل بكثير.
تقدم انعام كجه جي في روايتها و من خلال شخوصها تاريخ موجوز للعراق الحديث حيث تتقاطع حياة أبطال الرواية مع شخصيات رسمت تاريخ العراق الحديث من الوصي على عرش العراق الأمير عبدالاله إلى رجل العراق القوي نوري السعيد و من ثم عدي صدام حسين في العصر الجمهوري كما كان للرئيس الفنزولي الأسبق هوجو تشافيز شيء من الحضور القوي . تدور أحداث الرواية حول ثلاث شخصيات رئيسية هي تاج الملوك و هي الصحفية العراقية - ذات الأصول الإيرانية - لامعة الصيت التي تحملها الأقدار مع شيء من الجمال و الدهاء لدوائر الحكم في العراق في العهد الملكي فتنعقد الصداقة بينها و بين الأمير عبدالاله و رجل العراق القوي نوري السعيد لتصبح صحفية القصر الأولى ، إلا أن وقوفها إلى جانب حركة الوثبة التي قامت ضد المعاهدة البريطانية العراقية تقطع ما بينها و بين سلطة الحكم في العراق فتجد نفسها مضطرة إلى الهجرة إلى كراتشي لتعمل في إذاعة كراتشي العربية.
و هناك تلتقي تاجي ببطل الرواية الثاني و هو الشاب الفلسطني القادم من عالم اللجوء منصور البادي و الذي يعمل معها في الإذاعة لمدة عام، يعيشان فيه قصة حب خفية لا تكتمل حروفها يتجه بعدها منصور إلى فنزويلا فينجح بها ليصبح مستشار و سفير للهوجو تشافيز و تهاجر تاجي إلى فرنسا لتتزوج من ضابط استخبارتي فرنسي كبير تبدأ معه حياة جديدة في عالم الجاسوسية و الخفاء. أما بطلة الرواية الثالثة فهي وديان الملاح العازفة في السمفونية العراقية و التي تحملها الأقدار رغما عنها إلى المجموعة القريبة من عدي لتنتهي بعد رحلة عذاب صماء منبوذة تهاجر بعدها أيضا إلى فرنسا حيث تلتقي بتاجي هناك.
تنجح الرواية كما أسلفنا في تسليط الضوء على تاريخ العراق المعاصر مقدما من خلال الفتاتين القادمتين من جيلين مختلفين صورة للعراق الحديث في العهدين الملكي و الجمهوري و معاناة العراقيين و عذابتهم في ظل الحكمين ، فحكم الملكية كان رغم الانفتاح و شيء من الحرية مشوها بالتبعية للاستعمار و الرضوخ للشروط لينتهي بمشاهد الدماء و الاعتقال و الاغتيالات أثناء ثورة الوثبة و ما تلاها من أحداث . أما الحكم الجمهوري فلم يكتفي فقط بالاستبداد السياسي و تعذيب المعارضين و دخول المعارك الفاشلة التي جلبت الويلات على العراق و شعبه فقد كان بالإضافة إلى ذلك كله يقف على رأس سلطته عدي صدام حسين أو ما تسميه الروائية بالأستاذ الذي فتح أبوه أمامه كل الأبواب لممارسة سيادته على الشعب العراقي. إلا أن الرواية و للأسف لم تقدم و ربما لم تحاول تقديم صورة عميقة و ثلاثية الأبعاد لشخصيات مشهورة فظلت تلك الشخصيات رغم حضورها الطويل في الرواية شخصيات ضمن الإطار السطحي لم تخرج الروائية في معالجة شخصياتهم خارج الإطار المعروف و المشهور عنهم. كما لم تنجح في رسم شخصياتها الرئيسة التي جاءت في بعض الأحيان مبتورة و نمطية نوعا ما فوجدت من الصعب بل و من المستحيل تكوين شيئا من الرابط العاطفي اتجاها أو حتى الاهتمام لمصيرهم.
على الجانب السردي تتعدد الأصوات و الأساليب في الرواية بين شخوصها الرئيسية و راويها العليم الذي تتحداه وديان في نهاية الرواية. كما أسلفنا تمتد أحداث الرواية منذ بداية القرن العشرين حتى العقد الأول من الألفية الجديدة و قدت تميزت الروائية في قدرتها على النقلة الانسايبة بين الماضي و الحاضر و بين الفلاش باك و الفلاش و فورورد حسب التعبير السينمائي دون إشعار القارئ بالحيرة و هو أمر أعتقد أنه صعب و يحسب للكاتبة هذا النجاح. على الجانب الآخر تميل الروائية إلى الحشو في أحيان كثيرة دون أن يقدم شيئا جديدا سواء على مستوى الشخصيات أو الأحداث و يمكن ببساطة حذف ١٥-٢٠٪ من الرواية دون أن يتأثر أي شيء فيها كالحديث عن الفراهيدي في أحد الفصول أو محمد علي جناح في فصل آخر.
إجمالا الرواية جيدة و ممتعة في بعض الأحيان إلا أنها و للأسف ككثير من الروايات المعاصرة forgutable و لا تقدم جديدا لا على مستوى الفكرة و لا على المستوى السردي و رغم نجاحها الملفت في النقل بين الماضي و الحاضر إلا أنني اعتقد أني لن أتذكر شيئا من شخصيات أو أحداثها بعد عدة أشهر. تصوري الشخصي أن الروائية أرادت تقديم رواية لتاريخ العراق المعاصر فلم تنجح ربما بسبب طول الفترة التي أرادت تغطيتها أو كثرة المشاهير الذين أرادت ذكرهم في تقديم دراما مشوقة لشخصيات واقعية ، فهذا الكم من الأحداث لا يسعه رواية من ٣٠٠ صفحة و لو أنها اتخذت من رائعة فؤاد التركلي “ الرجع البعيد “ مثلا والذي جعل من قصة عائلة عراقية واحدة في مرحلة مفصلية من تاريخ العراق مدخلا لدراسة مرحلة مهمة من تاريخ العراق الحديث و مدخلا لاستشراف مستقبله و ما آل إليه.
تقع الرواية في ٣٢٥صفحة ، بين يدي طبعة إصدار دار الجديد الطبعة الرابعة ٢٠١٩.
القادم رواية فردقان ليوسف زيدان.
تقيمي الشخصي:.٧/١٠
تعليقات
إرسال تعليق