قراءة لرواية الباغ للكاتبة بشرى خلفان




لعلي لا أجازف إذا قلت أن رواية الباغ للكتابة العمانية بشرى خلفان هي أفضل رواية عمانية قرأتها إلى الآن ـ وهي قراءات محدودة جدا ـ في التأريخ لفترة حكم السيد سعيد بن تيمور و بداية حكم السلطان قابوس سواء على المستوى الفني ، أو الدرامي أو حتى الدقة التاريخية. 

تتناول رواية الباغ مرحلة من أكثر مراحل التاريخي العماني الحديث داينميتا و زخم في الأحداث ، استطاعات بشرى خلفان بحرفية و نضوج ينعدم في كثير من الروايات العمانية أن تجمع و دون إقحام غير مسوغ له دراميا بين حال القرى و الولايات العمانية و سيطرة مجتمع القبيلة فيها، و بين ظلم الدولة السعيدية في مناطق سيطرة السلطان سعيد. كما أخذت قارئها من خلال شخصياتها خلال حروب العمانين في منتصف القرن الماضي ابتداءً من غزو السعوديين للبريمي مرورا بسقوط الإمامة، ثم ثورة الجبل، ثم ثورة ظفار دون أن يطغى البعد التاريخي على البعد الدرامي، فالرواية لا تتبع الصراعات التاريخية بقدر ما تسخر تلك الصراعات كخلفية للصراعات التي تعيشها شخصياتها و التغيرات التي تمر بها تلك الشخصيات.    

تنطلق الرواية من قرية في الرستاق في بداية الخمسينات من القرن الماضي ، حين يخرج أبطالها وهم راشد و أخته ريا من القرية هروبا من ظلم أهلها باتجاه مسقط باحثين عن حياة جديدة في تلك المدينة التي سمعوا عنها. يصل الأخوان إلى مسقط التي تأخذنها ببراعة فائقة بشرى خلفان بين حارتها و أسواقها و قلاعها و بحرها بوصف في غاية الدقة و الجمال، وهو ما يحسب للكاتبة. تحمل الصُدف الأخوين باتجاهين مختلفين فتتزوج ريا من كاتب في ديوان أحد السادة بينما ينضم راشد لجيش السلطان. يخوض راشد حروب السلطان المختلفة من البريمي إلى نزوى حتى جبال ظفار ، بينما تنشغل ريا في حياتها الجديدة في مجتمع مسقط الغني و المتنوع  و تقيم خلالها علاقات قوية مع الشرائح المختلفة في المجتمع المسقطي المختلف كليا عن مجتمع القرية التي عاشت فيها طفولتها. في الجزء الثاني من الرواية تختفي شخصية راشد بعض الشيء، و تبرز شخصية جديدة وهي زاهر بن علي (ابن ريا)، الذي يسير على خطى خاله في رفض الظلم وإن كان ظلم الدولة هذه المرة ، فيهاجر زاهر البلاد للكويت لاستكمال تعليمه، و هناك يلتقي بالناصريين و الشيوعيين فيعود إلى بلاده محملا بافكار جديدة و محاربا للظلم الذي أصبح خاله أحد أدواته فيقف في الصف الآخر من جبال ظفار. 

تشدك الرواية بقدرتها العجيبة على الغوص في التفاصيل الدقيقة للحياة العمانية في تلك الفترة بل إن هذا الوصف يمكن اعتباره إن صح التعبير إحدى أبرز مميزات الرواية إن لم تكن ميزتها الرئيسية، و هو أمر يتيح للقارئ العربي التعرف و بدقة على التفاصيل اليومية للحياة العمانية . كما تلعب الرواية بالإضافة إلى تغطيتها الدقيقة لتفاصيل المجتمع العماني على ثيمات العدالة و الظلم و الثورة و عجلة التاريخ التي تأخذ الإنسان دون إدراك منه في موجة من التقلبات فيصبح في نهايات الرواية في موقع مناقض تماما لبداياتها.
على أن الرواية لا تخلو من بعض الهفوات لغويا و دراميا؛ فشخصيات راشد و ريا لم تكن بذلك العمق الذي يشد القارئ و يدفعه إلى التعاطف أو التفاعل معها. و جاءت الفصول بل النصف الأول من الكتاب باهتا و مملا بعض شيء ، هذا بالاضافة إلى الكثير من الشخصيات التي جاءت مبتورة كشخصية البيبي و بناتها و عائلة العود. على نقيض من ذلك جاء الجزء الثاني بشخصيات أكثر نضجا كشخصية زاهر، وظهرت شخصيات لبضع صفحات جاءت بعمق لم يوجد في فصول الرواية الأولى، و بقي ظلها يخيم على الرواية حتى نهايتها؛ كثائر الذي قابله زاهر على سطح الباخرة عائدا إلى مسقط بعد هزيمة ٦٧. 

 أضف إلى ذلك أن أحداث الرواية جاءت في كثير من الأحيان متوقعة ـ predictable - فالقارئ يستطيع بكل سهولة التنبأ بالأحداث بل بمحور الرواية بشكل عام، و هو ما يثبط أي قارئ، كما أن الكاتبة لم تحسن على الإطلاق تقسيم فصولها خصوصا في النصف الأول من الرواية فالفصل يبدأ و ينتهي دون أن يدفع القارئ لقراءة ما يليه، وقد تناقص هذا الأمر في الفصول الأخيرة من الرواية، و قد يعود ذلك إلى قوة الشخصيات و عمقها في الفصول الأخيرة. أخيرا و حتى لا أطيل  تحفل الرواية بالكثير من الحوارات الكرتونية والأحداث المفتعلة و التي تكون في بعض الأحيان محورية في الرواية و أبرز مثال و دون تفاصيل : الطريقة التي انظم فيها راشد لجيش السلطان. 

بالنسبة لي كانت الرواية نقلة عن كل ما قرأته سابقا من الكتابات العمانية الأدبية وإن لم تخلو من بعض الهفوات إلا أن الرواية شهدت نضوجا كبيرا في فصولها الأخيرة دفعني إلى الترقب و بكل لهفة للقادم من أعمال بشرى خلفان. اتركك مع مشهد أعجبني في بداية الرواية عند دخول لراشد و ريا إلى مسقط: 
“ قلعتان و سور و أبراج منتشرة على رؤوس الجبال، يكاد يشم في الهواء رائحة خوف قديم، خوف معتق. “بلاد بنيت على الخوف” يهمهم راشد لنفسه ثم يسألها: ترى هل يتوارث الخوف؟” 

تقع الرواية في ٣٣٤ صفحة ، بين يدي طبعة إصدار مسعى للنشر و التوزيع الطبعة الثانية ٢٠١٨. 
القادم كتاب حرب الجبل الاخضر لعلي الريامي . 
تقيمي الشخصي:.٧.٥/١٠ 


حمود السعدي 

للمزيد ارجو فتح حساب الأنستجرام: hamoodalsaadi

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لكتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف