قراءة في رواية لا أحد ينام في الإسكندرية لإبراهيم عبدالمجيد


 

لا يحتاج القارئ إلا إلى إتمام بضع صفحات من رواية إبراهيم عبدالمجيد ليدرك أنه أمام عمل أدبي عظيم استحق مكانه في قائمة أفضل مائة رواية عربية. فمن افتتاحيته الرائعة التي يصوّر فيها قرار هتلر غزو بولندا في مشهد درامي جميل، يكون بطله هتلر نفسه، الى انتقاليته السلسلة إلى قرية في صعيد مصر حيث يعيش أبطال الرواية ، أناس بسطاء يواجهون أزماتهم الخاصة، غير مدركين كيف أن قرارًا يُتخذ في قصر ٍعلى أحد الجبال الألمانية سيعصف بحياتهم ومصائرهم إلى الأبد.

تحكي الرواية قصة مجد الدين، شاب مصري فلاح من إحدى القرى، تحمله الأقدار هو وعائلته الصغيرة إلى الهجرة نحو الإسكندرية بسبب ثأر قديم يُتهم فيه ظلمًا. يصل مجد الدين إلى المدينة في الليلة نفسها التي تندلع فيها شرارة الحرب العالمية الثانية، وهناك يعيش مع عائلته محنة الحرب ، لتتحول الإسكندرية ـ تلك المدينة التي سيتعلق بها لاحقًا ـ إلى محور للنار والجحيم، ساحة تتصارع فيها القوى الكبرى على أرض البسطاء الذين يستغلهم الجميع، المهاجمون والمدافعون على حد سواء.

بعد وصوله المدينة ينغمس مجد الدين بين الناس البسطاء في رحلة طويلة من الشقاء والفقر، ويتعرّف إلى شخصيات ستصبح محورية في حياته وحياة عائلته خلال زمن الاضطراب والحرب. يحصل مجد الدين في النهاية على عمل دائم في مصلحة القطارات بعد سلسلة من الأعمال المؤقتة، ليصبح جزءًا من الآلة الحربية البريطانية في المشرق، ويبلغ هذا الاندماج ذروته حين يُنقل قسرًا للعمل في محطة قطار في منطقة صحراوية معزولة تُسمّى العلمين؛ الموقع الذي سيشهد إحدى أهم معارك الحرب العالمية الثانية.

من خلال رحلة مجد الدين، يقدم عبدالمجيد سردًا مصريًا خالصًا للحرب العالمية الثانية، كما يقدم رسالة حب لمدينة الإسكندرية: عن جمالها وروعتها، عن تناقضاتها وصراعاتها، عن أهلها وتنوعهم. كل ذلك يأتي في صورة دراما إنسانية ثرية تحكي قصص الحب والرحيل والعلاقات بين الطوائف، في نص يزخر بشخصيات لكل منها مسارها وتحولاتها، في سردية جميلة أقرب إلى شريط سينمائي يلتقط التحولات الكبرى التي تمر بها الشخصيات البسيطة في خضم ما يشهده العالم والمدينة من تغيّرات.

ويضيف عبدالمجيد إلى جمال الرواية نفحات صوفية ولمحات متصوفة تحمل النص في بعض الأحيان إلى ذُرى الكتابة الأدبية المصرية المعاصرة، لتصبح الرواية مزيجًا رائعًا يجمع في نص واحد بين النفَس الصوفي الإنساني لنجيب محفوظ والصرامة البحثية البنيوية لصنع الله إبراهيم.

تقيمي الشخصي: 9/10

يقع الكتاب في 471 صفحة، بين يديّ الطبعة السابعة الصادرة عن دار الشروق عام 2015. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم