قراءة في رواية “ مائة عام من العزلة “ للروائي الكولمبي غابريل غارسيا مركيز

علي الاعتراف قبل كل شيء اني قد اكون في هذا الموقف ضحية من ضحايا ما اسميه الهايب او الهيلامان الذي تصيب بعض الاعمال الادبية او الفنية او السنيمائية او حتى الشخصيات العامة فيجعلك تكون صورة او فكرة عالية حول هذا العمل  و تلك الشخصية ربما يستحيل ان يصل اليه اي عمل على الاطلاق فتقع عند اختباره ضحية للاحباط و ربما يصيبك النفور من ذلك العمل رغم ما قد يكون فيه من جمال و اتقان و تميز. ولذلك وجدت نفسي في حيرة و ان اقرأ و انتابتني نفس الحيرة و انا احاول ان الم افكاري قبل كتابة هذه السطور الا اني انتهيت انني يجب ان اقدم هنا قرئه بعيدة عن كل افكاري المسبقة و بعيدا عن كل ما قيل لي و ما قرأته و سمعته حول هذه الرواية و كاتبها و اتعامل معها على انه رواية وجدتها بصدفة بين كتبي فشدني العنوان فاندفعت في قرأتها. 

تدور احداث الرواية حول ست اجيال من عائلة ال بوينديا التي يهاجر مؤسسها خوسية اركاديو بوينديا و زوجته اورسلولا من قريتهما مع مجموعة من المعجبين بشخصية خوسية و يأسسا مدينة متخيلة على ضفة احد الانهار في منطقة المستنقعات، يسميها خوسية باسم لا معنى له هو “ ماكوندو” يستوحيه من احد احلامه حيث يحلم في بداية الرواية انه يأسس مدينة بيوتها من الجليد تسمي ماكوندو. ترصد الرواية حياة ست اجيال من هذه العائلة سيئة الحظ على اقل تقدير في هذه القرية الصغيرة محاولة من خلال ابطال الرواية و ما يوجهونه تقديم دراسة رمزية لتاريخ امريكا اللاتينية و الصراعات التي عاشتها تلك المستعمرات و الدول ابان تاسيسها و خلال تاريخها الحديث سواء الصراع بين القوى المحافظة و القوى اللبرالية التي تتحول الي حرب اهلية مع الجيل الثاني من الرواية او الصراع بين الرأس مالية العالمية مع البولتاريا ممثلة باضرابات العمال التي تشهدها ماكندو و التي يقودها احد افراد الجيل الرابع من العائلة في وجهه شركة الموز التي يسيطر عليها مجموعة من المستثمرين الامريكين الذي ينتهي بمذبحة مريعة. تنجح الرواية بشكل رائع في تسليط الضوء علي فساد الانظمة المحافظة في امريكا اللتينية و يصلح التعميم هنا ربما على كل الانظمة المحافظة  و تحلفها مع الرأس المالية العالمية في تدمير و سرقة ثروات البلاد استغلال و استعباد الشعوب و العمال فيها. تقدم الراوية دراسة حول فكرة السلطة و العادلة متخذا من ماكوندو مثلا او رمزا و اثر تدخل الخارج في حياة البسطاء بدواعي اقامة العدل و بسط نفوذ الدولة الذي يكون في النهاية المؤسس للمصائب و النكبات التي تعيش القرية و سكانها. 

لا تركز الرواية على الصراعات السياسية في امريكا اللاتينية ، و هي الصراعات التي شهدها معظم العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي ، فقط و ان كان هذا الموضوع يشكل محور كبير من محاور الرواية  فانه ليس الثيم الحيد في الرواية . فاحد اهم الثيمز ( السمات ) التي تتمحور حولها الرواية هو عامل الزمن و تكرر التاريخ . يقدم الكاتب الزمن علي انه دائرة تبدا و ينتهي عند نفس النقطة حيث يكرر نفسه في كل جيل من اجيال عائلة ال بونيديا و  فنشهد الاحداث التي يمر بها ابطال الرواية و التي تكون في الغالب سيئة الحظ و تتكرر في كل جيل من اجيال العائلة خلال العقود العشر التي تعيشها العائلة في القرية ماكندو. ثيم (سمة) اخرى تحفل بها الرواية ، و هي سمة في الحقيقة لست من المعجبين بها و هي رغم ذلك من اكثر المواضيع التي احتفل بها النقاد و القارء عند حديثهم عن الرواية ، و هي سمة  “ العجائب الواقعية ( magical realisiom ) “ فالرواية تحفل بكثير من الاعاجيب التي تظهر في الرواية  على انها احداث طبيعية في الغالب و ليست من الغرائب. علي انه و رغم اني لست من معجبي هذ النوع من الكتابة ، فان علي الاعتراف ان الكاتب ينجح في مزجها بصورة متميزة حيث نجد العجائبتلعب دورا محوريا في بعض الاحيان الا انها لا تهيمن على الاطار العام للقصة و الشخصيات، فالقارء يستطيع رغم ما يواجه شخصيات الرواية من اعاجيب التعرف علي ابطال الرواية علي انها شخصيات حية وواقعية و لا يفقد ابدا عاطفتة اتجاهها. 

قبل الانتهاء علي التعريج على موضوع الترجمة فهذه الرواية هي اول تجربة لي مع الادب المترجم و علي الاعتراف ان صالح علماني نجح نجاحا منقطع النظير في نقل الرواية الي اللغة العربية دون اني يشعرك انك امام نص مترجم و انما امام نص اصيل كتب اصلا بالعربية. 

اخيرا، اريد ان اقول الرواية ساحرة و جميلة و لكني لا اعتقد انها تصل الي كل تلك الابه التي حيكت حولها و بصراحة فقد وجدتها في النهاية دراج ( extanded it welcome ) حسب التعبير الانجليزي و اصابتني ببعض الضجر خصوصا الفصول الاخيرة مع اريلينو خوسية الثالث و امارنتا اورسولا. هناك الكثير مما يمكن القول حول الرواية سواء من ناحية الوصف الرمزية و الصورة السينمائية الرائعة و لكني اكتفي بهذا القدر لان الرواية حسب اعتقادي لا تحتاج شهادة قارء بسيط مثلي لا يقرا ما يكتبة سواء بضعة اشخاص في هذا الفضاء الازرق. 

الرواية بين يدي هي الطبعة السابعة  ٢٠١٥ و منشوره عن دار المدى و تقع ٥٠١ صفحة ، الطبعة الاولى نشرت عام ١٩٦٧م.  
تقيمي الشخصي : ٨/١٠
مر ١٠٥ ايام و٢١ كتابا ، القادم هو مع الاستاذ محمد حسنين هيكل و كتابة “ العروش و الجيوش : كذلك انفجر الصراع في فلسطين “.  

ملاحظة : الاخطاء الاملائية الواردة سببها عدم وجود مصصح في البرنامج الذي استخدمه للكتابه و لذلك اطلب العذر مسبقا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة للمجموعة القصصية أكابر لميخائيل نعيمة

قراءة لرواية خان الخليلي لنجيب محفوظ

قراءة لمسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم