قراءة لكتاب حرب الجبل الأخضر (١٩٥٧-١٩٥٩) لعلي محمد الريامي.



يقدم علي الريامي لأول مرة ربما حسب علمي رحلة في يوميات حرب الجبل الأخضر و هي الحرب التي تعرضت بقصد أو بدون قصد للتغيب من سطور التاريخ العماني الحديث، كما تعرضت لإهمال الباحثين في عمان والخارج. رغم أنها كانت النهاية الرسمية لأكثر من ألف و ثلاثمائة عام من حكم الإمامة في عمان، هذا إلى تعطش العمانيين -وخصوصا الشباب- منهم لمعرفة المزيد عن خبايا هذه الحروب التي أنتجت الدولة العمانية المعاصرة، وهو الأمر الذي يشهد عليه النجاح المعقول لهذا الكتاب فقد تصدر المبيعات في مكتبة روازن و نفدت النسخ عدة مرات، على الرغم من العيوب الكثيرة التي يزدحم فيها النص، و الملاحظات الكثيرة حول البحث التي تبدأ من الأخطاء اللغوية والتشتت الكبير في النص و اللغة، ولا تنتهي مع ضعف المعالجة والتحليل للأحداث. هذا بالإضافة إلى التضخيم الكبير لزخم الثورة مع التحيز الكبير لها و لشخصيات معينة فيها الأمر الذي أفقد الباحث ـ و هو ما يطلقه الكاتب على نفسه  ـ النظرة النقدية و المصداقية  المطلوبة في بحوث من هذا النوع.
ينقسم الكتاب إلى ست فصول كالآتي: 
  • فصل تمهيدي يقدم فيه الكاتب تعريف بجغرافية وطبيعة وتضاريس الجبل الأخضر و هي توطئة مهمة تعين القارئ على فهم يوميات الحرب و الأسباب التي أدت إلى استمرارها لأكثر من عام ونصف. 
  • الفصل الأول: يركز الكاتب فيه على انطلاق الصراع بين إمامة عمان منذ اكتشاف النفط في داخلية عمان و السلطان سعيد بن تيمور التي تبدأ مع سيطرة السلطان على عبري، و تنتهي بسقوط عاصمة الإمامة نزوى في يد السلطان وإنزال الإمامة في مسقط رأسه ببلاد سيت و خروج طالب الغافري إلى السعودية. 
  • الفصل الثاني: يغطي الكاتب في هذا الفصل انطلاق شرارة الثورة مرة أخرى ضد حكم سعيد بن تيمور في داخلية عمان. انطلاقا من ثورة الشرقية التي قادها ابراهيم الحارثي و التي انتهت نهاية مأساوية قبل أن تبدأ، ثم بداية ثورة الجبل الاخضر بقيادة طالب الهنائي مرورا بانقلاب سليمان بن حمير على السلطان والتحاقه بالثورة، ثم سيطرة الثوار السريعة على معظم مناطق الداخلية في وقت قياسي و التي لم تدم طويلا مع التدخل البريطاني بالدعم اللوجستي و الاستطلاعي ثم إرسال كتائبها إلى ساحة المعركة و بداية إعادة السيطرة على المنطقة الداخلية وسقوطها مرة أخرى في قبضة السلطان، ليتنهي الفصل باعتصام قيادة الثورة “ غالب و طالب و سليمان “ في الجبل الاخضر و بداية المرحلة الأطول في الثورة مرحلة “ حصار الجبل الأخضر “.    
  •  الفصل الثالث: في هذا الفصل يركز الكاتب على استراتيجيات الحرب لدى الثوار و السلطان مرورا بالخطط الحربية التي وضعها البريطانيين لاقتحام الجبل و الأسباب الداخلية و الدولية التي أدت إلى تأجيل اقتحام الجبل واستمرار الصراع لأكثر من عام ونصف.
  • الفصل الرابع: يأخذك الباحث في هذا الفصل في الأيام الأخيرة لثورة الجبل الأخضر بدءا بالهجمات التضليلة التي بدأت في الخامس من يناير ١٩٥٩، ثم بدأ الهجوم الأخير و عملية الاقتحام الرئيسية للجبل الاخضر في “ تمام الساعة الثامنة والنصف ليلا يوم الخامس والعشرين من نفس الشهر التي استمرت أكثر من أربعة أيام حين حدث التقهقر السريع لعناصر المقاومة وهروب قادة الثورة سرا إلى المملكة العربية السعودية دون إخبار بعض الجيوش التي استمرت في المقاومة حتى صدمت بنبأ الهروب. 
  • الفصل الخامس : في الفصل الأخير من الكتاب يركز الريامي على نتائج الصراع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على عمان و سكان الجبل الأخضر، ثم على الأسباب والعوامل التي أدت إلى فشل الثوار و التي كانت تلخيصا و مراجعة لدراسة أعدتها جبهة ظفار في مراجعتها لأسباب فشل ثورة الجبل الأخضر ، وهي:
  1. ضعف قيادة الثورة و اعتمادها في الجوهر على التحالفات، والولاءات القبلية، وشخصيات لم تكن محل رضى أو إجماع شعبي فقد كانت تمثل ” قوى الإقطاع في عمان الداخل، فسليمان بن حمير مثلا كان يرى الجبل الاخضر إقطاع خاص به، يمكنه التحكم و التصرف فيه بممتلكات الناس. 
  2. غياب البرنامج السياسي الواضح للإمامة الذي افقدها القدرة على تعبئة الجماهير حولها سواء في عمان أو الوطن العربي الذي كان منطقة غليان كبرى.   
  3. تحالف قيادة الثورة مع المملكة العربية السعودية و التي كان لها تاريخ من الأطماع في عمان التي لم تكن بعيدة عن الضمير العماني بالإضافة إلى التناقض الذي أحدثه و التشويش الناتج عن تحالف الإمامة الإباضية مع الدولة الوهابية، و هو الأمر الذي استغلته قوى السلطة في دعايتها و نجحت إلى حد كبير في تصوير الإمامة وأتباعها على أنهم مأجرون للحكومة السعودية.
  4. أخيرا ، ضعف قوى الثورة من ناحية العدد و العتاد و غياب التدريب العسكري هذا بالاضافة إلى افتقاد قيادة الثورة أي خبرة عسكرية يمكن الاعتماد عليها في مواجهة قوى الاستعمار القديم 
  •  و أخيرا يمرر الكاتب سريعا على التغطية الإعلامية للثورة و الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا في هذا الصراع حيث يتحدث الكاتب على لسان مسؤول بريطانيا أن الغارات البريطانية خلال عامي الثورة بلغت أكثر من ألفي غارة أسقط خلالها ١٧٥٠ طن من قنابل شديدة الانفجار، هذا بالاضافة إلى ٣٨٤٣ صاروخ أطلق، و أربع مائة ألف قذيفة أسقطت عشرات القتلى و الجرحى بين صفوف المدنيين و الثوار، و تدمير ما بين ٥٠-٩٠٪ من مساكن سكان الجبل.

ينجح الكاتب في تقديم دراسة عن يوميات الحرب جبل الأخضر وهي الحرب التي غُيّبت بقصد مقصود من التاريخ العماني المعاصر مستندا في ذلك إلى مجموعة من الدراسات العربية و الغربية، بالإضافة إلى مجموعة من المقابلات مع شخصيات عاشت أحداث الصراع و عايشت بعض أبطال هذا الصراع إلا أني كنت أتمنى على الكاتب نشر نص تلك المقابلات في ملحق الكتاب بدل الاعتماد على مقتطفات منها ليتسنى للباحثين تقيم مصداقية هذا الأحاديث و الاستفادة منها في دراسات قادمة. على الجانب الآخر يفتقد الكاتب القدرة على ترتيب أفكاره، فنجد الكتاب في كثير من أحيانه مشتت خالي من السلاسة والاتصال، كما أن الكتاب يزخر بالكثير من الهفوات اللغوية و القفزات الغريبة  في النص، الأمر الذي يجعل القارئ مشتتا في بعض الأحيان ومضطرا لمراجعة الجمل عدة مرات للخروج بالفكرة التي يريد قولها. يفتقد الكتاب أيضا للحياد المطلوب في مثل هذه الأبحاث، وهذا الذي أفقد الكاتب المصداقية خصوصا عندما استند بسرده للأحداث والأرقام إلى مقتطفات لمقابلات غير منشورة.

في النهاية هناك الكثير من ما يمكن القول عن حرب الجبل الأخضر و صراع الإمامة و السلطان واعتقادي الشخصي أن هذا الصراع باختصار كان صراعا بين الماضي المحنط و الاستعمار البغيض. فانتصار أي من الفريقين كان في الحقيقة خسارة للشعب العماني والكيان العماني فهما خيارين أحلاهما مر ولذلك لم تنجح تلك الثورة في إحداث أي تغير على المستوى الشعبي أو على مستوى السلطة -على خلاف ثورة طفار التي أنتجت التغيرات الكبرى في ١٩٧٠-  و لعل لسان حال المواطن العماني المهمش في نهاية ذلك الصراع “ لا أحزن على ما فات، و لا أفرح بما هو آت “ . 

تقع الكتاب في ٣٥٧صفحة ، بين يدي طبعة إصدار دار الفرقد الطبعة الأولى ٢٠١٨. 
القادم رواية سيدات القمر لجوخة الحارثي .

حمود السعدي 

للمزيد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف