قراءة لرواية يوم رائع للموت للكاتب الجزائري سمير قسيمي


القدرة على تكوين صورة بصرية كاملة للمشهد الرواية الرئيسي هذا باختصار النجاح الذي حققه الكاتب الجزائري سمير قسيمي في روايته يوم رائع للموت حيث استطاع من خلال فصول الرواية الثالثة التي عنوانها : الفصل الاول ، الفصل الاول مكرر و الفصل الثاني ، تكوين مشهد سينمائي رائع بكل تفاصيله الدقيقة لذلك اليوم العجيب الذي عاشة بطل الرواية. الرواية رشحت ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام ٢٠١٠ و لاني للاسف لم اقراء ايا من الروايات التي وصلت للقائمة القصيرة لذلك العام فلا يمكنني ان اطلق حكما فيما اذا كانت هذه الرواية تستحق ان تصل الى القائمة القصيرة او لا و لكني مع ذلك و من خلال هذه الرواية استطيع القول ان القائمة القصيرة لعام ٢٠١٠ يجب انت تكون افضل قائمة قصيرة رشحت للجائزة لعدم احتوائها عالرواية من هذا المستوى فقد وجدت الرواية افضل بكثير من بعض الروايات التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة في اعوام اخرى.

 قبل الحديث عن الرواية اريد ان انبه الي امر مهم جدا و هو اني امام هذه الرواية وقفت حائرا لعدة ايام في كيفة وصفها و الحديث عنها دون ان فضح اي من التويست ( twist : اقرب كلمة لها بالعربية مفاجئة ) فيها، فحقيقة الامر ان الرواية مبنية على كمية كبيرة من المفاجئات ( التويست ) ويصعب الحديث عنها  و عن موضوعها دون فضح شيء من تلك المفاجئات و لكني قررت في النهاية ان اتحدث عنها هنا حديثا سطحيا مع تاكيد ان الرواية رائعة كعنوانها و تستحق القراءة حتى اخر صفحة فيها فكل صفحة تحتوي من المفاجئات تتغير معها فهمك وقرائتك للرواية بالكامل.  

تدور احداث الرواية من البداية الي النهاية في مشهد واحد و هو واضح من عنوانها و هي لحظة قفز بطل الرواية من فوق عمارة من خمس عشر طابق. خلال تلك اللحظات القصيرة التي قدرها بطل الرواية حليم بن صادق ببضع ثوان من خلال حسابة للوزنه و تقديره للمسافة السقوط يعيد حليم صادق دراسة حياته و يستذكر الاسباب التي اوصلته الي تلك اللحظة الحاسمة. تتسع تلك الثواني العشر لتشمل صفحات الرواية الكاملة و لتشكل صورة بصرية و سينمائية لمشهد الانتحار و السقوط و كذلك لتاريخ بطل الرواية و حياته السابقة. 

باختصار يقرر حليم صادق الشاب الاربعيني الانتحار سيرا علي خطا صديقة الحميم عمار الطونبا الذي ينتحر تحت قطار بعد فشل قصة حبه بسبب رفض اهله القاطع ارتباطته وزواجه بفتاة من الحي للسمعتها السيئة فيه. تختلف اسباب حليم صادق عن صديقة الطونبا فهو كما يقول لا ينتحر من اجل الحب بل ينتحر ليهزم القدر و يقرر مصيره لاول مره في حياته. الا ان الحقيقة تقرر ان سبب انتحاره هو يائسه من حياة التي بلغ فيها الاربعين خسر خلالها حبيبته الوحيدة و ظل فيها صحفي صغير يتسلط عليها مديره في العمل. كما لا يخفي حليم السبب الاخر الذي يدفع الي هذه الخطوه الذي يمكن اعتباره رئسيا وهو بحثه عن الشهره في انتحاره و هو ما لم يقدر على تحقيقة في حياته. 

لا ياحول الكاتب في روايته تقديم رؤية فلسيفة حول الموت و الانتحار و رغم انه في بداية الرواية يقدم تعليل فلسفي شاعري رائع للفكرة للانتحار حيث يقول “  اكثر ما جعله يقتنع بفكرة الانتحار ، ما تحمله من شاعرية يضيفها الناس على من يقتل نفسه ، فالمنتحر استثناء بشري لقاعدة القضاء و القدر ، فهو الوحيد الذي يعرف مقدار عمره و لحظة انتهاء اجله، كانت نشوة معرفته بلحظة موته اكثر ما جعله يقدم على فكرة الانتحار … “ الا ان الكاتب يكتفي بهذا القدر كما انه ينتصر للقدر في نهاية الرواية و هو ما لن اتحدث عنه هنا بطبيعة الحال. كما لا تركز الرواية حول موضوع النقد الاجتماعي رغم مغازلتها لهذه الموضوع. ببساطته تقدم الرواية صورة لشاب العربي المثقف البائس الذي يخذله الوطن الديكتاتوري الفاسد و يتنكر له المجتمع المنافق فلا يجد الا الانتحار طوق لنجاة من الحياة البائسة و المشتته التي يعيشها. على كل حال ليس هذا ما تقوم عليه الرواية فقط ، فالرواية قائمة بشكل رئيسي على الدراما الجميلة و الساخرة في كثير من الاحيان و على ذلك المشهد الرائع، ليست هناك رسائل فلسفية و اجتماعية و سياسية كبرى انما دراما جميلة اختصرت في ذلك المشهد الذي يكونه سمير قسيمي بكل تفاصيله. 

اخيرا الرواية كتبت بلغة بسيطة و عبارات سهلة فهي من نوع الكتابة السهلة الممتنعه. رغم انه قائمة على مشهد واحد الا انه ثرية بالشخصيات المركبه و الحقيقة  و الاحداث المشوقه و المفاجئات العاصفة السعيدة و المخيبه و رغم ان الماصدفات تلعب دور حساس في الرواية و رغم انها قد تكون مصادفات غير واقعية الا انه جاءت جميلة و مهمة و في تكون المشهد الرائع للموت. 

الرواية بين يدي هي الطبعة الاولى ٢٠٠٩ و منشوره عن منشورات الاختلاف  ودارالعربية للعلوم و تقع ١٢٠ صفحة … 
تقيمي الشخصي : ٨/١٠ 
مر ٨١ يوما و١٨  كتبا ، القادم هو رواية رشحت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية بعنوان الفيل الازرق للكاتب المصري احمد مراد.  

ملاحظة : الاخطاء الاملائية الواردة سببها عدم وجود مصصح في البرنامج الذي استخدمه للكتابه و لذلك اطلب العذر مسبقا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم