عمان الانسان و السلطة ... قراءة نقدية لقراءة سعيد الهاشمي
تمهيد
سعيد الهاشمي هو” باحث و كاتب” عماني و هو ناشط سياسي و حقوقي تعرض للتضييق و تم اعتقل عده مرات و صدر في حقة حكم بالحبس لمده عام ونصف العام بتهمة التجمهر قضى منها اربع اشهر قبل ان يصدر عفو عن جميع المعتقلين في قضايا التجمهر و الاعابه. بوضع كل هذه العوامل و العواصف التي مرت بحياة الباحث يمكننا فهم و تفهم قراءته للمشهد العماني المعاصر و كذلك للتقيمه للكل من المجتمع و الحكومة خلال العقود الماضية.
الكتاب بالاصل عبارة عن مجموعة دراسات منشوره سابقا جمعت مرة اخرى بين دفتي كتاب. يقع الكتاب في اربع فصول يحاول فيها الكاتب دراسة ما يعتبره اهم المراحل و العواصف السياسيه الداخلية التي كونت المشهد العماني الحالي بداية مع دراسة “ تجربة اليسار العماني “ الممتده من اشتعال الثورة في جبال ظفار في منصف سيتينات القرن الماضي الى اخر مؤتمر للجبهة الشعبية للتحرير عمان عام ١٩٩٢ ثم تجربة الاسلاميين التجربة الشيعية المتآثرة بالثورة الايرانية و التجربة السنيه التابعة لحركة الاخوان المسلمين و التجربة الاباضية الداعيه للاعادة الامامه ، اخيرا تجربة الشباب و ما يسميه الكاتب “ الربيع العماني” الذي جاءت ضمن ثورات ما يعرف بالربيع العربي.
تجربة اليسار … لا جديد
كما اسلفنا فقد خصص الباحث الفصل الاول من كتابه و هو اكبر الفصول حجما ( يقارب نص الكتاب ) لدراسة حركة اليسار في المشهد العماني المعاصر الذي اعتبرها ـ و اتفق مع ـ المحرك الرئيسي وراء التغير الكبير الذي شهدته البلاد في ٢٣ من يوليو عام ١٩٧٠م . يبدا الباحث اولا بتعريف اليسار بالمجمل و اليسار العربي خصوصا و العلاقة بين حركات اليسار العربية و بين الشيوعيه و الماركسية منتهيا الى ان كثير من احزاب اليسار العربي ـ قبل هزيمة عام ١٩٦٧م ـ تمايزت فكريا عن لنينة الاتحاد السفويتي خصوصا في موضوع العلاقة بالدين و مادية التاريخ و كونت في معظمها حركات قومية تحمل على عاتقها هموم الاستقلال و الوحدة والتحرر الوطني. بعدها اتجه الباحث للحديث عن الحالة العمانية خصوصا مبتدئا في تفصيل الاسباب التي ادت لانطلاق شرارة الثورة في ظفار و سبب توجهاتها اليسارية: “ الاستبداد السياسي و الانغلاق الاقتصادي التي عاشت عمان طوال سنوات حكم السيد سعيد بن تيمور، الحرمان و الاقصاء الاجتماعي، الاستعمار الانجليزي، هجرة الشباب للعمل و التعلم في دول الجوار، انتشار التيار اليساري في المنطقة و العالم، الحرب البارده، ظهور شخصيات اقليميه تقدم بمجتمعاتها الى الامام مثل الملك فيصل و عبدالله السالم و زايد بن سلطان ، فشل تجربة التغير عن طريق الامامه ، غياب الحوار بين طرفي الصراع السلطة و الحركة الناشئة ” . لا جديد في الاسباب التي سبق ذكرها كما انه لم يقدم اي جديد ايضا في سياق التحليل بالاضافة الى انه غفل - سهوا او عمدا ـ عن مجموعه اخرى من الاسباب التي كان لها دور كبير في انطلاق الثورة وتوجيه مسارها اذكرها منها مثلا: الصراع العربي الاسرائلي، ثورة ١٩٥٢ ، وصول جمال عبدالناصر للحكم في القاهرة ، انتصار العرب مدعوما بالاتحاد السوفيتي في معركة السويس، نشوء حركة قوميه تدعو للتحرر الوطن العربي تحت قيادة النظام الناصري، الوحدة بين سوريا و مصر ، الصراع بين الملك فيصل و السلطان سعيد و من خلفه الانجليز على النفوذ خصوصا في واحة البريمي و بعض مناطق شرقية عمان ، انطلاق الثورة الفلسطينية. جميع ما سبق عوامل استغرب انها سقطت من دراسة الباحث خصوصا اهماله لاي دور للنظام الناصري فقوله انه من الاسباب هي ظهور شخصيات مثل الملك فيصل و زايد هو امر مستغرب لان الثورة ستدعو للاسقاط جميع هذه الانظمة التي اعتبرها انظمة رجعية تابعه للاستعمار في حين انه اهمال الدور المحوري للشخصية عبدالناصر و افكار الوحدة و الاشتراكية التي رفعها النظام الناصري رغم ان الخلاف حول العلاقات مع نظام عبدالناصر كان من الاسباب الذي قسم الثوار و ادى الى ضعف الثوره بعد هزيمة ١٩٦٧م.
بعد ذلك اتجه الباحث الى الى ما اسمه “ رصد اهم الحركات اليسارية العمانية “ وهو عبارة عن موجز بسيط عن كل الحركات اليساريه التي نشأت في عمان مبينا عام انشائها اهدافها و منطلقاتها و في بعض الاحيان يتحدث عن ما قدمته و عن مصيرها مركزا بطبيعة الحال على الحركات التي كان لها تاثير حقيقي مثل: جبهة تحرير ظفار التي انبثقت منها الجبهة الشعبية للتحرير الخليج ـ بعد هزيمة ١٩٦٧ ـ و الجبهة الديموقراطية للتحرير عمان و جبهة الشعبيه للتحرير عمان و الخليج و الجبهة الديموقراطية العمانية. في خضم هذا الحديث كانت هناك اشارات بسيطة للعلاقة بين الحركات الثورية في عمان و الجبهة الشعبية الفلسطنية رغم التقارب الفكري الكبير حتى من خلال التسميات و حتى في الصرعات فالجبهة الشعبية انقسمت الى الجبهة الشعبية ذات التوجهات القومية بقيادة جورج حبش و الجبهة الديموقراطية ذات النزعة الشيوعية بقيادة نايف حواتمه.
اخيرا ركز الباحث على الاسباب التي ادت الى انهيار و اختفاء حركات اليسار من المشهد السياسي العماني و التي قسمها الى اسباب داخلية لها علاقة بطبيعة النظام العماني و طبيعة المجتمع العماني و طبيعة الحراك اليساري: “ البنية الاجتماعية المرتكزه على الولاءات القبيلة، الافكار الماركسية، الخلافات الشخصية ، عدم قراءة التحولات السياسية، الخلافات الفكرية الداخلية و التي ادت الى تصفيات داخلية و اخيرا ظهور نفط . لم يغفل الكاتب الاسباب الخارجية التي كانت لها العامل الاكبر في القضاء على الثورة و على التنظيمات اليسارية العمانية: “ هزيمة ١٩٦٧م ، عدم قراءة الانسحاب البريطاني من شرق قناة السويس، تناقض الدعم الصيني-السوفياتي، الانقسامات في التظيمات اليسارية العربية، تزايد الدعم الخارجي للنظام، ظلال الحرب الباردة، الثورة الايرانية، الحرب العراقية- الايرانية اخيرا انهيار الاتحاد السوفياتي”. اغفل الكاتب مرة اخرى اثر تغير الموقف المصري بعد موت عبدالناصر و تحولات التي جاء بها انور السادات بعد حرب اكتوبر و فض الاشتباك في الوضع العربي بشكل عام و الوضع العماني بشكل خاص. فعملية السلام و التحالف السادتي الامريكي ضد الحليف السابق الاتحاد السوفيتي و اضعاف الاحزاب القومية اليسارية و الناصريه في مصر و ما تبعها ذلك من عودة نجوم الاحزاب الدينية التي استخدمها السادات في صراعة مع الحركات اليسار المصري جميعها تحولات كبيرة اثرت على المشهد العربي و المشهد العماني بالاضافة الى اغفال الكاتب اثر الدعم الامريكي و الذي تبع خروج الامريكان من الفيتنام مع خلال تفاهمات مع الاتحاد السوفيتي. اجمالا الكاتب لم يضف جديد عن تصوراتي للمشهد اليساري العماني و اسباب نشائته و اسباب سقوطه و لكنه مع ذلك بحث مهم للمواطن العماني الذي لم يطلع على اي شيء عن هذه الحقبة المهمه و المحورية في التاريخ العماني و التي على اساسها تتشكل كثير من السياسات العمانية على المستويين الداخلي و الخارجي مما يساعده على فهم و تفهم بعض قرارت صانع القرار العماني في هذه المرحلة الخطيرة من التاريخ المعاصر . تبقى الاشارة مهمه و هو ان العداء المسبق لكل ما هو حكومي غلب على تحيلله ففي حديثه تجاهل اي دور ايجابي حكومي كما انه فشل في النقد فكر و افعال الحركات اليسارية كما تجاهل تصور المجتمع و الدولة العمانية في حالة نجاح الثورة.
تجربة الاسلاميين … تجاهل للكوارث
توجهه الكاتب بعد قراءته لتجربة اليسار في المجتمع العماني الى حقل الغام كبير مع دراسة لتجربة الاسلاميين السياسية في عمان و لحقيقة لا ادري هل تغلب على قلم و عقل الكاتب العداء للحكومة او مجاملة الاسلاميين او الخوف من نقمة الاسلاميين و المجتمع العمانيين ـ المتددين كثيرا ـ او ربما توجه اسلامي عند الباحث ، على كل حال فالبحث من وجهة نظري ـ الصغيره ـ اصيب بكثير من الهفوات بل و حتى السقطات في اطار حديثه عن هذه الموجموعات ابتدا من التمهيد الذي يريد ان يخفف من خلاله الوطئ عبر حديثه عن ان الاسلام دين الدوله و المجتمع العماني المتدين و المتسامح الذي لا يقبل و لن يقبل الفتنة ـ لا اعرف كيف يصدق الباحث مثل هذه الترهات رغم كل ما يحدث في عالم العربي - ثم اخذه ادعى هذه المجموعات انها مجموعة دعوية و تربوية و ليس مجموعات مسيسة و انتهائه انه الحلول التي اتخذتها الحكومة اتجاها كانت حلول خائطة و اقتراح اعطائها المجال الرحب للتعبير عن افكارها متجاهل الاخطار الكبرى الناتجة عن وجود مثل هذه الجماعات الرجعية الردكالية سوى على وحدة المجتمع و امنه الاجتماعي او على الحريات الفردية. لم اجد في دراسه اي نقد لمجموعات التيار الاسلامي التي نشآت في عمان و رغم اشارته ان كل منها نشاءت في مناطق التكلات المذهبية الا انه هذه النقطة لم تحظ لديه للقراءه و تعمق و انما ذكرت هكذا جزافا و كانها حادثة عرضية لا تاثير لها. ان اغفال الباحث لهذا النقطة التي تدل على طائفية هذا الاحزاب و خطرها على السلم الاهلي ثم ادعائه انها جوبهت بعنف رغم ان كل المتورطيين تم العفو عنهم ـ و هو امر خطير كان لا يجب ان يحدث - بل تم اعادتهم الى مناصبهم و بعضهم الان يحتل اعلى المناصب الدينية للدوله ـ وهو امر مستغرب و مستنكر . كما اغفل الكاتب نقطة ارتباط بعض هذه الاحزاب بانظمة و جماعات خارجية ذات طابع دولي تعتبرها كثير من الدول العالم مجموعات ارهابية خطيرة و ما سيجلبه هذا الارتباط من اختراق للهذه الدول و المنظومات للمجتمع و الدولة العمانية كما سيبرر تدخل بعض الدول بادعاءات مذهبية كما حدث في العراق و سوريا. اخيرا ان القول ان المجتمع محصن من الفتنة المذهبية لهو امر غبي و عار عن الصحة فهذه المقولات كررها غيرنا كثيرا ثم سقطوا في هذه الهوه السحقية و لذلك فعلى الدولة و من يعتبرون انفسهم مثقفين او لبيراليين ان يقفوا ضد هذه المجموعات و يفضحوا للمواطن المتديين البسيط الاخطار التي ستجلبها عليه بدل ان يدافع عنهم او يطالب بسماح لهم بعرض افكارهم الهدامه. ان القضاء على الاسلام السياسي في عمان و العالم العربي يجب ان تكون مهمة الدوله و المثقفين احدهم بالسلاح اذا تتطلب الوضع و الاخر بالقلم و الكلمه.
الربيع العماني … هل مازال الوقت مبكرا
اخر فصليين من الكتاب خصصهما الكاتب للتجربة تكون المجتمع المدني في عمان و احداث ما يعرف بالربيع العماني في النصف الاول من عام ٢٠١١ . تكون و مفهوم المجتمع المدني في عمان هو امر جديد على المواطن العماني و لذلك فانا نحتاج للكثير من الوقت للدراسة النتائج المترتبه عليه و ملاحظة انجازاته و لكن مع ذلك فمن الجيد قيام الباحثيين بدارسة متواصلة لاوضاعاه. قدم الباحث هنا شرح تفصيلا عن حال و تاريخ المجتمع المدني في السلطنة مبينا “ دوافع اقامة و بناء مجتمع مدني “ و اهم المعوقات التي تقف حجر عثرة امام تطوره . الفصل الاخير من الكتاب كرسه الكاتب للتجربة ما يعرف بالربيع العماني مبتدا بالاسباب التي ادت الى تلك الحركة الاحتجاية ثم النتائج الايجابية و السلبية للتلك التجربة. الفصلين الاخيرين كان الافضل حسب راي خصوصا مقارنة بدراسة الحركات الاسلاميه. و لكن على كل حال فدراسة ما حدث في عمان خلال الفترة من مارس الى مايو ٢٠١١ تحتاج لقراءة جديده تتخذ قواعد الدراسة العلميه النقدية اسس لها و تخرج من متلازمتي مجاملة الحكومة و مجاملة الشباب و المجتمع. ان صناعة مجتمع ديمقراطي مدني يجب ان يبدا بالمصارحة بين المثقف و المجتمع قبل الدولة و يجب ان يخرج المثقف العربي من مربع مجاملة الشعوب و من مجاملة الاسلاميين و افكارهم.
اجمالا الكتاب جيد و لكن به سقطات كثيره خصوصا في تعامله مع الاسلاميين وهم الذين يشكلون حجرة العثره و الخطر الاكبر الذي يمنع مجتمعاتنا من اقامة حياة مدنية و ديموقراطية. ان كون هذا الكتاب حقق مبيعات عالية في معرض الكتاب يدل على سعي المواطن للتنفيس عن احتقانة و كبت الحريات الذي يعيشة من خلال البحث عن اي كتابة تنتقد فيها الحكومة و الدوله و لا يهم هل كان هذا النقد مستند علي اسباب واقعية او لا الامر الذي يفرض على الدوله اعادة قراءة المشهد العماني و العربي و تحرك بخطوات مدروسه لمعالجة حالة التملل و الاحتقان التي تعيشها البلاد.
حمود السعدي
تعليقات
إرسال تعليق